أفريقيا برس – الجزائر. نفت الجزائر أن تكون قد استقبلت على أراضيها ناشطين أكراد لحضور فعاليات نظمتها جبهة البوليساريو الصحراوية في محافظة تيندوف، واعتبرت أن ما تداولته تقارير إعلامية حول المسألة عار عن الصحة، بينما ذهب متابعون الى أن قوى معادية تحاول استغلال الخلاف الجزائري- التركي حول مالي، للايقاع بينهما عبر افتعال سيناريو يستفز الأتراك، في حين تتمسك الجزائر بموقفها الثابت تجاه الإرهاب أينما كان، في إشارة لرفضها نشاط التنظيمات الكردية المصنفة في اسطنبول ضمن الكيانات الإرهابية.
استبعد محللون سياسيون، ما تردد حول مشاركة معارضين أكراد في تظاهرة سياسية نظمتها جبهة البوليساريو الصحراوية في مخيمات اللاجئين بمحافظة تيندوف الجزائرية، قياسا بالتقارب القائم بين الجزائر وتركيا خاصة في السنوات الأخيرة، وبحجم المصالح المشتركة وحجم التبادل التجاري بين البلدين البالغ نحو ستة مليارات دولار، وعبر الرئيسان تبون وأردوغان في أكثر من مناسبة عن طموحهما لبلوغ سقف العشرة مليارات دولار.
وقال أستاذ العلوم السياسية إسماعيل حسني لـ”أفريقيا برس”، بأن “اضطلاع منابر إعلامية معينة معروفة بولائها للنظام المغربي، يعطي الانطباع بأن المسألة تنطوي على سيناريو مفبرك، يراد منه الإيقاع بين الجزائر وتركيا من جهة، وبين الجزائر والسلطة الجديدة في سوريا من جهة ثانية، عبر استغلال الدور التركي في مالي المزعج للجزائر، فضلا عن فتور العلاقة بين الأخيرة بين الإدارة السياسية الجديدة في دمشق”.
وأضاف: “الجزائر تدعم جبهة البوليساريو، لكنها لا تتدخل في شؤونها الخاصة، كتحديد هوية أو توجه ضيوفها، ومع ذلك فان موقفها الثابت تجاه الإرهاب، لا يمكن أن يميز أو يفاضل بين هذا التنظيم أو ذاك، ولذلك من المستبعد جدا أن تستقدم أو تستقبل معارضين أكراد مصنفون ضمن الكيانات الإرهابية، خاصة وأن علاقاتها مع تركيا هي علاقات مميزة وثرية”.
وكانت سفارة الجزائر بأنقرة، قد نفت ما وصفته، بـ”الادعاءات التي روجت لها وسائل إعلام بشأن مزاعم عن دعوة وفد كردي إلى الجزائر”، وذلك في خطوة استباقية لتطويق تداعيات القضية، والحفاظ على صفو وتميز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وذكر بيان السفارة، بأن “هذه الادعاءات خيالية ولا أساس لها من الصحة، وأن العلاقات القوية والاستراتيجية التي تربط بلدي بتركيا لا يمكن أن تتأثر بأي خلط أو غموض غير ودي”.
وأكد على أن “الجزائر لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا موقف عقائدي في سياستنا الخارجية، وأن إدانة الجزائر الحازمة للإرهاب بجميع أشكاله وتجلياته ومن أي مصدر كان.. هذا موقف مبدئي وثابت في سياستنا الوطنية”.
وتحدثت تقارير عدة، عن سماح الجزائر بدخول وفد تابع لحركات كردية إلى مخيمات تندوف ورفع شعارات ضد تركيا، وذلك بغرض استفزاز أنقرة والرد على دعمها للمجلس العسكري الحاكم في مالي المناوئ للجزائر.
وقالت أنه، “في إطار نشاط نظمته جبهة بوليساريو في تندوف، رفع نشطاء مؤيدون لاستقلال كردستان علم (روجافا) إلى جانب علم بوليساريو. وعبر الانفصاليون الأكراد الداعون لاستقلال كردستان علنا عن دعمهم لوحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة وقوات سوريا الديمقراطية، وهي المنظمات التي تصنفها تركيا كمجموعات إرهابية وتنفذ عمليات عسكرية ضدها باستمرار”.
وذهبت الى توقع تفجر أزمة سياسية بين الجزائر وتركيا، كرد فعل آلي من الأخيرة، على أي تساهل مع القوى الكردية المعارضة، خاصة وأنها تعتبر التعاون معهم خط أحمر لا يُقبل من أي طرف، بينما صنفت موقف الجزائر في دائرة “الاستفزاز المتعمد كرد فعل على دعم تركيا للمجلس العسكري الحاكم في مالي”.
ويرى المحلل السياسي سعدي خلاف، بأن “هناك مغالطات تروج لها دوائر معروفة بعدائها للجزائر، من خلال مزاعم حول استقبالها لقيادات كردية على أراضيها، في محاولة لتسميم علاقاتها مع تركيا، عبر إعطاء الانطباع للرأي العام بأن الجزائر تنتقم من الأتراك الداعمين للجيش المالي، عبر استقبالها لقوة معادية لها على أراضيها، فضلا عن تسويق صورة معينة لحكام سوريا الجدد أن الجزائر التي تتفاعل مع اسقاطهم نظام بشار الأسد، أحد فصائل المعارضة الكردية، وتعني به قوات سوريا الديمقراطية”.
وأضاف لـ”أفريقيا برس”، بأن “المعلومات المتداولة يجري تناقلها عبر وسائل اعلام معروفة بدعمها للطرح المغربي في حل نزاع الصحراء الغربية، أو في مدونات أو منصات شبكات التواصل الاجتماعي مملوكة لعناصر مغربية أو داعمة له في القضية المذكورة، ولا يمكن البناء على مزاعم وتقارير استخباراتية مفبركة، تستهدف جر الجزائر الى خلاف مع تركيا، أو تعميق الفتور مع الإدارة السياسية الجديدة في سوريا”.
وتابع: “المعلومات المذكورة تتحدث عن مدينة تيندوف الجزائرية، وهذا لم يحدث على الاطلاق، وكل التظاهرات التي تنظمها جبهة البوليساريو الصحراوية تجري في الأراضي المحررة، وكثيرا ما يتم استقبال ونقل المؤيدين والداعمين لمطلب تقرير المصير للصحراويين في مخيمات اللاجئين نحو الأراضي المحررة، ومدينة تيندوف لم تحتضن أي شيء من هذا القبيل”.
وأوضح بأن تركيا تدعم المجلس العسكري الحاكم في مالي، بسلاح الطائرات المسيرة وحتى الخبراء والفنيين، رغم علمها بأن ذلك يشكل تهديدا للأمن الاستراتيجي للجزائر، لكن الأخيرة تملك الأوراق الكفيلة بمعالجة الملف مع الأتراك، دون الذهاب الى هذا النوع من المناورات، خاصة وأنها تتنافى مع عقيدتها تجاه الإرهاب.
وفي المقابل عبر المحلل السياسي التركي فراس أوغلو، عن استغرابه من الخطوة الجزائرية، بالقول: “تصرف الجزائر غير مفهوم سياسيا لأن تركيا لم تستضِف على أراضيها معارضين جزائريين حتى ترد الجزائر بالمثل، لذلك هو تصرف غريب وبعضهم يرى أن هذه الخطوة رد فعل على دعم أنقرة المجلس العسكري الحاكم في مالي، لكن مالي دولة أخرى ولتركيا مصالح فيها”.
وأضاف: “اذا ثبت ذلك فان ما قامت به الجزائر أمر غير مناسب سياسياً لأن تركيا لم تقُم بأي فعل سياسي مناهض لها من خلال استضافة معارضين أو غير ذلك مثلا، وأن سوريا وتركيا ترفضان أي تقسيم لبلادهما وإعطاء دور دولي لشيوعيين ماركسيين بهذه الصورة أمر ليس له أي مبرر، لكن على أنقرة أن تكون أكثر هدوء في التفاعل مع هذا التطور”.
وترتبط الجزائر وتركيا باتفافية شراكة استراتجية، وتبادل الرئيسان تبون وأردوغان الزيارات في السنوات الأخيرة، وكان آخر زيارة للرئيس الجزائري الى تركيا قد توجت بابرام 12 اتفاقية شملت مجالات التجارة والتعليم والثقافة والسينما والبيئة والعلوم.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس