أفريقيا برس – الجزائر. أوحت مصادقة مجلس الوزراء الجزائري على قانون التعبئة العامة، الى نية السلطة في المرور الى وضع استثنائي، تحسبا لأي سيناريو مفاجئ، في ظل تفاقم المخاطر المحدقة بالبلاد، لاسيما وأن الحدود الجنوبية باتت تحت مرمى ضربات عسكرية غير بعيدة، لكن ذلك لم يبعد فرضية ترتيب آخر داخل أروقة السلطة بعد التغييرات التي مست شخصيات مدنية وعسكرية، وملء الفراغ القانوني، وحتى خلق حالة سياسية يسمح للسلطة بتعبئة مقدرات وموارد الدولة لأغراض معينة، وانهاء العمل بالمؤسسات التقليدية العادية.
اضطلعت الآلة الدعائية للسلطة، بايعاز من دوائر القرار، الى التخفيف من حدة التساؤلات المطروحة من طرف الشارع الجزائري، بمحاولة الإيحاء بأن المسألة لا تعدو الا نص تنظيمي للعملية، وتجسيد لمحتوى البند التاسع والتسعين من دستور البلاد، الا أن الخطاب الرسمي السائد في البلاد، يشي الى أن الحالة باتت قريبة، في ظل استحضار الوزير المنتدب للدفاع ورئيس أركان الجيش، في ظهور له مع المنتسبين لمؤسسة الجيش، لخطاب المؤامرات والأخطار المحدقة، وضرورة تعبئة الامكانيات والموارد الأمنية والعسكرية تحسبا لأي سيناريو.
ويرى المحلل السياسي كمال بوزيد، بأن “الوضع في منطقة الساحل بات مصدر قلق كبير للجزائر، لاسيما بعد التصعيد الناجم عقب حادثة الطائرة المسيرة المالية التي أسقطها الجيش الجزائري مطلع الشهر الجاري، وهو مؤشر كاف، وأن العمليات العسكرية المستمرة بالقرب من الحدود البرية، يستدعي حالة من اليقظة والاستنفار تحسبا لأي خطر يستهدف الأمن الاستراتيجي للبلاد”. برأي مراقبين لاعلان مثل الحالة، خاصة في ظل اصرار الجيش المالي على الاقتراب من الحدود الجزائرية، بدعوى ملاحقة المجموعات الارهابية.
وأضاف: “الحالة منصوص عليها في البند التاسع والتسعين من دستور البلاد، لكنه في المنظومة التشريعية غير وارد البتة، ولذلك فان خطوة مجلس الوزراء جاءت لسد فراغ قانوني، وفي حالة تفعيله تحت أي ظرف من الظروف، سيكون كل شيء واضح ولا لبس أو غموض يعتري العملية، كما حدث في تسعينيات القرن الماضي لما تم استدعاء عناصر الاحتياط للعمل العسكري في اطار الحرب على الإرهاب، لكن غياب نص ينظم العملية، خلق حالات إدارية واجتماعية غير مسواة بعد انتفاء المرحلة 1990- 2000”.
وكانت بيان للجيش المالي، قد أعلن تنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية في منطقة تالهانداك التي تبعد عن الحدود الجزائرية بنحو كيلومترين، وقال: “العمليات استهدفت جماعات إرهابية، وأنه نجح في تدمير البنية التحتية اللوجستية وتحييد حوالي 15 مقاتلا”.
وهو ما يوحي الى أن مخطط القيادة العسكرية في حربها على التنظيمات المسلحة المعارضة في الشمال، وأنه لا يعير أهمية لمطالب الجزائر بعدم الاقتراب من الحدود المشتركة، رغم حالة الاحتكاك الناجمة عن الطائرة المسيرة التي أسقطتها وحدات الدفاع الجوي مطلع الشهر الجاري، بعد اختراقها للمجال الجوي.
وفي المقابل كشف الناطق الرسمي باسم جبهة تحرير أزواد محمد المولود رمضان، أن “طائرة مسيرة في إطار العملية التي قادها الجيش المالي في تالهانداك، استهدفت مرآبا للسيارات مما أدى إلى مقتل شخصين مسنّين وطفل. وأن هذا العمل الوحشي، الذي ارتُكب ضد مدنيين أبرياء، ما هو إلا تجسيد آخر للوحشية العمياء وسياسة الإرهاب التي تمارس ضد أزواد”.
ومع ذلك تبقى خطوة التعبئة العامة المعلن عنها في اجتماع مجلس الوزراء، مثيرة للجدل والتأويلات، حيث ربطتها مصادر سياسية، بحركة التغييرات التي طالت هرم مؤسسات مدنية وعسكرية، حيث تم الاعلان عن تعيين قائد جديد لسلاح الدرك الوطني، الواقع تحت وصاية وزارة الدفاع، ويتعلق الأمر بالعميد سيد أحمد بورمانة، خلفا للواء علي يحي والحاج، الى جانب عدد من الضباط المساعدين له، كما تم تنحية المستشار السياسي المكلف بالعلاقات مع الأحزاب والمجتمع المدني، العقيد المتقاعد شفيق مصباح، ولا تستبعد تغييرات نوعية أخرى في المدى القريب.
ويرى هؤلاء، بأن المغزى من اصدار القانون، هو قطع الطريق على كل محاولات التغيير من داخل السلطة، الذي تسعى اليه عناصر من داخلها، خاصة وأن فرضية تحريك فرنسا لعناصر مقربة منها، من أجل قلب الموازين ضد المناهضين لها، أمر وارد.
وأوحت الخطوات المسجلة في الهرم السياسي للبلاد، الى أن السلطة بصدد الذهاب الى اعلان حالة التعبئة العامة، فبعد المصادقة على القانون التنظيمي للوضعية، من طرف مجلس الوزراء، تم انعقاد المجلس الأعلى للأمن، ولم تبق الا استشارة رئيس الجمهورية لرئيسي غرفتي البرلمان، صالح قوجيل وابراهيم بوغالي.
وتعترض خطوات السلطة مشكلة اجرائية تتعلق بوضعية الغرفة الثانية للبرلمان، باعتبار أن الثلث الرئاسي الذي يعنه رئيس الجمهورية، لم يتم لحد الآن، رغم اجراء الانتخابات الجزئية منذ عدة أسابيع، فضلا عن عدم استخلاف رئيس الغرفة صالح قوجيل، الذي انتهت مهلته منذ شهرين برئيس جديد.
كما أثنى كل من رئيس الغرفة الأولى (المجلس الشعبي الوطني) ابراهيم بوغالي، ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقالدر بن قرينة، على الخطوة المتخذة من طرف مجلس الوزراء، فضلا عن حملة افتراضية على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو الى عدم سفر الرئيس تبون، الى العراق للمشاركة في القمة العربية، بدعوى الأخطار التي تستهدف البلاد وشخصه، توحي كلها الى أن التمهيد جار لاطلاق القرار للشارع الجزائري.
وقال خبير القانون موسى بودهان، لـ “أفريقيا برس”، بأن “الجزائر عرفت منذ استقلالها في 1962 حالة وحيدة للتعبئة العامة، أعلنت في صائفة العام 1967، غداة الهزيمة النكراء التي منيت بها الجيوش العربية أمام الجيش الاسرائيلي، والتي كان الجيش الجزائري أحد أطرافها، وما عدا ذلك لم تعرف أي محالة أخرى، حتى في ذروة ما يعرف بحرب الرمال العام 1963، أوة أثناء الأزمة الأمنية (1990-2000)، واكتفت القيادة العسكرية باعلان حالة الحصار العام 1992، ثم خفضتها الى حالة الطوارئ في 1996، وهي الحالة التي لم ترفع الا في عام 2011”.
وتباينت التأويلات في البلاد حول خلفيات ودلالات حرص السلطة على تجسيد البند الدستوري في نص تنظيمي، بالموازاة مع تطورات متسارعة داخليا وخارجيا، غير أن الراجح هو استغلال السلطة للمناخ الجيوسياسي السائد في المنطقة، لرسم مسار جديد يؤطر الوضع الداخلي بشكل تطبق فيه مقتضيات الحالة على حساب النصوص التنظيمية العادية، وهو المسار الذي يكون ليّنا بهذه الوضعية بدلا من اعلان وضع أمني أو سياسي استثنائي تديره المؤسسة العسكرية.
لكن المحلل السياسي ميلود رقيق، يرى في تصريح لـ “أفريقيا برس”، بأن “حالة التعبئة العامة، التي تحشد كل الامكانيات والموارد لصالح السلطة المركزية، تنطوي على اجراءات مرافقة لمختلف القطاعات المدنية، وهو ما ينهي جميع أشكال الاحتجاج أو النقد أو النشاط السياسي، مما يسمح للسلطة بتمرير أجندتها دون ازعاج، وحتى ابعاد الاستحقاقات السياسية والانتخابية بدعوى الوضع القائم، وحتى الدستور قد يتم تعطيله”.
ولفت المتحدث، الى أن حالة “التعبئة العامة، تغني السلطة، عن الحالات الاستثنائية التي يعلنها في الغالب الجيش، وهي وضعية تكون مرفوضة ومثيرة للجدل الداخلي والخارجي، ولذلك فان الحالة الأولى هي غطاء مدني يأخذ شكله وطبيعته من الأوضاع والمناخ السائد في المحيط”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس