أفريقيا برس – الجزائر. يواصل وزير الخارجية أحمد عطاف، وكاتبة الدولة للشؤون الافريقية، سلمى بختة منصوري، جولتهما الى عدة عواصم افريقية، في سياق يعكس توجه القيادة السياسية الى إرساء مكانة لها داخل القارة السمراء، بداية من رأب الصدع مع دول الساحل الناجم عن التطورات التي شهدتها المنطقة، فضلا عن احتواء الانزعاج الذي أبدته بعض حكومات البحيرات العظمى، تجاه الجزائر بعد الزيارة التي أداها في فبراير الماضي قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة الى رواندا، والتي تم تأويلها الى انحياز جزائري لصالح كيغالي، على حساب العواصم الأخرى في منطقة البحيرات العظمى.
جولة وزير الخارجية شملت كل من إثيوبيا، أنغولا، أوغندا، بورندي، أما كاتبة الشؤون الافريقية فقد زارت بوركينا فاسو، وتم خلالها حمل رسائل خاصة من الرئيس عبدالمجيد تبون، في العواصم المذكورة، وإن لم يتم الكشف عن محتواها، فإن نوايا الجزائر في تفعيل روابطها القارية تبدو واضحة، من خلال إضافة الدبلوماسية الافريقية الى حقيبة الخارجية، وتخصيصها بكتابة دولة في التعديل الحكومي الأخير.
واستُقدمت كاتبة الشؤون الافريقية سلمى بختة منصوري، من السلك الدبلوماسي العامل في القارة الافريقية، حيث سبق لها شغل منصب سفيرة الجزائر في دولة بوركينا فاسو، الأمر الذي يعكس عزم القيادة السياسية تفعيل امكانياتها وخبراتها الافريقية في تفعيل توجهها الديبلوماسي الجديد، خاصة في ظل المنافسة الشرسة لمختلف القوى الإقليمية والدولية الباحثة عن مواطئ نفوذ داخل القارة السمراء.
ويرى المحلل السياسي رفيق بوزيدي، بأن الخيارات الدبلوماسية للجزائر خلال العقود الماضية، بالتركيز على الوجهات الأوروبية والأسيوية والأمريكية، كلفها مكانتها في عمقها الافريقية، حيث زار الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة خلال عقدين فرنسا سبعة مرات، بينما لم يزور ولا بلد افريقي، الأمر الذي أفرز فراغا استغلته أطرافا أخرى انعكس على دور ومكانة الجزائر خاصة في منطقة الساحل الصحراوي”.
وأضاف في تصريح لـ “أفريقيا برس”، بأن “القارة الافريقية تعيش على وقع حراك متسارع، خاصة مع بروز نماذج ناشئة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلا عن بروز نوايا بعض دول افريقيا في التنافس على تمثيل افريقيا في مجلس الأمن، في ظل الحديث عن إصلاحات مستقبلية يتم بموجبها تخصيص مقاعد ثابتة للقارة السمراء في الهيئة المذكورة”.
وتسعى الجزائر تجاوز مرحلة الفتور التي تميز علاقاتها مع حكومات دول الساحل، فرغم ارتدادات المواجهات المسلحة بين الجيش المالي المدعوم من طرف مجموعة “فاغنر” الروسية وبين الفصائل الأزوادية المسلحة على الأمن الاستراتيجي للبلاد، والسجالات المندلعة بين الدوائر الدبلوماسية والإعلامية في البلدين، خاصة بعد اعلان حكومة باماكو رفض العمل باتفاق المصالحة الوطنية في مالي الذي رعته الجزائر منذ العام 2015، فان الرئيس تبون، أبدى احترام بلاده “لأي خيار سياسي يتبناه الماليون لادارة شؤونهم”.
وإذ لا زالت روابط الاتصال قائمة بين الجزائر ودولة النيجر اللذين تبادلا زيارات مسؤولين حكوميين خاصة في مجال الطاقة، فان زيارة كاتبة الدولة للشؤون الافريقية لدولة بوركينا فاسو، يعد الأول من نوعه منذ التحول الذي شهدته على هرم السلطة العام 2022، شأنها في ذلك شأن مالي والنيجر، الأمر الذي يترجم عزم الجزائر رأب الصدع الذي اعترى علاقاتها ما واغادوغو.
وأعربت كاتبة الدولة لدى وزير الخارجية المكلفة بالشؤون الافريقية، عن استعداد بلادها لمساعدة بوركينا فاسو من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وقالت أثناء تسليمها رسالة من الرئيس تبون، الى إلى نظيره البوركينابي إبراهيم تراوري، بأن “الجزائر وبوركينافاسو يبليان بلاء حسنا في التعاون الثنائي”.
وذكرت سلمى بختة منصوري، في تصريحها، بأنه “يجب على البلدين أن يعملا على تعزيز التعاون أكثر، وأنه تم التطرق خلال لقائها مع الرئيس إبراهيم تراوري، إلى سبل تعزيز التعاون في مختلف القطاعات، مثل التعاون الأكاديمي وتنمية القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والقضايا الإنسانية”.
وأضافت “ندرك الوضع العام، ليس فقط في بوركينا فاسو، وإنما أيضا في منطقة الساحل، وأن الجزائر مستعدة لدعم جهود بوركينا فاسو في إطار مكافحة الإرهاب، والحفاظ على الاستقرار الوطني والإقليمي”.
وتابعت: “شعرت منذ اليوم الأول وكأنني في وطني، وأردت أن أنقل ذلك أيضا لرئيس الدولة، بأن شعب بوركينا فاسو يمتلك خصوصية مميزة، لقد أعجبت بقيم الكرامة والحرية والصمود والكفاح المستمر لتأكيد سيادته”.
وقال المحلل السياسي في تصريحه، لـ”افريقيا برس”، بأن “التركيز على البعد الافريقي في خيارات القيادة السياسية يعد أحد الالتزامات السياسية للرئيس تبون، وأن إضافة الشؤون الافريقية لشعار وزارة الخارجية، واستحداث كتابة للشؤون الافريقية، يصب في وعاء الديناميكية التي تعتزم قيادة البلاد انتهاجها”.
وأضاف “الجزائر واحدة من الدول الوازنة في القارة السمراء، ومن حقها أن تلعب دورا أكثر ثقلا، كأن يكون شغل مقعد أفريقي في مجلس الأمن، لكن ذلك لا يتأتى الا بمد قنوات اتصال وتعاون مع دول القارة اقناع حكوماتها بقدرتها على أن تكون صوت القارة داخل مجلس الأمن، وهي التي كانت نموذجا لتحرر افريقيا من الاستعمار الغربي”.
وأبرزت الديبلوماسية الجزائرية، في الآونة الأخيرة اهتماما لافتا بتفعيل علاقاتها الافريقية، حيث قاد وزير الخارجية أحمد عطاف، جولة الى بعض العواصم حاملا معه رسائل من الرئيس تبون، الى بعض الرؤساء الأفارقة على غرار أوغندا وبورندي.
وذكر بيان الخارجية الجزائرية، بأن “اللقاء بين الوزير عطاف ونظيره الأوغندي، شكل فرصة لاستعراض النتائج الإيجابية التي تم إحرازها في إطار تنفيذ القرارات التي اتخذها قائدا البلدين، بمناسبة زيارة الدولة التي قام بها رئيس أوغندا إلى الجزائر شهر مارس 2023”.
وأضاف “تطرق اللقاء الى أهم المسائل المدرجة على أجندة الاتحاد الإفريقي، ومناقشة القضايا الراهنة على الصعيدين القاري والدولي، على غرار تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، ومسار القضية الصحراوية، فضلا عن التحضير لعقد الدورة الثانية للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الأوغندية، والتعاون في مجالات الدفاع والاقتصاد والطاقة والتجارة البينية والتعليم العالي”.
وفي سياق متصل، كان رئيس جمهورية جنوب افريقيا سيريل رامافوزا، قد أدى زيارة للجزائر أفضت الى وضع المعالم الأولى لاتفاق شراكة استراتجية يكون هو الأول من نوعه للجزائر في افريقيا، الى جانب التوقيع على مذكرات تفاهم شامل، كما زار الرئيس الجزائري دولة موريتانيا، كانت هي الأولى للرجل ولرئيس جزائري منذ 37 عاما، شارك فيها في قمة “التعليم وتشغيل الشباب في أفريقيا”.
وفي نواكشوط، التقى الرئيس تبون، مع الرئيس الرواندي بول كاغامي.، كما التقى أحمد عطاف مع نظيره الرواندي فانسنت بيروتا، أين تم الاتفاق على جملة من الخطوات العملية التي من شأنها الحفاظ على هذه الحركية ومدّها بمقومات الاستدامة، سواء ما تعلق بتنشيط آليات التعاون الثنائي وعلى رأسها اللجنة المشتركة للتعاون الإقتصادي، أو بتوسيع علاقات التعاون والتبادل لتشمل مجالات جديدة كالطاقة والصناعة الدوائية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس