أفريقيا برس – الجزائر. تكلّم شهداؤنا عبر نقرة زرّ، وأرجعونا سنوات للوراء بلمسة ذكية استرجعنا فيها ملامحهم صوتا وصورة ملونة، وخرجت أفلامنا الثورية من أرشيف الأبيض والأسود ودبّ فيها النبض من جديد، ساردة للأجيال قصص البطولة والفداء بواقعية مُدهشة… ففي زمن تتسارع فيه التقنيات وتُختصر المسافات، أطلّت علينا الرقمية كأداة سحرية. فهل تمكّن الذكاء الاصطناعي من نقل صدق المشاعر التي سكنت قلوب مجاهدينا وشهدائنا خلال الحُقبة الاستعمارية؟
أسرتنا زُرقة عينين الأمير عبد القادر وهو يتوعّد المستعمر بمواصلة المقاومة، وسلبتنا ضحكة العربي بن مهيدي وهو بين يدي جلاّديه، وأبكانا حديث وريدة مداد عن عظمة الثورة، وأبهرنا جمال حسيبة بن بوعلي وهي تحمل رشاشها بيد وتزيح خصلات شعرها باليد الأخرى.. كلّ هذا شاهدناه وتحسّسناه وتأثرنا به، ونحن جالسون خلف شاشات هواتفنا في العام 2025 بينما نشاهدُ صُورا مُلوّنة لجيل لم نُعاصره ولم نعايش معه وقائع “سنين الجمر” بالجزائر.
فوُجوه الشهداء والمجاهدين التي قبعت في صمتٍ طويل بين طيات الأرشيف، بعدما جمّدها الزمن، أتى الذكاء الاصطناعي وبضغطة زرّ أيقظها من سُباتها ومنحها حركة وصوتًا ونبضًا. ولم يعُد الجيل الصاعد مضطرًا لتخيل أبطال الأمس عبر كلمات الكتب فقط، بل بات بإمكانه أن يراهم وهم يتحركون، يبتسمون ويتحدثون.
والمُذهل، أنّنا بتنا نستمتع بمشاهد معارك حية في أفلام ثورية، ونستمع لشهادات تاريخية تحولت إلى لقطات نابضة بالحياة، كل هذا بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، هذه القوة التقنية التي ساهمت في تخفيض تكاليف إنتاج الأفلام الثورية، واختصرت شهُور الإنتاج إلى أيّام، ما يفتح الباب أمام مزيد من الأعمال الوطنية مستقبلا.
ويبقى السّؤال الجوهري: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن ينقل صدق المشاعر التي سكنت قلوب المجاهدين والشهداء، لنعيشها كحالات إنسانية مليئة بالعواطف الجياشة؟
ملامح الأمير عبد القادر والعقيد عميروش.. تُحييها التقنية
شهدت السنوات الأخيرة ثورة رقميّة هائلة بفضل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي لم تقتصر على المجالات العلمية والصناعية، بل امتدّت لتشمل المجال التاريخي والثقافي. ومن أبرز التطبيقات التي لاقت صدى واسعًا في الجزائر، استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحريك صور الشهداء والمجاهدين، ما جعل الذاكرة الوطنية تنبض بالحياة أمام أعين الجيل الصاعد.
واستعمل أصحاب هذه الأفكار، تقنيات ذكية لتحريك الصور، أين يتمّ إدخال صورة ثابتة للشهيد أو المجاهد، ثم توظيف خوارزميات لتحليل ملامحه وتحريكها بشكل طبيعي، ما يمنح الانطباع وكأن الشخص حي أمامنا.
وتُرفق هذه المقاطع غالبًا، بسرد قصص بطولاتهم أو مقتطفات من خطبهم، ما يجعل المشاهد يعيش لحظة تاريخية مؤثرة، لدرجة أن كثيرا من رُواد الإنترنت، تأثروا حدّ البكاء، عند مشاهدتهم فيديوهات الشهداء الناطقة.
والفضل في ذلك يعود لمُطورّين جزائريين، ابتكروا تطبيقا خاصا يمكنه تحريك صور شهداء الثورة. ومنهم صناع تطبيق “أرتو فيديا”، والذين جعلوا من صور الشهداء تتحدث بمجرد نقرك على وجوههم.
وقال مصمم التطبيق، أسامة قنطري المنحدر من ولاية خنشلة، بأن التطبيق الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحريك الصور، كان موجها في البداية لتصفح الجرائد الورقية والكتب، وذلك بتمرير الكاميرا على الكتاب أو الجريدة لتتم قراءتها بشكل مسموع. ولكن الفكرة تطورت بعد ذلك لتشمل صور الأشخاص حتى وصلت لشكلها الحالي بتعريف الجمهور بشهداء الجزائر.
ولقي ابتكار الشاب ترحيبا من السلطات، التي كرّمته ودعمته للمضيّ في ابتكارات رقمية مماثلة، تحافظ على الذاكرة الوطنية وتغرسها في عقول الجيل الصاعد.
إحياء أفلام الثورة بذكاء المُستقبل
ولأنّنا في زمن التقت فيه التكنولوجيا بالذاكرة الوطنية، استعان مخرجون جزائريون مؤخرا، بتقنيات الذكاء الاصطناعي لإعادة إحياء روح الأفلام الثورية والتاريخية، فلم تعد هذه الأفلام تروي حكايات المعارك فقط، بل بات المخرج يمنح مشاهدها لمسات تكنولوجية تحاكي الواقع وتثير المشاعر أكثر، فتتجسد البطولات ويرتسم التاريخ بحيوية جديدة.
ولأننا في عصر يصعب فيه استحضار تفاصيل معارك ثورة التحرير بدقة، يأتي الذكاء الإصطناعي كأداة “ثورية” تفتح آفاقاً جديدة لنقل تجربة النضال الوطني، وتخليدها بجمال بصري لم يعهده الجمهور من قبل.
وبذلك استطاع الذكاء الاصطناعي فتح آفاق جديدة في السينما الجزائرية، خاصة في الأفلام الثورية والتاريخية. وصار المخرجون يستعملون هذه التقنيات لإضافة مؤثرات بصرية حية تُضفي واقعية على المشاهد، مع توفير التكاليف والجهد في الإنتاج. وهو ما رصدناه مثلًا، في فيلم “الساقية” الذي استخدم مخرجه نوفل كلاش تقنيات الذكاء الاصطناعي، لتخطيط المشاهد وتحسين الزوايا البصرية، ما أعطى العمل لمسة حديثة، أدهشت المشاهد وأعادت إحياء التاريخ بشكل مبتكر.
وفيلم “الساقية” هو فيلم تاريخي ثوري يتحدث عن مجازر ساقية سيدي يوسف، عرضه الشرفي الأول كان في أوت 2023، مدته حوالي 27 دقيقة ويروي أحداث قصف الجيش الفرنسي للقرية عام 1958، مع التركيز على المعاناة الإنسانية.
المخرج حمزة رهيوي: التقنيّة ليست بديلا عن الإبداع لكنها أهمّ أداة مساعدة
بينما أبدع المخرج الشاب، حمزة رهيوي من خلال فيلمه الثوري “54”، في مزج الذكاء الاصطناعي بالمشاعر الإنسانية الحقيقية، وعن هذا قال بأن في فيلمه الذي يحكي قصة الشاب “بوزيد” بعدما وجد نفسه في قلب أحداث معركة الحرية في الجزائر، كان يبحث فيه عن طريقة يجسد بها أجواء بصرية وصوتية، تعكس الحقبة والمكان رغم محدودية الإمكانيات، مثل الشاحنات العسكرية والعشرات من الممثلين وحتّى أماكن التصوير والتي لا يمكن استخدامها في الحقيقة نظرا لتدهور حالتها أو لطول الإجراءات الإدارية.
وأضاف قائلا: “هنا جاء دور الذكاء الاصطناعي، ليس كبديل عن الإبداع البشري، وإنما كأداة مساعدة، وتم استخدامه مع مختصين في تصميم بعض اللقطات المرجعية، مثل الشوارع والديكور. مع التأكيد على الحقائق التاريخية مثل الملابس والأسلحة المستعملة وبعض المؤثرات البصرية.. وهذا ما مكّننا من مُحاكاة جزء من هوية المدينة في تلك الحقبة”.
ويكشف رهيوي، أن عدم استعمال الذكاء الاصطناعي في فيلم “54” والاكتفاء بالطرق التقليدية، كان سيكلفهم الكثير من الوقت وميزانية ضخمة.
وهو ما جعله يؤكد، على أن الذكاء الاصطناعي سمح له بالتركيز أكثر على الجوهر الإنساني للقصة، وفي نفس الوقت يمكنه من توصيل إحساس بالحقبة والمكان للمشاهد بشكل أوضح، وبميزانية أقل ووقت إنتاج أقصر.
ويرى المخرج، بأنه في حال استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي في صناعة الأفلام، “فسيساهم ذلك في إحياء الذاكرة الوطنية بشكل أقوى مع خلق صور واقعية للبطولات والظروف التي عاشها الشعب الجزائري، إبان فترة الاستعمار الطويلة”.
والخلاصة، حسب رهيوي، أن الذكاء الاصطناعي يمنح صناعة الأفلام بصفة عامة، السرعة والكفاءة في التحضير والإنتاج، مع الحكم الكامل في مختلف العناصر بميزانية أقل مقارنة بطريقة الإنتاج العادية.
“وقد يساعد بشكل فعّال على إعادة إحياء أرشيف الأفلام الثورية، من خلال الترميم وتلوين الصور القديمة بجودة عالية. كما يمكنه خلق مشاهد أو بيئات صعبة أو مكلفة التصوير، مما يفتح المجال أمام المخرج ليوصل الفكرة حتى مع ميزانية محدودة” على حدّ قوله.
ومع التطور الهائل والسريع للذكاء الاصطناعي خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، يعتقد مخرج فيلم “54” بأنه يجب تبني هذه التقنيات الحديثة واستعمالها مواكبة للتقدم الرقمي الحاصل، لأنه سيشكل الأداة الرئيسية في مختلف المجالات خلال وقت قصير، “لذا، فالتحكم فيه وتطويره سيكون له أثر إيجابي مستقبلا، بشرط أن يظل أداة في يد المخرج وليس العكس”.
المخرج السنيمائي خالد الكبيش: متخوفون من فقدان “روح الإنسان”..
وسانده الطرح، المخرج السينمائي المبدع، خالد الكبيش، الذي أكد حقيقة مساهمة الذكاء الاصطناعي في خفض ميزانيات إنتاج الأفلام الثورية والتاريخية، والتي تحتاج إلى إمكانيات ضخمة. فمثلا، تصوير يتحدث عن معارك المقاومة، يحتاج إلى كثير من أعداد الأحصنة والفرسان والسيوف، وفي حال كان الفيلم يتطرق إلى معارك ثورة التحرير، فيحتاج إلى سيارات حربية ومدافع وأسلحة.
أما الآن، ومع وجود الذّكاء الاصطناعي واستعماله في صناعة الأفلام، “باتت السينما التاريخية الجزائرية، تضم مشاهد وتأثيرات خاصة وبطريقة مبتكرة، وبات إنتاج الأفلام أقلّ تكلفة” على حدّ قوله.
فاليوم بات بالإمكان، استعمال التقنيات الحديثة للمساعدة في تخطيط مشاهد المعارك عبر تقنيات دقيقة وسريعة، واستعمال مولدات الصور التي تعزز الزوايا والحركات السينمائية. وبرامج رقمية أخرى لتجسيد المشاهد والمعارك ثلاثية الأبعاد بتكلفة أقل. وهنالك تقنيات رقمية، لتعديل ملامح الممثلين أو إضافة مؤثرات بصرية واقعية تُنعش التاريخ في الشاشة.
ولكن ورغم أهمية الذكاء الاصطناعي في إنتاج الأفلام التاريخيّة، يُحذر المخرج خالد الكبيش ممّا اعتبره فقدان “روح الإنسان” في الإنتاج السينمائي، بسبب الاعتماد الكامل على الذّكاء الاصطناعي أحيانا، لأن الرّقميّة لها إيجابياتها وسلبياتها.
وقال: “عندما نعتمد على التقنيات في صناعة الأفلام وخاصة التاريخية، لا نعلم إذا وصلت الرسالة الإنسانية التي نريد تبليغها للمتفرج أم لم تصله.. وهذا هو السؤال المطروح”.
وبحسب محدثنا، فإن التقنية تستطيع محاكاة تعابير الوجه ونبرة الصوت وحتى الانفعالات، لكنها تظل بلا روح إذا لم تمتزج بلمسة إنسانية صادقة. لذلك، فإن أجمل الأفلام الثورية ستكون تلك التي يتقاسم صناعتها الذكاء الاصطناعي بقدراته الخارقة، والإنسان بحسّه العاطفي وفهمه العميق لمعاني التضحية.
ليخلُص محدثنا، إلى أنّ الذكاء الاصطناعي ساهم في إعطاء فرصة للمخرجين والمنتجين الشباب لتصوير أفلامهم بتكلفة مادية زهيدة أحيانا، “ومع ذلك يحق لنا التساؤل إن كان الاستعمال المفرط للتكنولوجيات الحديثة في صناعة الأفلام، سيحرمنا من الإنسانيات والأخلاقيات البشرية الفطريّة” يتساءل خالد الكبيش.
المدير السابق لمتحف المجاهد مصطفى بيطام: الذّكاء الاصطناعي شاهد عصر على بطولات الماضي
وفي الموضوع، أكد مدير متحف المجاهد سابقا، مصطفى بيطام، أن الرقمية أصبحت أهم وسيلة لتوصيل الذاكرة الوطنية للجيل الجديد، برؤية جذابة بعيدا عن التقليدية وسردية الكتابة. فنحن اليوم، في عصر التكنولوجيات والتقنيات، والتي علينا توظيفها وبقوة، لنقل تاريخنا مرئيا ومسموعا لمن لم يعايش تلك الفترة المفصلية من تاريخ بلادنا.
وعدّد المجاهد بيطام، إيجابيات استغلال الذكاء الاصطناعي لإحياء ذاكرتنا الوطنية، فقال: “رؤية صور الشهداء تتحرك وتبتسم، تُشعل مشاعر الفخر والانتماء، وتجعل الجيل الجديد يتفاعل مع تاريخ أجداده بطريقة حسية مباشرة، وهو ما يساهم في تقريب التاريخ من الشباب، بدل إبقائه مجرد أرشيف جامد”.
وأضاف، بأن استرجاع تاريخنا، بصورة حسية، يعزز القيوم الوطنية في المجتمع، ويسهل اندماجها في المناهج التعليمية والأنشطة الثقافية، وهو ما يساهم في زيادة الوعي التاريخي وسط الأطفال والمراهقين، الميالين للتفاعل مع المحتوى البصري الحي أكثر من الصور أو النصوص الجامدة.
وذكر محدثنا، بـأن الذكاء الاصطناعي، ساهم في تحفيز البحث والمعرفة ودراسة تاريخ الثورة الجزائري، بعدما سمع الشباب الباحثون قصص نضال الشهداء من أفواههم مباشرة.
ليخلص، مدير متحف المجاهد السابق، إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة تقنية، بل هو شاهد عصري على بطولة الماضي، ورسول بين الأجيال، بفضل التطورات المذهلة في تقنياته. فلم يعد إحياء التاريخ حلمًا بعيد المنال، بل بات مشروعا وطنيا يهدف إلى تعزيز الهوية، وإحياء روح الفخر والانتماء، لأن فالجيل الذي يرى أبطاله يتحركون ويتحدثون، سيتلقى الدرس أعمق مما لو قرأه فقط في كتاب أو شاهده في صورة جامدة.
الخبير في الرّقمنة علي كحلان: التقنيّات الحديثة حافظت على الذّاكرة وأحيتها بصورة حسية تفاعليّة
ويرى مُختصون أن هذه الوسائل الحديثة، يمكن لها أن تلعب دورا مهما في جذب انتباه الشباب للحفاظ على الذاكرة الوطنية، بحيث أكد الخبير في الرقمنة، علي كحلان أن الاستعانة بالتكنولوجيا جعلت من الأرشيف وسيلة حية وملهمة، بعدما أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في ترميم الأرشيفات الفوتوغرافية، حيث تتيح تقنيات التعلم الآلي لاسيما الشبكات التوليدية التنافسية، إمكانية إعادة بناء الصور المتضررة بدقة مذهلة.
وقال إن الذكاء الاصطناعي يعتمد في ذلك على تحليل ملايين الصور المشابهة للتنبؤ بشكل الأجزاء المفقودة من الصورة، مما يسمح بإعادة تفاصيل تاريخية مثل جزء من زي عسكري أو ملامح مقاتل طُمست ملامحه بمرور الزمن، مستعينا ببيانات بصرية دقيقة تعود إلى نفس الحقبة.
وكما أن بعض الشباب الشغوفين بتاريخ الجزائر، باتوا يستخدمون قدرات التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي لإعادة تصوير مشاهد من معارك الثورة في شكل فيديوهات، بالاعتماد على الأوصاف التاريخية والصور المتاحة، وتدمج هذه التقنيات في مقاطع فيديو تضفي حياة جديدة على المعارك، بتفاصيل دقيقة تشمل الدخان، حركة المقاتلين، المناظر الجبلية المميزة لمناطق المقاومة الجزائرية، على حدّ قوله.
وأشار، كحلان إلى أن دور الذكاء الاصطناعي يشمل أيضا، تلوين الصور التاريخية بدقة عالية وإحيائها بألوان تنسجم مع الحقبة الزمنية التي تعود إليها، ومضيفا “هذه التقنيات لا تقتصر على الحفاظ على الذاكرة الجماعية، بل تساهم في تقديمها بشكل أكثر تفاعلاً، حيث تنتشر الفيديوهات والصور المرممة والمطعمة بألوان حية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعزز انتشارها بين جيل الشباب ويجعلهم أكثر تفاعلا معها”.
وأوضح المختص في الرقمنة، أن هذه المقاربات الحديثة تجعل من التاريخ “تجربة بصرية ملموسة، يستطيع الناس من خلالها رؤية الأحداث التاريخية كما لو أنهم عايشوها، ما يمنحهم فرصة أعمق لفهم أجواء المعارك والتضحيات التي قدمت خلال فترات حاسمة مثل الثورة”.
ليخلص محدثنا، إلى أن الذكاء الاصطناعي يحافظ على الماضي ويعيد إحياءه، ليصبح جسرا يربط بين أجيال الأمس واليوم.
رئيس اللجنة الجزائرية للحفاظ على التاريخ والذاكرة، البروفيسور محمد لحسن زغيدي: إحياء التاريخ حسّيا وبصريا يغرسه في عقول الجيل المعاصر
ومن جهته، قال أستاذ التاريخ ورئيس لجنة الحفاظ على الذاكرة، البروفيسور لحسن زغيدي، بأننا نعيش في جيل يؤمن بالـ” ديجيتال” والتقنيات الحديثة، ولذا علينا التعمق في كنوز ذاكرتنا الوطنية وإعادة إحيائها للجيل الصاعد، وإلاّ شغلته مواضيع الحياة المعاصرة عنها.
وترجمة الذاكرة من خلال التطور الرقمي الحاصل، هو أحسن وسيلة لتقريب الصورة من أذهان الشباب، وقال: “لما يشاهد مراهق صورة الأمير عبد القادر الذي قرأ عنه في الكتب، يتحرك وينطق، فهنا تكون العلاقة بين المتلقي والصورة التاريخية، علاقة عصرية، تؤثر في الشاب بطريقة حسية والتي هي أشد بقاء في الذاكرة”.
ويرى زغيدي لحسن، بأن بقاء الصور التاريخية جامدة، فلن تؤثر في العقول، بمثل ما تؤثره الصورة المتحركة والتي يكون لها عمق ودلالات أقوى.
والتقنيات الحديثة، بحسب تعبيره، هي في حد ذاتها لها مفعول علمي وسحري، وتجسد شبه حوار داخلي ما بين شباب هذا العصر وبين شخصيات تعود إلى عصور غابرة وحتى قبل التاريخ.
وقال المتحدث: “رؤية صور شهدائنا تتحرك وتتكلم، من مصطفى بن بولعيد، وعبان رمضان، سي الحواس، عميروش العقيد لطفي، العربي بن مهيدي، زيغود يوسف، وديدوش مراد وسويداني بوجمعة، الشيخ بوعمامة والشيخ الحداد، أمون الشيخ إبراهيم..كل هذه القيادات العظيمة التي لا يوجد لها تسجيل لشخصها، ناب عنها الذكاء الاصطناعي في إظهار شخصيتاها وأشكالها واضحة وتخاطب الشباب، فالرقمنة جعلتنا جزءا من التاريخ”.
والجزء الأكثر إثارة للمشاعر، بحسب تعبير المتحدث، أنه في صور الشهداء التي حرّكها الذكاء الاصطناعي، اكتشفنا أن جميع شهدائنا كانوا شبابا ضحوا بأنفسهم في سن مبكرة لحماية الوطن، وقال: “العديد من الشهداء صغارٌ جدًا، أحيانًا لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة، وهؤلاء سيكونون أفضل قدوة لشباب اليوم”.
ويدعو أستاذ التاريخ، إلى استغلال التطور الرقمي الحاصل، للقيام ببحوث حقيقية في التاريخ وإبراز تلك الحقبة، لأن الذاكرة الوطنية تلعب دورا كبيرا في غرس الروح التاريخية والوطنية في عقول الأجيال الصاعدة.
ليؤكد رئيس اللجنة الجزائرية للحفاظ على التاريخ والذاكرة، البروفيسور لحسن زغيدي وباعتباره رئيس لجنة الحفاظ على الذاكرة، بأنه يُشجع هذا الإبداع الفكري الرقمي التاريخي، ويدعو لإدماجه في كل المجالات وحتى في قطاع التربية، حفاظا على الروح الوطنية.
أستاذ التاريخ بجامعة تيبازة، دحمان تواتي: بعثنا الحياة في تاريخ جامد.. ولكن علينا وضع حدود
وأكد الدكتور في التاريخ، دحمان تواتي، على أن إعادة إحياء صور ذاكرتنا الوطنية عبر صور حية ومتحركة، هي بمثابة بعث للحياة في التاريخ الجامد من جديد، بعدما أصبح الذكاء الاصطناعي، يدير عملية مسح كبيرة في ما هو مدون وموثق بالكتابة، ويعطيك إياه في شكل حسي مرئي ومسموع.
ويقر تواتي، بأن الذكاء الاصطناعي ساهم إيجابا في المواضيع التاريخية، بعدما تحول إلى مستشار يقدم لنا كل ما نبحث عنه من معلومات في هذا المجال الحسّاس، بل ويضع لنا خطة حول كيفية معالجة بحث أو معلومة تاريخية.
ولكن، يعتبر محدثنا، من دعاة ضرورة وضع حدود لاستعمالات الذكاء الاصطناعي “لأنها تبقى تقنية من صنع البشر، ولها نسبة في الخطأ وخاصة عند تناول الوقائع التاريخية الحسّاسة”، على حد قوله.
موضحا، بأنه على المؤرخ عدم وضع الثقة المطلقة في الذكاء الإصطناعي، لأنّه سلاح ذو حدّين، فهو قد يعطيك معلومات مغلوطة أحيانا.
وهذا هو الجانب السلبي في هذه التقنيات الحديثة، ما جعل بعض الجامعات مؤخرا، تستعمل تقنيات لكشف الطلبة مستخدمي تطبيقات الذكاء الاصطناعي في بحوثهم، بصورة غير عقلانيّة.
وفي الأخير نقول، إن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة جديدة، ثورة على صمت الصور القديمة وعلى غبار الأرشيف، لتظل حكاية الجزائر حيّة في وجدان أبنائها، جيلاً بعد جيل.
فتحريك صور الشهداء والمجاهدين الجزائريين بالذكاء الاصطناعي أو وإعادة مشاهد معارك ثورتنا المظفرة الملحمية عبر الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد تجديد بصري وليس مجرد ابتكار رقمي، بل هو جسر يربط الماضي بالحاضر، ويجعل القيم الوطنية أكثر قربًا وتأثيرًا في نفوس الأجيال الجديدة. وهذه المبادرات التي قادها شباب جزائريون مبدعون، تبرهن أن التكنولوجيا إذا استُخدمت بحكمة، يمكن أن تكون أداة فعالة للحفاظ على الهوية والذاكرة الجماعية. لأنها ليست مجرد تقنية، بل هي جسر يربط بين ماضٍ مجيد وحاضر يبحث عن قدوة في عقول الأجيال المعاصرة.
وبهذا الإحياء، يصبح التاريخ تجربة حية تُلهم الشباب وتعزز انتماءهم، فتحافظ على نيران ذكريات الشهداء متقدة في قلب الأمة. وأن يلهم هذا الإرث العظيم كل جيل ليحمل راية الكفاح والوفاء. فالتكنولوجيا هنا ليست فقط أداة، بل نبض الحياة التي تحمي تاريخنا وحكايات أبطالنا من النسيان.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس