أفريقيا برس – الجزائر. طرحت مسألة الحوار السياسي في الجزائر بإلحاح، في أعقاب سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وبروز توترات وأزمات إقليمية، الأمر الذي يشي الى اختلالات داخلية يمكن أن تتحول الى مطية لتغلغل واستغلال أطراف خارجية لها، في اطار أجندة سبق لها أن رتبت الجزائر بعد سوريا، لكن ذلك لا ينفي حاجة المشهد الداخلي الى جلوس جميع أطياف المشهد السياسي والاجتماعي، من أجل بلورة خارطة طريق يساهم فيها الكل، بما فيها المعارضة المهمشة، من أجل ضمان قاعدة شعبية وسياسية للخيارات والقرارات الكبرى للدولة.
حمل انضمام حزب التجمع الوطني الديمقراطي الموالي للسلطة، إلى لائحة المطالبين بفتح حوار سياسي شامل في البلاد، بغية بلورة خارطة طريق تكفل انشاء جبهة داخلية متماسكة، وتفادي أي سيناريو يستهدف ضرب أمن واستقرار البلاد، رسالة مفادها تلقي أذرع السلطة إشارة خضراء من أجل تهيئة الرأي العام، حتى ولو كانت تجارب مماثلة في وقت سابق قد انتهت بالفشل، بسبب تعمد السلطة اجراء حواراتها مع الموالين لها وليس مع المعارضة الحقيقية، فكانت بمثابة مشاهد من مسرح “المونولوج”.
أبدى الناشط الحقوقي والمحامي طارق مراح، تشاؤما بشأن الحوار الوطني الذي دعا اليه الرئيس تبون، خلال حفل أداء اليمين الدستورية للولاية الرئاسية الثانية، وباتت تنادي به قوى سياسية موالية للسلطة، وبرر ذلك، بـ”فرضية تكرار التجارب السابقة، لما كانت السلطة تستحضر القوى الموالية لها لصناعة حوار سياسي شكلي، تغيب عنه المعارضة الحقيقية الممثلة في فواعل الحراك الشعبي”.
واعتبر أنه رغم منطق الانكار الذي تتبناه السلطة تجاه القضايا الحقيقية المطروحة في الجبهتين الداخلية والخارجية، إلا أن الحوار السياسي الشامل، يبقى حتمية لا مناص منها لاخراج البلاد من انسداد سياسي داخلي، بسبب تغول السلطة وفرض نظام شمولي لا مكان فيه للرأي الآخر، ولتحييدها عن تداعيات توترات إقليمية وتحولات دولية، تسعى لرسم خارطة جديدة للعالم وللمنطقة، ولا يمكن للجزائر أن تكون بمنأى عن اللعبة الا بجبهة داخلية متماسكة ترسيها جميع الأطياف السياسية والأيديولوجية، ولا يمكن لطرف بعينه أن يواجه لوحده التحديات القائمة.
وأبدى القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض عثمان بن صيد، تشاؤما بشأن الحوار السياسي المنتظر، في ظل مؤشرات تكرس منطق أحادية السلطة، والايعاز للأذرع الموالية للتفرد بالمشروع، فضلا عن غياب النوايا الحقيقية لتهدئة الجبهة الداخلية، بسبب استمرار سياسة الاعتقالات للناشطين المعارضين، وغلق المشهدين السياسي والإعلامي، وتوظيف القضاء في كتم أصوات المعارضة.
وقال، لـ”افريقيا برس”، بأن “الحوار السياسي الحقيقي لابد أن يكون مع المعارضة السياسية الحقيقية، ومع مكونات الحراك الشعبي الذي رفع منذ العام 2019 مطالب صريحة وواضحة، أما أن يكون مع القوى الموالية فذلك مضيعة للوقت وللفرص، فأحزاب السلطة وتنظيماتها وجمعياتها هي جزء منها، ولا يمكن أن تأتي بالحلول للمشاكل المطروحة، لأنها تبنت موقفا منذ مدة من السلطة”.
وأبدى القيادي في حزب جيل جديد المعارض حبيب براهمية، لـ”أفريقيا برس”، شكوكا في نوايا السلطة، رغم أنه اعتبر الحوار الوطني المفتوح هو خطوة في الاتجاه الصحيح.
وقال: “في ظل الظروف الحالية، تنتابنا شكوك نراها شرعية عن نية النظام لتنظيم حوار حقيقي وغير موجه. التجارب السابقة أثبتت أن مثل هذه المبادرات غالبًا ما تُستخدم كأداة لتجميل صورة النظام دون إحداث تغييرات جوهرية”.
وأضاف: “إذا كان الرئيس تبون جادًا في طرحه، فعليه أن يضمن أن يكون الحوار شاملاً وشفافًا، ويشمل جميع الأطراف السياسية الفاعلة في المجتمع، وإشراك المواطن مباشرة في هذا النقاش عن طريق إعلام مفتوح وغير مقيد، كما يجب أن تكون هناك ضمانات بأن نتائج هذا الحوار ستترجم إلى إجراءات ملموسة، وليست مجرد توصيات توضع على الرفوف. بدون هذه الشروط، سيظل الحوار مفتقدًا للمصداقية، وسيتعامل معه الشارع بنفس الشكوك التي يتعامل بها مع النظام بشكل عام”.
وكان أمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي بالنيابة مصطفى ياحي، قد دعا الرئيس تبون، الى تقديم موعد الحوار الوطني، الذي وعد به خلال خطاب التنصيب بعد انتخابه للجمهورية للمرة الثانية على التوالي، وهو ما يوحي الى أن التطورات المتسارعة داخليا وخارجيا باتت تحفز حتى الموالين للسلطة من أجل فتح حوار سياسي شامل.
وصرح مصطفى ياحي، أمام أنصاره وكوادره في تجمع شعبي لحزبه، “طبيعة التحولات والتطورات المتسارعة على المستوى الاقليمي والدولي، بأبعادها الجيوسياسية والأمنية ومخاطرها المباشرة على أمن واستقرار بلادنا، تفرض علينا العمل معا من أجل حوار وطني شامل لإيجاد أرضية مشتركة حول رؤية الجزائر المستقبلية”.
وأضاف: “من هذا المنظور، فإننا نلتمس من رئيس الجمهورية تقديم موعد الحوار الوطني الذي أعلن عنه خلال مراسيم تأديته لليمين الدستورية”.
وعلى صعيد آخر، ندد الأمين العام لحركة النهضة الاسلامية محمد ذويبي، بما أسماه، “الدسائس والمؤامرات التي تقوم بها بعض الأطراف في فرنسا حياكتها ضد الجزائر”، في إشارة الى قوى اليمين السياسي الفرنسي الذي يشن حملة ضد النظام السياسي في الجزائر منذ عدة أسابيع، عل خلفية توقيف الكاتب الفرانكوجزائري بوعلام صنصال.
وصرح رئيس الحركة الإسلامية، بأن “الشعب الجزائري واع بمختلف التحديات والرهانات وهو على إجماع في كل القضايا الكبرى، لاسيما نبذ الاستعمار ودعم قضايا التحرر العادلة في العالم وفي مقدمتها قضيتا فلسطين والصحراء الغربية”.
ورافع المتحدث، لصالح تقديم موعد الحوار الوطني الذي يعتزم الرئيس تبون إجراءه قبل نهاية العام المقبل، معبرا عن أمله في أن يؤدي هذا الحوار إلى تحصين الجبهة الداخلية والدفع إلى حركية وطنية سياسية، اقتصادية، ثقافية واجتماعية تحمل كلها رسالة جزائر آمنة مستقرة ومزدهرة تحفظ الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وصاحبة السيادة والقرار.
وفيما يبدو أن الحوار المذكور، قد أملته الظروف المحيطة بالبلاد، بشهادة أحزاب موالية للسلطة، فهناك من يحاول أن يجعل منه تقليدا دوريا نابع من حاجيات الداخل للتشاور حول مختلف القضايا والملفات.
وفي هذا الشأن، يرى رئيس جبهة الجزائر الجديدة أحمد بن عبدالسلام، في مقابلة سابقة مع “أفريقيا برس”، بأن “الرئيس عبد المجيد تبون أبان عن إرادته وعزيمته بالذهاب للحوار واشراك الجميع فيه إلا من أبى أثناء لقائه بالأحزاب السياسية في 21 ماي الماضي، ثم كرس ذلك في حملته الانتخابية للعهدة الثانية، ورسمه كالتزام منه في كلمته أثناء أداء اليمين الدستورية، من وجهة نظرنا في جبهة الجزائر الجديدة هو اعتماد الحوار الدائم والمستمر والدوري كآلية دائمة بيننا كجزائريين، لأنه يبقى أرقى وأسمى وسيلة حضارية لطرح وحل المشاكل، ونتطلع ليصبح تقليدا وطنيا مكرسا في يومياتنا وعلى جميع المستويات بيننا”.
ويبدو أن مسألة الحوار السياسي في البلاد، لم تعد مطلبا حصريا لأحزاب المعارضة، بعد التحاق قوى قومية وإسلامية بالأصوات المنادية به، خاصة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، لاسيما سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي كان يمثل أحد حلفاء النظام الجزائري، فضلا عن توترات إقليمية وأزمات مستجدة في الساحل وفرنسا.
وبين املاءات الخارج وضرورات الداخل للحوار السياسي المنتظر في الجزائر، حذرت رئيسة حزب العمال لويزة حنون، بين ما وصفته، بـ”توظيف المشاكل من قبل بعض الأطراف هو حق أريد به باطل، كونه يأتي من منطلق استعمالها كمطية لبلوغ أهداف تخريبية مبرمجة من الخارج”، وذلك في تلميح للأصوات المتصاعدة في شبكات التواصل الاجتماعي، سواء الداعية للعودة الى الشارع، أو التعبير عن رفضها للأوضاع السائدة في البلاد.
ووصفت الحراك الافتراضي، بـ”الممارسات التي تدعى زورا ثورة، ومغالطة واضحة المعالم، كون لا وجود لثورة إلا التي تنبثق عن قاعدة داخلية عمالية أو طلابية.. أو غيرها”.
وأضافت: “أما خارج هذا المنطق، فهي مستوردة، ولا تعدو أن تكون سوى حروب تفكيكية”، في تلميح لسيناريو استنساخ ثورة مطابقة لما جرى في سوريا، والتي وصفتها، بـ “التفكيكية”، رغم التفاعل الإقليمي والدولي مع تطورات الوضع في سوريا، والسير نحو الاعتراف بما كان يوصف في وقت سابق، بـ”الحركات الإرهابية”.
ورأت المرشحة المنسحبة من سباق الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بأنه “لسد جميع الذرائع المستعلمة من قبل الجهات الأجنبية لزرع الفوضى، لابد من رفع القيود أمام العمل السياسي والنقابي والصحفي، وفتح نقاش وطني واسع، دون قيود حول كل المسائل التي تتعلق بالبلاد”.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس