أفريقيا برس – الجزائر. يستمر تضارب الروايات حول الأسباب الحقيقية لقرار الجزائر بطرد نائب القنصل المغربي من مدينة وهران محمد السيفاني، وفيما تحدثت تقارير محلية عن أن اتفاقية فيينا لعام 1961 تضمن للطرف المعتمد حق عدم الكشف عن أسباب طرد الدبلوماسي غير المرغوب فيه، ذهبت أخرى إلى أن تحقيقات ميدانية أفضت إلى علاقة الرجل بخلايا تجسس وإرهاب، بينما اعتبر المغرب التهم باطلة، واصفًا إياها بأنها حلقة جديدة من مسلسل التصعيد.
وأفاد تقرير جزائري بأن “هذا القرار جاء في أعقاب نتائج ميدانية حققتها مصالح الأمن المختصة في الفترة الأخيرة، استهدفت خلايا تجسس مغربية داخل التراب الوطني، خاصة في الجهة الغربية من البلاد، كما تزامن الأمر مع ضبط شبكة إرهابية قامت بأعمال وحشية في ولاية وهران بغرض ابتزاز عائلات لتمويل وإسناد الإرهاب”.
وأضاف: “التصرفات المشبوهة التي استدعت طرد الدبلوماسي المغربي تؤكد استمرار الأعمال غير الودية ونهج العداونية، وأن هذه الأعمال أخذت منحى تصاعديًا رغم قرار القطيعة المتخذ من الطرف الجزائري منذ صيف العام 2021”.
وتُعدّ المعطيات المذكورة آخر ما استجد على لسان صحيفة “الخبر” المحلية الخاصة، ورغم أنها لم تُشر إلى مصدر معين، فإن قربها من السلطة يوحي بتزويدها بالمعلومات من طرف جهة مسؤولة، كردّ على التساؤلات التي طُرحت على أكثر من مستوى بشأن الأسباب الحقيقية لقرار الطرد، بينما لا تزال المؤسسات الرسمية تتحفّظ على تقديم تفاصيل إضافية حول المسألة.
وتعتبر الجزائر إدارة الخلايا التجسسية والإرهابية المذكورة من طرف مسؤول دبلوماسي أنشطة تكميلية للسردية التي برّرت بها قرار القطيعة السياسية والدبلوماسية مع المغرب منذ شهر أوت من عام 2021، وهو ما يعمّق الأزمة بين البلدين، ويدفع بالمنطقة إلى المزيد من التوتر.
وسبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن أكّد “رصد خلايا تجسس مغربية مرتبطة بإسرائيل”، وذلك في معرض حديثه عن لجوء الجزائر إلى فرض التأشيرة على حاملي جواز السفر المغربي بدافع “تحصين الأمن القومي للبلاد”.
وربط التقرير الجزائري بين النشاط المنسوب لنائب القنصل المغربي في مدينة وهران، وبين تقارير أمنية محلية رصدت تناميًا غير مسبوق للأنشطة المغربية المشبوهة، خاصة بعد ضبط رعايا مغاربة تبيّن أنهم مجنَّدون لأغراض التجسس أو لإغراق البلاد بالمخدرات والمهلوسات.
وذكّر التقرير بالخلية التجسسية التي فُككت قبل بضعة أشهر في مدينة سيدي بلعباس، والمكوّنة من رعيّتين مغربيين، هما الإدريسي عبد الرحمان، والبوعيني رشيد، اللذان كانا يقومان بأعمال تجسس لصالح جهة أجنبية تحت غطاء العمل في مجال الجبس. كما أشار إلى تفكيك شبكة أخرى في مدينة تلمسان مكوّنة من سبعة أفراد، من بينهم أربعة مغاربة، كانت تشكّل شبكة للتجسس والتخابر بغرض المساس بأمن الدولة، حسب ما أفاد به وكيل الجمهورية لدى محكمة تلمسان، مصطفى لوبا، في الأول من سبتمبر الماضي.
وقررت الجزائر، في خريف 2024، إعادة العمل الفوري بفرض تأشيرات دخول على حاملي جوازات السفر المغربية، واتهمت المغرب بـ”إساءة استغلال غياب التأشيرة بين البلدين”، والانخراط في “أفعال شتى تمس باستقرار الجزائر وأمنها الوطني، من بينها نشر عناصر استخباراتية إسرائيلية من حاملي الجوازات المغربية للدخول بحرية إلى التراب الوطني”.
وسبق لقنصل مغربي في مدينة وهران أن وصف الجزائر، في عام 2020، بـ”البلد العدو”، خلال حديثه مع رعايا مغاربة كانوا يحتجون على عدم توفير سلطات بلادهم الإمكانيات اللازمة لتسفيرهم أثناء موجة داء كورونا، والحصار الذي أعلنته حينها عدة حكومات، وهو ما اعتبرته الحكومة الجزائرية أمرًا “غير مقبول” و”تصريحًا غير مسؤول”، وطلبت منه مغادرة التراب الوطني.
ذكر الدبلوماسي المتقاعد بن عطا الله، لـ”أفريقيا برس”، أن “البند التاسع من اتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية لعام 1961، والبند 23 من اتفاقية فيينا حول العلاقات القنصلية لعام 1963، يمنحان الدولة المعتمد لديها الحق في إعلان أي دبلوماسي على أراضيها ‘شخصًا غير مرغوب فيه’ دون الحاجة إلى تبرير قرارها”.
ولفت إلى أن “من بين الأسباب التي يتم على إثرها استدعاء الدبلوماسيين، السلوكيات غير المطابقة أو الخطيرة تجاه الأمن القومي، أو ارتكاب جريمة خطيرة بشكل خاص في البلد الذي يُعتبر فيه الشخص غير مرغوب فيه، أو قيامه بتصرفات مشبوهة تتنافى مع طبيعة ممارسة مهامه بالممثلية الدبلوماسية”.
وأفاد بيان لوزارة الشؤون الخارجية بأن خليد الشيحاني، المسير بالنيابة للقنصلية العامة للمملكة المغربية في الجزائر، تم استدعاؤه إلى مقر الوزارة، حيث استُقبل من طرف مختار أمين خليف، المدير العام للتشريفات، وتم إبلاغه بقرار السلطات الجزائرية.
وأشار البيان إلى أن القرار يستند إلى “قيام المعني بتصرفات مشبوهة تتنافى مع طبيعة ممارسة مهامه بالممثلية القنصلية المذكورة، بما يشكل خرقًا للقوانين الجزائرية السارية المفعول في هذا المجال، وكذلك للقوانين والأعراف الدولية ذات الصلة، وخاصة اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية”.
وأضاف: “لقد تم إبلاغ خليد الشيحاني بأن نائب القنصل العام المغربي بوهران، محمد السيفاني، شخص غير مرغوب فيه، مع إلزامية مغادرة التراب الوطني في أجل أقصاه 48 ساعة”.
وتأتي الخطوة في سياق يطغى عليه التوتر في المنطقة، بسبب العداء المتصاعد بين البلدين، والذي يدفع في بعض الحالات إلى المواجهة العسكرية، في ظل الحشد الأمني والعسكري المسجل على الشريط الحدودي الفاصل بينهما، الأمر الذي يوحي بتوجه الوضع نحو نقطة اللاعودة، خاصة في ظل فشل العديد من محاولات التهدئة والوساطة.
ومع ذلك، أفاد الدبلوماسي السابق محمد زغلاش بأن اكتفاء الجزائر بإعلان قرار الطرد دون التفصيل فيه يعكس نية في الإبقاء على هامش لتلافي التصعيد، كون الأعمال المنسوبة للدبلوماسي المغربي قد تكون تصرفات شخصية، إذ عادة ما يتم إعلان تفاصيل هذه التصرفات للرأي العام عندما تكون الدولة التي ينتمي إليها الدبلوماسي متورطة.
ولفت إلى أن “بيان الخارجية الجزائرية لم يتطرق إلى أي علاقات مباشرة أو غير مباشرة لتصرفات نائب القنصل مع حكومة بلده، ولذلك فإن التصرفات المشبوهة قد تتضمن جوانب تتعلق بسلوك المعني وحده”. لكنه أبقى على فرضية “الدرجة العالية من الخطورة”، نظرًا لأن المهلة الممنوحة لم تتجاوز 48 ساعة فقط.
وأوضح المحلل السياسي المغربي محمد شقير أن “قرار الجزائر بطرد نائب القنصل المغربي يندرج في إطار الحرب الاستخباراتية المستمرة بين البلدين، والتي تصاعدت بعد قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود”.
وأضاف: “البيان الجزائري، رغم لغته الدبلوماسية، يلمّح بوضوح إلى اتهامات غير مباشرة بالتجسس، ما يعكس قناعة السلطات الجزائرية بوجود أنشطة استخباراتية مغربية تستهدفها”.
ويأتي هذا التصعيد بالموازاة مع المعركة السياسية والدبلوماسية المفتوحة بين البلدين، حول قضية الصحراء الغربية، المطروحة في موعدها الدوري أمام هيئات الأمم المتحدة، للنظر في قضايا حقوق الإنسان، ولجنة تنظيم الاستفتاء (المينورسو).
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس