أفريقيا برس – الجزائر. بين تناقضات الموقف الرسمي في الجزائر بشأن تطور الوضع في سوريا، وبين ترحيب المناهضين للنظام العربي الحاكم، يصطف الخائفون على مصير سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، بسبب تجارب مماثلة لا زالت تمزق أقطار عربية، لاسيما وأن المخاض الذي تعيشه المنطقة منذ أكثر عام لم يبرز تجلياته لحد الآن، وأكثر من ذلك يستحضر الجزائريون، تهديدات من رتب الجزائر بعد سوريا في 2011.
لقي الموقف الرسمي الجزائري حول تطورات الوضع في سوريا انتقادات شديدة من طرف ناشطين سياسيين محليين وحتى سوريين، نظير التناقض الذي ميزه في ظرف قصير، ففيما عبر عن دعمه لنظام بشار الأسد، ووصف الثوار الزاحفين على دمشق بـ “الإرهابيين” في بداية الأمر، عاد في نهاية المطاف ليدعو جميع السوريين الى الحوار والتماسك والحفاظ على وحدة الأرض والشعب.
ومنذ الساعات الأولى لإعلان فرار بشار الأسد الى روسيا ودخول الجماعات المسلحة إلى دمشق، ظهرت بوادر التهليل والتبريك للشعب السوري من طرف ناشطين ومدونين واعلاميين جزائريين، حيث كتب المدون والإعلامي عبدالوكيل بلام، على صفحته الرسمية في الفيسبوك، “كما هرب صدّام من أرض المعركة واختبأ في جحر تحت الأرض، وفرّ بن علي والقذافي تاركين أتباعهم، يفرّ اليوم صبيّ دمشق وعائلته ليقضي ما تبقى من حياته متسوّلا في موسكو”.
وأضاف في منشور آخر باللسان الدارج: “البعض يظن أن الثوار راهم جايبين معاهم سواطير لقطع الأيادي ومشاحيط لجلد الزناة وأن سوق الحميدية سيفتح ركنا لبيع الجَواري”، في رد مبطن على من يتهم الإسلاميين بالتطرف والمغالاة.
وفي جانب آخر ظهر على شبكات التواصل الاجتماعي، مسلحان من السوريين يتوعدان النظام الجزائري بالزحف عليه بعد طي صفحة نظام الأسد، ووصفاه بـ”الديكتاتور” الداعم للأسد طيلة 13 عاما، وقالا أنهما سيجعلان مبنى السفارة الجزائرية “مرحاضا عموميا”.
التصريح على عزلته، يعكس درجة الحنق الذي يخيم على هؤلاء، وإن لم يكن موقفا معلنا من طرف قوى “هيئة تحرير الشام”، المتميزة لحد الآن بخطاب متوازن ومعتدل تجاه القوى الخارجية، فإنه يؤشر الى الصعوبات التي يمكن أن تعتري العلاقات الجزائرية – السورية في المستقبل.
خلفيات سياسية تحرك المواقف المعلنة
وكانت حركة مجتمع السلم (حمس)، المعروفة بمواقفها المنحازة للتيار الإسلامي، أول حزب سياسي جزائري يصدر بيانا حول تطورات الأحداث في سوريا، عقب سقوط نظام بشار الأسد، على يد المعارضة، أكدت فيه، على “ضرورة مساندة الشعب السوري، والوقوف إلى جانبه في حقه الشرعي في العيش في أجواء الحرية والكرامة والانعتاق”، وعبرت عن “دعمها للشعب السوري في تجاوز مراحل الصراع والتشرذم التي تسببت في تراجع دور سوريا، وأدت إلى تشريد ملايين السوريين في ظل النظام البائد”.
وباركت الحركة للشعب السوري تحقيق مطالبه في الانتقال السياسي والتخلص من الفساد والاستبداد، داعية إلى ضرورة ضمان وحدة الأراضي السورية، وتحقيق انتقال سياسي سلمي وعادل يحقق توافقا بين جميع مكونات الشعب السوري، بما يضمن الاستقلالية وسيادة القرار ووحدة الإقليم.
وأكدت على أن التفاهمات الداخلية الشاملة هي الضامن الوحيد لاستمرار كيان الدولة وحماية حقوق الشعب، بينما التفاهمات الخارجية غالبا ما تخدم مصالح الأطراف المتدخلة وليست بالضرورة في صالح الشعوب.
ودعت حركة حمس، المجتمع الدولي إلى “تبني مسار سياسي وديمقراطي مستدام بعيدا عن التدخلات والضغوط الخارجية التي تعيق إرادة الشعب السوري وتهدد وحدته ومصالحه”، داعية جميع الأطراف السورية إلى استخلاص العبر من التجارب العربية المريرة، ونبذ أسباب الانقسام والصراع على السلطة، والعمل على مستقبل مشترك قائم على الحوار والمصلحة الوطنية لتجنب الانزلاق في صراعات جديدة تعيق المسار التحرري.
وحثت الأطراف السورية على الحوار وتجنب الانقسامات، وضرورة استشراف التحولات العالمية لحماية وحدة الأوطان ومصالح الشعوب، وقطع الطريق أمام مخططات الاستهداف والتقسيم والتبعية، مع التصدي لمشاريع التطبيع والضغوط الخارجية.
وتبقى حركة حمس الجزائرية، الحزب الوحيد في الجزائر الذي لا يتأخر في دعم القوى السياسية التي تقاسمه نفس المرجعية، في اطار معالم التكتل الإقليمي والعالمي لتيار الاخوان، رغم الضربات القاصمة التي تلقاها في مصر وتونس، وبذلك تطرح نفسها كرابط بينها كفاعل سياسي جزائري، مع السلطة المنتظرة في سوريا.
تطورات متسارعة خلطت أوراق أنصار الممانعة
وفي المقابل صرح رئيس حزب “جبهة الجزائر الجديدة” جمال بن عبد السلام، المعروف بلقاءاته مع الرئيس بشار الأسد ودعمه له خلال السنوات الماضية، فيما كان يعرف بخط الممانعة والحرب على الإرهاب، لـ”أفريقيا برس”، بأن، “سقوط نظام الرئيس بشار الأسد لا شك أنه حدث كبير جدا فقد تهاوى في ظرف ثلاث عشرة يوما بعد صموده لثلاثة عشر سنة كاملة، ولا شك أن له تداعيات كبيرة وعميقة على الداخل السوري أولا، وعلى منطقة الشرق الأوسط ثانيا، وحتى على المخاضات الدولية والتجاذبات المحيطة بطبيعة النظام الدولي الجديد الذي سيتشكل”.
وأضاف: “الأسد رحل ولكن مستقبل سوريا مفتوح على كل الاحتمالات ويصعب التكهن بمآلاته وحدتها واستقرارها واستقلالية قرارها واستعادة أراضيها وطبيعة النظام السياسي الذي يحكمها ومدى قدرة هذا النظام الجديد على استيعاب المتناقضات التي يعرفها المجتمع السوري وتركيبته العرقية والمذهبية والايديولوجية…الخ، مآل العلاقات مع الكيان الصهيوني ويطرح معها مصير الفصائل الفلسطينية في دمشق (الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية القيادة العامة)، بل الأمر يتعدى الفصائل إلى الوجود الفلسطيني في سوريا، مصير حزب الله اللبناني خصوصا وسلاحه بصفة خاصة ومحور المقاومة بصفة عامة، الوجود الروسي في المياه الدافئة والبعد والدور الدولي لروسيا الذي أخذته من وجودها في سوريا”.
وتابع: “تداعيات انهيار نظام الأسد على القضية الفلسطينية داخل فلسطين وبالخصوص فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس ثم المنطقة العربية برمتها سوريا كانت عقدة الربط والتشابك والتقاطع بين كل هذه القضايا والقوى في عهد بشار الاسد العقد، اليوم انفرط العقد أكيد ولكن مازالت هناك الكثير من الضبابية ومناطق الظل حول ما حدث وماهي التسويات والصفقات التي تمت بين مختلف القوى، مما يجعل من أي قراءة أو رؤية آنية عملية متسرعة وسطحية وتفتقد للسند القوي لطرحها”.
وخلص متسائلا ومشككا، عما اذا كان “بإمكان الجولاني وأكثر من 100 فصيل، من استيعاب هذه الملفات كلها بتعقيداتها واكراهاتها وتوظيفها وتضاربها، لبناء نظام سياسي جديد يوقف سوريا على رجليها”. وهو الانشغال الذي يعكس حجم المخاوف التي تؤرق الجزائر والمنطقة عموما، خاصة فيما يتعلق بإمكانية عودة الروح لتيار الإسلام المسلح الذي أنهك بعض الأقطار، على غرار الجزائر التي عرفت عشرية دموية سقط فيها ربع مليون جزائري.
بين الإرهاب وحق الشعب السوري في الحرية
كانت الجزائر قد عبرت عن دعمها للرئيس السوري بشار الأسد عند بداية زحف الجماعات المسلحة، ووصفتها بـ”الإرهاب” الذي يهدد أمن واستقرار سوريا، حيث عبر وزير الخارجية أحمد عطاف، عن تضامن بلاده المطلق مع سوريا، في اتصال هاتفي جرى بينه وبين نظيره بسام الصباغ.
لكن بعد الإعلان عن فرار الرئيس بشار الأسد الى روسيا، عادت لمراجعة موقفها، ببيان آخر، دعت فيه “كافة الأطراف السورية إلى الوحدة والسلم والعمل من أجل الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه”.
كما دعت إلى “الحوار بين أبناء الشعب السوري، بكافة أطيافه ومكوناته، وتغليب المصالح العليا لسوريا والحفاظ على أملاك ومقدرات البلاد والتوجه إلى المستقبل لبناء وطن يسع الجميع في ظل مؤسسات نابعة من إرادة الشعب السوري بعيدا عن التدخلات الأجنبية”.
الأمر الذي اعتبر تراجعا عن الموقف الأول، وتضارب ناجم عن سوء التقدير والاستشراف للوضع السائد، ففيما فر بشار الأسد دون أي مقاومة، ظلت الديبلوماسية الجزائرية متمسكة بموقف تقليدي التبس فيه محاربة الإرهاب مع حق الشعب السوري في التحرر من قمع النظام السياسي القائم.
وفي نفس السياق، ذهبت حركة البناء الوطني، التي دعت إلى “ضرورة تبني حل سياسي شامل وفق قرار مجلس الأمن 2254، يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري وفصائله التي تنبذ العنف، دون إقصاء أو تهميش، ويعيد بناء الدولة على أسس سليمة”.
وشددت في بيان لها، على “أهمية الوقف الفوري والشامل لجميع العمليات العسكرية التي تفاقم معاناة المدنيين وتهدد الأمن والاستقرار، مع التشديد على حماية مؤسسات الجمهورية، والدخول في حوار وطني سوري جامع يتجاوز الحسابات الضيقة وروح الانتقام، ويضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار لتحقيق المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة”.
وعبرت الحركة عن “رفضها لأي تدخلات أجنبية تهدف إلى استغلال الأزمة السورية لتحقيق أجندات خاصة، داعية إلى احترام سيادة سوريا ووحدتها الترابية”.
ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن دخول حركة البناء الوطني على خط الأزمة السورية، بقدر ما يعتبر ترميما للموقف الرسمي، بقدر ما يعتبر خيطا للتقارب مع الحكام الجدد في سوريا، على اعتبار أن الحركة تبقى ذات خلفية إسلامية، ويمكن أن تمهد لارساء علاقة رسمية مستقبلية خلفا للصورة المركبة لدى الجماعات المسلحة تجاه الجزائر بسبب دعمها لبشار الأسد.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس