توتر مفاجئ يهدد جهود التهدئة بين الجزائر وباريس

19
توتر مفاجئ يهدد جهود التهدئة في الجزائر وباريس
توتر مفاجئ يهدد جهود التهدئة في الجزائر وباريس

أفريقيا برس – الجزائر. لا زالت الأزمة الجزائرية-الفرنسية المفتوحة منذ عدة أشهر مرشحة لمختلف السيناريوهات، بما في ذلك الانحدار إلى القطيعة، رغم حديث البعض عن إشارات تهدئة يتبادلها مسؤولون سامون في العاصمتين. واستطاعت حركة الأشخاص شحن التوتر مجددًا بين الطرفين؛ فبسبب الممارسات المهينة التي تعرض لها مسافرون جزائريون في مطاري باريس، تم استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، وأُبلغ احتجاج شديد جراء ما تعرض له مواطنون جزائريون في مطارات فرنسية.

دخلت علاقات البلدين منحنى متذبذبًا منذ عدة أشهر؛ فقد كان كافيًا لدخول البرلمان الأوروبي على خط الأزمة ليثير مجددًا الوضع الحقوقي والنيابي في الجزائر، بإصداره لائحة تنديد شديدة وتوجيهه انتقادات لاذعة للجزائر. لكن في المقابل، لم يسلم هو الآخر من انتقادات جزائرية له، على خلفية مواقفه الفاترة تجاه الحرب والانتهاكات التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة منذ نحو عام ونصف.

تجندت قوى حزبية وبرلمانية جزائرية للرد على موقف البرلمان الأوروبي في إطار سجال لا شيء يوحي بإمكانية نهايته، رغم إشارات التهدئة التي أُطلقت هنا وهناك، وهو ما يهدد بنسف حظوظ أي تسوية بين الطرفين، رغم تصريح الرئيس الجزائري خلال توجيهه لمفاوضي بلاده مع الاتحاد الأوروبي بأن مراجعة اتفاق الشراكة هو ترتيب مصالح وليس نزاعًا، وهي رسالة مبطنة، لأن الرجل يدرك ثقل وتأثير فرنسا داخل المجموعة الأوروبية.

وقامت الحكومة الجزائرية، ممثلة في كاتب الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلف بالجالية الوطنية بالخارج، سفيان شايب، باستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، ستيفان روماتيه، وأبلغه احتجاج الحكومة الجزائرية الشديد على التصرفات التي وصفها بـ”المشينة وغير المقبولة”.

أفاد بيان للخارجية الجزائرية بأن “الجزائر أعربت عن قلقها العميق إزاء تقارير موثوقة تفيد بتعرض مواطنيها لممارسات استفزازية وتمييزية من قبل شرطة الحدود في مطاري رواسي شارل ديغول وأورلي، وهي ممارسات تعتبر إهانة مباشرة لكرامة المواطنين الجزائريين، ولذلك تؤكد على رفضها بشكل قاطع أي محاولة لاستغلالهم كأداة ضغط أو استفزاز”.

وأكد كاتب الدولة لشؤون الجالية الجزائرية في الخارجية، سفيان شايب، للسفير الفرنسي، أن “هذه التصرفات لا تليق بدولة تدعي احترام حقوق الإنسان، وفرنسا مطالبة باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لوضع حد لهذه الممارسات التي تسيء للعلاقات بين البلدين”.

اختتم البيان بتأكيد الجزائر أنها “لن تتهاون في الدفاع عن كرامة مواطنيها، وأنها تنتظر من فرنسا التزامًا واضحًا بوقف هذه الانتهاكات التي تسيء لسمعتها قبل أي شيء آخر”.

ودخلت وسائل إعلام حكومية وخاصة في الجزائر على خط التوتر المستجد، حيث أجمعت على التنديد بما أسمته “المعاملة السيئة التي يتعرض لها المسافرون الجزائريون في العديد من المطارات الفرنسية، وأنها طريقة عقابية دبرها وزير الداخلية الفرنسي ضد الجزائريين”.

وعلى صدر صفحتها الأولى كتبت صحيفة “المجاهد” الحكومية، الناطقة بالفرنسية، بالخط العريض: “هذا الوزير الوقح”. ومن بين ما جاء في المقال: “تعرض مسافرون جزائريون يحملون تأشيرات صالحة لموقف محرج لدى وصولهم إلى المطارات الفرنسية، لا سيما بباريس. ويقف وراء هذا المسعى العقابي وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو”.

رأى كاتب المقال أن “وراء هذا المسعى العقابي يختبئ برونو روتايو، شخص حاقد وهائج، فمن خلال خطاباته يخطط لسياسة إهانة تستهدف الجزائريين بشكل مباشر، ولهذا الغرض فإن هذه المعاملة الفاضحة ما هي إلا مظهر من مظاهر عنصريته المستترة وتشده المرضي ضد الجزائر، فهو لا يتوانى في التهجم على الجزائر منذ تعيينه وزيرًا للداخلية مستغلًا ذلك كوسيلة ترويج سياسي له لإرضاء اليمين المتطرف”.

وتحت عنوان “الدناءة المسماة روتايو”، كتبت صحيفة “لو سوار دالجيري” الخاصة الناطقة باللغة الفرنسية، أن “هذه المعاملة السيئة التي تشبه مسعى عقابي هي من صنع روتايو الحاقد والهائج، وأنه يندرج في سياق معاداة الجزائر ضمن جزء من خطة لقطاع من الطبقة السياسية ووسائل الإعلام الفرنسية، التي تتناغم مع رغبة مصالح وزير الداخلية برونو روتايو، للرفع من حدة التوترات الكبيرة بين البلدين”.

مع تزامن التوتر القائم بين الجزائر وفرنسا، وإمكانية تأثير أو توجيه باريس لمسار المفاوضات الجارية بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لمراجعة اتفاق الشراكة المبرم عام 2005، تحاول الجزائر الدفع بها بعيدًا عن التأثيرات المحتملة، وإضفاء الطابع الاقتصادي والمصالح المشتركة على المفاوضات الجديدة.

وصرح وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، بأن “الاتحاد الأوروبي يتعامل معنا وكأن الاقتصاد الجزائري توقف عام 2005، وكل ما يأتي بعده هو إخلال بالاتفاق، وأكون واضحًا، بأن الجزائر أصبحت من أكبر المصدرين للصلب مثلًا. الاتحاد الأوروبي كان يمنحنا حصصًا للتصدير ولم يكن لدينا ما نصدره لاستغلال الحصة الممنوحة، ولكن منذ عام 2016 وحتى اليوم، اكتسبت الجزائر إمكانيات أخرى، حتى أصبحنا من كبار مصدري الصلب، فما كان من الاتحاد الأوروبي إلا أن أوقفنا”.

وأضاف: “أصبح التطور الصناعي في البلاد إخلالًا بالاتفاقية المبرمة قياسًا بنظام الحصص الممنوح في 2005، وإلى غاية عام 2026 لدينا حصص للتصدير، لكنهم يرفضون ذلك، ولما تم إدراج ضريبة الكربون بدعوى حماية المناخ، حُرمت الجزائر من تصدير بعض المواد إلى دول الاتحاد”.

وتابع: “هذا عامل، وهناك عامل آخر أشمل يتمثل في اختلال كبير تثبته أرقام التبادل بين الطرفين، وهي مضرة بالاقتصاد الجزائري، وقلت لمسؤولين أوروبيين إن هذا سرقة للاقتصاد الجزائري. من 2005 إلى 2023 هناك حوالي ألف مليار دولار في المجال التجاري، والاستثمار 13 مليار دولار، ومن هذا المبلغ هناك 12 مليار دولار عبارة عن تحويل للأرباح من الجزائر، فبقي مليار دولار فقط يمثل عائدات الجزائر من الاتفاق على مدار 18 عامًا… هذه سرقة للاقتصاد الجزائري، وهو كلام قلته لمسؤولين أوروبيين”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي والمالي سليمان ناصر، أن “الظروف التي أُبرم فيها الاتفاق بين الطرفين في عام 2005، ليست هي الظروف الحالية، ولذلك فإنه من حق الجزائر استدراك مصالحها في الاتفاق وتحقيق حد أدنى من التكافؤ، خاصة وأن وعود الاستثمار والتكنولوجيا ليست هي الموجودة على الورق”.

وأضاف، لـ “أفريقيا برس”، أن “التفكيك الجمركي كبد الجزائر خسائر كبيرة للخزينة العمومية، بينما لم تستفد الجزائر من استغلال السوق الأوروبية للتصدير، بسبب تبعية اقتصادها لقطاع الطاقة، وحتى عندما ظهرت بوادر دخول منتجات جزائرية إلى السوق الأوروبية، ظهرت معوقات مفتعلة، كما هو الحال مع منتج (المرجان) الغذائي”.

وتابع: “على المفاوض الجزائري مراعاة مصالح بلاده، خاصة وأن المسألة تتعلق بشريك ناتج خامه في العام 2023 قدر بـ 18 تريليون دولار، بينما ناتج الجزائر يقدر بنحو 280 مليار دولار، فضلاً عن التحولات الممكنة في السنوات القليلة القادمة، في ظل مقاربة اقتصادية دولية تديرها وتوجهها الإدارة الأمريكية الجديدة”.

وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قد أكد في آخر مجلس للوزراء، أن “التوجه نحو مراجعة هذا الاتفاق تفرضه معطيات اقتصادية واقعية، إذ منذ دخوله حيز التنفيذ في 2005، كانت صادرات الجزائر تعتمد أساسًا على المحروقات، بينما اليوم تنوعت وتوسعت صادراتنا خارج المحروقات، لا سيما في مجال الإنتاج الفلاحي، المعادن، الإسمنت والمواد الغذائية… وغيرها”.

وشدد الرئيس تبون على أن “مراجعة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ليست على خلفية نزاع وإنما دعمًا للعلاقات الطيبة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي كشريك اقتصادي، ترتكز على مبدأ رابح رابح، وأن الجزائر لم تمنع الاستيراد في أي مجال إلا ما يتم تصنيعه محليًا ويستجيب حجم إنتاجه لتلبية احتياجات السوق الوطنية”.

ولفت إلى أن “الهدف المسطر هو ترشيد وتنظيم الاستيراد حسب الشعب وكبح محاولات المضاربة المتكررة بالمنتجات المستوردة كقطع الغيار التي لم يصدر أي قرار بمنع استيرادها وهي مفتوحة إلى اليوم”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here