أفريقيا برس – الجزائر. تحولت مبادرة لافطار رمزي نظمه شبان مغاربة وجزائريون في طرفي حدود البلدين، الى موجة من مشاعر التعاطف والتضامن على شبكات التواصل الاجتماعي، لتكريس روابط الأخوة والجوار بين الشعبين الجزائري والمغربي، رغم الخلافات السياسية المتراكمة بين القيادات السياسية، وهي واحدة من مظاهر الترابط الاجتماعي والإنساني، خاصة لدى العائلات المقسمة على طرفي الحدود، والتي تترصد أي فرصة من أجل التعبير عن صمود أواصرها في وجه قرارات القطيعة المستمرة منذ عدة عقود.
المبادرة انطلقت من فكرة للمدون المغربي صابر الشاوني، بتخصيص اليوم الثامن عشر من شهر رمضان الفضيل، للافطار على الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر، وذلك في إطار جولة تتضمن الإفطار يوميا في واحدة من المدن والحواضر المغربية، فكانت بذلك تجربة استثنائية، بسبب التفاعل الكبير مع المبادرة، لاسيما بعدما وجد من يبادله نفس الفكرة، ويتم الإفطار على الجانبين، دون القدرة على التلاقي على مائدة واحدة، بسبب الحدود المغلقة بين البلدين منذ العام 1994.
وأخذت منحى اجتماعيا وانسانيا، بعد توجيه الشاب الجزائري زكريا، دعوى افتراضية لنظيره المغربي، الى مائدة مقابلة لا يفصل بينهما الا نحو 500 متر، في منطقة تقع بين بلدتي أحفير المغربية وبوكانون الجزائرية، حيث يمكن لهما رؤية بعضهما البعض، لكن الحدود المغلقة تحول دون لقائهما على مائدة واحدة.
وذكر ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، أن القصة أخذت بعدا وجدانيا، لما علم أن الشاب الجزائري ينحدر من عائلة مختلطة مغربية-جزائرية، فوالدته جزائرية ووالده مغربي، لكنه يعيش في الجزائر مع زوجته المغربية، بينما تقيم بقية عائلته في المغرب، وهذه الوضعية الاجتماعية ترجمت معاناة نفسية واجتماعية، عبر عنها بالقول: “أراهم من هذه النقطة، لا يفصلني عنهم سوى 100 متر، ومع ذلك، لا يمكننا العناق”.
ومع تلبية المدون المغربي لدعوة الشاب الجزائري، وتنقله إلى بلدة أحفير، التي تقع على مقربة من الحدود، حيث لا يفصلها عن قرية بوكانون الجزائرية سوى 500 متر فقط. وعند وصوله، التقى بشقيق زكرياء، الذي يعيش في المغرب، في لحظة تحمل مشاعر إنسانية جياشة، حيث جلس كل طرف على جهته من الحدود لتناول الإفطار على مرأى من بعضهم البعض، لكن دون القدرة على اللقاء الفعلي بسبب الحاجز الحدودي.
وحملت تلك اللحظات سيلا من المشاعر المختلطة، بين الفرح برؤية الأحبة ولو عن بعد، والحزن لعدم القدرة على اللقاء والجلوس معا على مائدة واحدة، وتم توثيق المشهد ونشره على نطاق واسع، حيث رأى كثيرون أنه يعكس مأساة آلاف العائلات المقسّمة بين المغرب والجزائر، التي لم تتمكن من اللقاء منذ إغلاق الحدود عام 1994.
وعادة ما تتحول النقاط المفتوحة بين البلدين على الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين، الى مواقع لتجمع ساكنة الشريط في البلدين من أجل تبادل التحايا والتبريكات بالتلويح بالأيدي في الأعياد والمناسبات، والتواصل بين أفراد العائلات المقسمة بين البلدين، ولا تستطيع الالتقاء بسبب الحدود المغلقة.
وقال مصدر محلي، لـ”أفريقيا برس”، بأنه “تحت ضغط الخلافات السياسية والمناكفات الإعلامية المتزايدة بين الجزائر والمغرب، يعمد البلدان الى عسكرة الشريط الحدودي، بنشر وحدات عسكرية إضافية ومعدات لوجستية تحسبا لأي انزلاق، الأمر الذي عمق أزمة العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين عائلات تجمعها روابط الدم والجيرة”.
ومرت أكثر من ثلاثة عقود على غلق الحدود البرية بين البلدين، والتي لا تفتح الا نادرا في حالات طارئة كتسليم المطلوبين، وهو ما أفضى الى حالة اجتماعية قاسية على العائلات المختلطة، حيث تضطر لقطع مسافات طويلة وتكاليف باهظة للالتقاء، وحتى المرور على دول أخرى، نتيجة القطيعة البرية والجوية والديبلوماسية القائمة.
وكانت الجزائر قد قررت غلق الحدود البرية بينها وبين المغرب العام 1994، في أعقاب قرار العاهل المغربي بفرض التأشيرة على الجزائريين، بدعوى دور مزعوم للاستخبارات الجزائرية في تفجير نزل في مدينة مراكش آنذاك، وطبقت قطيعة شاملة منذ العام 2021، بحجة قيام النظام المغربي بأعمال عدائية تجاه الجزائر.
وعبر ناشطون ومدونون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن تأثرهم بتلك اللحظات، وأن المبادرة البسيطة حملت رسالة رمزية تعكس حلم شعبي البلدين بإعادة فتح الحدود، وعودة العلاقات إلى مستوى الأواصر الاجتماعية والإنسانية، وأن الروابط العائلية والشعبية بين البلدين أقوى من أي خلافات سياسية.
وعلق أحد المغردين: “السياسة تفرقنا لكن الدم يجمعنا، هذه الصورة تلخص كل شيء”، وقال آخر، “نحن إخوة مهما حاولوا فصلنا، يوما ما سنكسر هذه الحواجز”.
وقال مصدر “أفريقيا برس”، رغم أن “المبادرة لا تغير الواقع السياسي في شيء، لكنها تظل شهادة حية على صمود المشاعر الأخوية بين الشعبين أمام القيود الجغرافية والسياسية، وستقاوم الأصوات الناعقة، بما فيها من تصنف نفسها في خانة النخبة السياسية والإعلامية في البلدين، أو المنخرطة في كتائب الذباب الالكتروني التي تشتغل على زرع الأحقاد والضغائن والدفع بالبلدين الى الصدام”.
وكانت فعاليات أهلية في البلدين، قد قادت محاولات في وقت سابق، للضغط على سلطات البلدين، من أجل مراعاة الظروف الاجتماعية والإنسانية للأسر المختلطة المقيمة في الشريط الحدودي، لكنها فشلت في ذلك بسبب تصلب مواقف الطرفين، ودخول تعبئة سياسية للمجتمع في شحن تلك الخلافات.
وتزامن الإفطار الرمزي للشابين المغربي والجزائري، مع الجولة التي يقوم بها الناشط السياسي الجزائري رشيد نكاز، الى مختلف المدن المغربية خلال شهر رمضان الجاري، حيث يقف على مختلف القواسم التراثية والثقافية والتقاليد المشتركة بين الشعبين، لابرازها على صفحاته في شبكات التواصل الاجتماعي، فضلا عن خطابه الداعي ضرورة الحفاظ على أواصر الأخوة والجوار بين الشعبين.
وخلف قرارات الساسة في البلدين، تختفي وشائج الأخوة، ففي أعقاب الجزائر بفرض التأشيرة على المواطنين المغاربة لدخول التراب الجزائري، تحت طائلة استغلال النظام المغربي لحركة تنقل الأشخاص المطبقة في السابق لزرع عناصر بغرض الجوسسة، قامت عائلات وأصحاب أعمال باحتضان وحتى إخفاء رعايا مغاربة في ورشاتهم ومنازلهم وتوفير وسائل المعيشة لهم، الى غاية تسوية وضعيتهم الإدارية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس