أفريقيا برس – الجزائر. حققت الجزائر مكسبا ديبلوماسيا مفاجئا، بعد افتكاكها لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، في الانتخابات التي جرت على هامش أعمال الدورة الثامنة والثلاثين للاتحاد الافريقي، وذلك وسط شحن سياسي واعلامي غير مسبوق، الأمر الذي فاقم من حجم الأزمة القائمة بينها وبين المغرب، الذي أوعز لأذرعه الدعائية بشن حملة معادية، كانت آخرها الاتهام بشراء ذمم وأصوات الناخب الافريقي.
ويبدو أن الجزائر التي كانت تراهن على شغل مؤسسات الاتحاد الافريقي، حشدت امكانياتها الديبلوماسية والرسمية، بداية من الوفد الذي رافق الرئيس عبدالمجيد تبون، في زيارة نادرة قادته الى أديس أبابا، للمشاركة في قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي، بوصفه رئيس الآلية الأفريقية للتقييم من طرف النظراء “نيباد”، أين أعلن عن ضخ بلاده لمبلغ مليون دولار في حسابها، ودعا الدول الأعضاء إلى ضرورة الوفاء بالتزاماتها المالية سواء بدفع المستحقات أو تقديم هبات، من أجل السماح للآلية بأداء أعمالها.
وجاء فوز الديبلوماسية الجزائرية سلمى مليكة حدادي، بعد تحقيقها لثلاثة وثلاثين صوتا، متقدمة بذلك على منافستيها لطيفة أخرباش من المغرب، وحنان مرسي من مصر، لتخلف بذلك سلفتها الرواندية مونيك نسانزاباغانوا، التي انتهت ولايتها، لترافق بذلك الرئيس الجديد لمفوضية الاتحاد الافريقي الجيبوتي محمود علي يوسف، الذي خلف بدوره التشادي موسى فقي، ونافسه في ذلك كل من مرشح كينيا رايلا أودينغا، والمالغاشي ريشارد راندريماندراتو.
ويرى المحلل السياسي فريد لعناني، بأن “افتكاك الجزائر لمنصب نائب رئيس المفوضية الافريقية، بواسطة ديبلوماسية تنتمي الى الجيل الجديد، يعد انتصارا جاء في ظروف استثنائية لفها الشك حول الأداء الديبلوماسي في مختلف القضايا والملفات، فضلا عن ادارة منافسة افتقدت للنزاهة بسبب انحرافها الى أساليب الشحن الإعلامي، وحياكة مغالطات مسيئة لصورة وسمعة الجزائر”.
وأضاف في تصريحه، لـ”أفريقيا برس”، بأن “المنصب المذكور يسمح للجزائر بالعودة القوية الى أروقة الاتحاد الافريقي، في انتظار منصب مماثل في مجلس الأمن والسلم الأفريقي خلال الجولة الانتخابية المقررة خلال شهر مارس القادم، الأمر الذي يسمح لها بمتابعة وتوجيه العمل الأفريقي عن كثب، خاصة في المسائل الثقيلة، على غرار كيفية وهوية التمثيل المنتظر للقارة السمراء في مجلس الأمن الدولي”.
وتابع: “القارة الأفريقية في مواجهة تحديات كبرى، لاسيما في مجالات التنمية ودمقرطة الأنظمة السياسية والأمن والهجرة السرية والطاقة، والعلاقات الندية مع مختلف التكتلات السياسية والاقتصادية، ولذلك فان الجزائر مطالبة بإيجاد المنصات اللازمة للرمي بثقلها ودورها الاستراتيجي في بلورة القرار الافريقي”.
وعاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إلى بلاده بعد مشاركته بأديس أبابا، في قمة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الافريقي، وهي الزيارة النادرة التي أعطت ثقلا أكبر لموقف بلاده داخل الهيئة القارية، خاصة في ظل السجال القائم حول تجديد عضوية بعض الهيئات القارية، كمفوضية الاتحاد ومجلس الأمن والسلم.
وحاول المنافس المغربي ارباك الترشح الجزائري، عبر فبركة حزمة من الوقائع، بداية من التقارير التي زعمت رفض الرئيس السوري محمد الجولاني، تلبية طلب وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، القاضي بتسليم أعداد من أسرى الجيش الجزائري لدى قوات سوريا الجديدة، ثم الادعاء بلجوء الجزائر الى شراء ذمم وأصوات افريقية لانتخاب مرشحتها في قيادة المفوضية، وقبلها الزعم بفشلها في الحصول على عضوية مجلس الأمن والسلم الافريقي، بينما جرى تجاهل تلك التقارير لخيبة المرشح المغربي في نفس الهيئة الذي لم يحصل الا على 17 صوتا فقط، بينما كانت حصيلة الجزائر 30 صوتا.
وفي أول تصريح لها بعد انتخابها نائبة لرئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي، أكدت الديبلوماسية الجزائرية سلمى مليكة حدادي، أن “فوزها بالمنصب يؤكد الثقة التي تضعها الدول الإفريقية في الجزائر وقيادتها”.
وأضافت: “منصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي هو منصب مهم جدا، وهو المنصب الذي يسمح لجميع المفوضية المشكّلة من رئيس ومفوضين في شتى المجالات، كي تشتغل جيدا وتسمح للاتحاد الإفريقي أن يُنفذ أجندة 2063”.
وأضافت: “هذه الأجندة تتضمن إسكات البنادق وإرساء مكانة فعّالة للاتحاد الإفريقي على المستوى الدولي، ولن تكون المساهمة مساهمتي لوحدي، بل نحن نعمل كفريق تحت قيادة رئيس المفوضية وقيادتي الشخصية”.
ولفتت المتحدثة، الى أنها ستواصل هذا المسار وستثبت أن الجزائر دائما وفية لمبادئها الإفريقية ومبادئ التعاون والوحدة والتضامن والنزاهة والحوكمة والتسيير الراشد، وهو ما سيُترجم في مساهمتها عند تسيير أشغال مفوضية الاتحاد الإفريقي”.
وتعد سلمى مليكة حدادي (47 عاما)، من الجيل الديبلوماسي الجديد، الذي يراهن عليه لضخ دماء جديدة في أوصال الجهاز، وقد بدأت سيرتها المهنية، بشغل منصب نائبة المدير المكلف بالتنمية الاجتماعية بالمديرية العامة للشؤون السياسية والأمن الدوليين، لدى وزارة الشؤون الخارجية، ثم انتقلت بعدها إلى العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، لمباشرة عملها كنائبة لرئيس البعثة بسفارة الجزائر لدى الجزائر والاتحاد الإفريقي، قبل أن تشغل منصب سفيرة للجزائر في جنوب السودان وكينيا.
وفي مطلع العام 2023، تسلمت السفيرة الجزائرية، منصب المديرة العامة لإفريقيا بوزارة الخارجية الجزائرية، قبل أن تعين كسفيرة لبلادها في اثيوبيا وممثلتها الدائمة لدى الاتحاد الإفريقي.
وتمثل الديبلوماسية الجديدة، استمرارا لمسار رسمه ديبلوماسيون جزائريون مخضرمون داخل الاتحاد الافريقي، على غرار وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة، وإسماعيل شرقي، وهما الرجلان اللذان شغلا عدة مناصب ومهام افريقية خاصة في مجال حل النزاعات، فضلا عن رئاستهما لمجلس الأمن والسلم الافريقي منذ العام 2008 الى غاية العام 2017، قبل أن تنتكس الديبلوماسية الجزائرية في السنوات الموالية، على أن يمكنها الزخم القائم من العودة الى موقعها الريادي في القارة السمراء.
وفي هذه الانتخابات، اقترحت سلمى مليكة حدادي رؤية جديدة ترتكز على “الاخلاص لإفريقيا” وكذلك على “الولاء” و”الالتزام” تجاه الاتحاد الإفريقي، كما تعهدت بإعادة تركيز عمل الاتحاد الإفريقي حول الأهداف التي وضعها الآباء المؤسسون له.
وحتى يتمكن الاتحاد الإفريقي من تحقيق هدف ملكية برامجه وتطلعاته كما حددها الآباء المؤسسون، أكدت حدادي أنها ستشجع “إعطاء الأولوية وتنشيط وتعزيز الشراكات مع الكيانات والمؤسسات الإنمائية الإفريقية مثل بنك التنمية الإفريقي والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد وآلية الاتحاد الإفريقي للتنمية (نيباد)، على اعتبارها الجهات الرئيسية المقدمة لمشاريع التنمية والأموال”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس