المهرجانات الثقافية في الجزائر.. ماذا عن المضامين؟

16
المهرجانات الثقافية في الجزائر.. ماذا عن المضامين؟
المهرجانات الثقافية في الجزائر.. ماذا عن المضامين؟

محمد علاوة حاجي

أفريقيا برس – الجزائر. في الجزائر، اليوم، 176 مهرجاناً ثقافياً تتوزّع بين الأدب والمسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية وغيرها من المجالات؛ 33 منها وطنيٌّ، و29 دولي، و114 محلّي. لكنّ هذا الرقم قد يتقلّص (وقد يرتفع) مستقبَلاً، بعد أن وعدت وزيرة الثقافة الجزائرية، صورية مولوجي، بإعادة هيكلتها وتوزيعها.

وقالت مولوجي، التي كانت تتحدّث في جلسة برلمانية أمس الخميس، إنّ وزارتها “بصدد إعداد دراسة لإعادة هيكلة المهرجانات المحلّية للفنون والثقافات الشعبية”؛ بحيث يُعاد توزيعها جغرافياً، بشكلٍ يُحقّق توازُناً بين الولايات، وخصوصاً تلك التي استُحدثت مؤخَّراً، مضيفةً أنّ تأسيس مهرجان وطني في كلّ ولاية “ضروري لتثمين الموروث الثقافي لكلّ منطقة، وتنشيط المشهد الثقافي والفنّي فيها”.

وكانت الجزائر قد استحدثت، في 2021، عشر ولايات جديدة تُضاف إلى الولايات الثمانية والأربعين الموجودة منذ التقسيم الإداري الذي أُجري سنة 1984. لكنّ معظم الولايات الجديدة لا يزال من دون تظاهرات ثقافية، ومن دون مؤسّسات وفضاءات ثقافية أيضاً.

وفي هذا السياق، قالت مولوجي إنّ وزارة الثقافة تعمل على إيجاد صيغة تسمح بتأسيس مهرجانات جديدة، أو تحويل بعضها إلى الولايات الجديدة أو التي تشهد نقصاً في هذا النوع من التظاهرات الثقافية، مُعتبرةً أنّ “تأسيس المهرجانات يقوم، خصوصاً، على مبدأ الاستشراف الاقتصادي الذي يسعى إلى جعلها تظاهرات مُنتِجة”.

وتعني الوزيرةُ بـ”التظاهُرات المُنتِجة” جعْلها مُربحةً اقتصادياً، وهي مفرداتٌ باتت تتكرّر كثيراً في الخطاب الرسمي، خصوصاً بعد تهاوي أسعار النفط عام 2014 واعتماد الحكومة الجزائرية سلسلة من إجراءات “ترشيد النفقات”، والتي ربّما لم تُعتمَد في قطاعٍ آخر كما اعتُمدت في قطاع الثقافة الذي وعد وزيره حينها، عز الدين ميهوبي، بجعله “قطاعاً منتِجاً يُدرّ موارد مالية، بدل بقائه في وضعية المستهلِك لموارد الدولة”، وذلك من خلال “خلق بيئة اقتصادية تستقطب المستثمرين الخواص”.

ظلّ ميهوبي وزيراً للثقافة طيلة أربع سنوات (2015 – 2019)، عمد خلالها إلى إجراء “مراجعة شاملة” للمهرجانات الثقافية التي عبّر، غير مرّة، عن امتعاضه من كثرتها، لأنّ كثيراً منها “يُشكّل عبئاً على الخزينة العمومية، ولا يُقدّم شيئاً”، وقد عهد بذلك إلى لجنة انتهت إلى التوصية بالإبقاء على 77 من أصل 186 مهرجاناً، وتحويل عددٍ منها من دولي إلى محلّي، ومن إقامته كلّ سنة إلى إقامته كلّ سنتين، مع تقليص فترتها. مع ذلك، فإنّ ميهوبي غادر منصبه من دون أن يجعل من الثقافة “قطاعاً مُدرّاً للموارد المالية”، أو يخلق “بيئة اقتصادية تستقطب المستثمرين” إليها.

لم يكن ميهوبي استثناءً؛ فحكاية تحويل الثقافة إلى قطاع مُنتِج ظلّت تتكرّر مع الوزراء الذين أتوا بعده، ومن بينهم مليكة بن دودة (2020 – 2021) التي دفعت وزارتُها إلى تنظيم ما سُمّي بـ”منتدى الاقتصاد الثقافي”، ضمن ما سمّته “المقاربة الاقتصادية التي تهدف إلى إدماج قطاع الثقافة في الاقتصاد الوطني”، وكان لافتاً، خلال افتتاحه، في نيسان/ أبريل 2021، تصريح الوزير الأوّل، حينها، عبد العزيز جرّاد، أنّ “الاقتصاد الثقافي سيُحقّق إيرادات ضخمة، وسيوفّر الملايين من مناصب الشغل”.

مثل سابقها، غادرت بن دودة منصبها من دون أن “تُدمِج قطاع الثقافة في الاقتصاد الوطني”، وبالطبع غادر جرّاد منصبه بعدها من دون أن “يُحقّق الاقتصادُ الثقافي إيرادات ضخمة”، أو يوفّر “الملايين من مناصب الشغل”. وعلى الأرجح ستُغادر مولوجي منصبها أيضاً من دون أن تفعل شيئاً في هذا السياق، وذلك لأسباب كثيرة أقلُّها عدم توفّر بنية تحتية ثقافية في معظم المدن الجزائرية، وغيابُ آليات عملية واضحة لـ”تحويل الثقافة إلى قطاع مُربح”.

قد يكون في تصريحات الوزيرة الحالية جانبٌ إيجابي يتمثّل في حديثها عن التوازُن في التوزيع الجغرافي للمهرجانات الثقافية، والذي من شأنه، ربّما، تحقيقُ نوع من العدالة الثقافية التي ينبغي، بالمناسبة، أن تتوفّر للمدن والقرى البعيدة، وألّا تكون حكراً على المدن الكبيرة. لكنّ أيّةَ مراجعة جدّية للمهرجانات ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار سؤال المضامين أوّلاً، والذي يعني فحص جدواها وفعاليتها؛ فعاليتها الثقافية أوّلاً ثمّ فعاليتها الاقتصادية لاحقاً.

لنتذكّر أنّ قطاع الثقافة برمّته لا يأخذ سوى نزرٍ يسير جدّاً من الموازنة العامّة بالمقارنة مع قطاعات كثيرة أُخرى لا يطلب أحدٌ منها أن تكون “منتِجة”، وربّما تكفي الإشارة، هنا، إلى بعض نوادي كرة القدم المُفلسة التي تحظى بتمويل تلو الآخر من مؤسَّسات اقتصادية عمومية لم يسبق لكثير منها أنّ موّل فعالية ثقافية واحدة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here