أفريقيا برس – الجزائر. كشف رئيس القطب الاقتصادي والمالي، خلال محاكمة المتهمين في ملف “إيميتال”، عن تفاصيل تغلغل الفساد في المؤسسة الوطنية للاسترجاع، انطلاقا من إبرام صفقات مشبوهة مخالفة للتشريع والقوانين واللجوء إلى التراضي وبيع الخردة من البقايا الحديدية والهياكل المعدنية والنحاسية، مرورا بالخروقات والتجاوزات الواقعة في التوظيف عن طريق الوساطة، وصولا إلى الحصول على امتيازات بالجملة من دون وجه حق.
وفي اليوم الثاني من المحاكمة، واصل رئيس القطب فضْح الفساد الذي عشعش داخل المؤسسة الوطنية للاسترجاع، وهي فرع من فروع المجمع العمومي للصناعات المعدنية والحديدية والصلبية “إيميتال”، وأمام غياب الرئيس المدير العام للمؤسسة المتهم “بلعربي أنيس” الفار من العدالة، حاصر القاضي إطاراته وكذا عدد من المتعاملين الاقتصاديين مع المؤسسة، بجملة من التجاوزات والخروقات التي كشف عنها التحقيق القضائي، ولاسيما الخبرة القضائية المنجزة، على غرار الصفقات التي أبرمتها المؤسسة لبيع وتوريد 30 ألف طن شهريا من المواد الأولية المعالجة من مختلف النفايات الحديدية، وما يليها من تلاعب في الفواتير.
كما واجه رئيس القطب المتهمين بالصفقة المشبوهة التي أبرمت بين الشركة الوطنية للاسترجاع وشركة “ناشيونال ستيل”، والمتعلقة ببيع وتوريد 5000 طن من نفايات الحديد، إذ تبين أن الصفقة تمت بالتراضي البسيط بعد التفاوض الذي تم على مستوى الشركة المختلطة “AQS” بولاية جيجل، ناهيك عن حصول أحد الموردين على تسبيق بقيمة 60 مليون دينار جزائري، وهو ما يخالف ما جاء في العقد، مما تسبب في أضرار للمؤسسة تفوق 15 مليون دينار.
وتطرقت المحكمة أيضا خلال استجواب المتهمين إلى الصفقات والعقود المشبوهة التي تمضى تحت الطاولة، مع شركة “جي.أم.سي ميتال ألجيري” لصاحبها رجل الأعمال المدعو “ب.ش”، بالتراضي بعد المفاوضات، بقيمة مالية تقدر بـ500 مليار سنتيم، وهذا ما يعتبر دوسا صارخا على قانون الصفقات العمومية من خلال استحواذ هذا الأخير على 15 ألف طن من النفايات الحديدية شهريا، مسببا بذلك خسائر رهيبة قدرت بالملايير من الدينارات تكبدتها خزينة المؤسسة الوطنية للاسترجاع والتي تحولت إلى “بقرة حلوب” للنفايات والخردة.
مدير الاستغلال: مارست مهامي وفقا للقانون
رئيس القطب يستجوب المتهم “أ.أ” مدير استغلال بالمؤسسة الوطنية للاسترجاع.
القاضي: أنت متابع بجنح إساءة استغلال الوظيفة عمدا بغرض منح امتيازات غير مبررة للغير، جنحة التبديد العمدي لأموال عمومية، منح امتيازات غير مبررة للغير بمناسبة إبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو إحدى مؤسساتها وذلك على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، جنحة تبييض الأموال والعائدات الإجرامية وذلك عن طريق تحويل الممتلكات أو نقلها أو تمويه الطبيعة الحقيقية لها أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها في إطار جماعة إجرامية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني، بماذا ترد؟
المتهم: أنكر هذه التهم سيدي الرئيس.
القاضي: ما هو منصبك في المؤسسة الوطنية للاسترجاع؟
المتهم: التحقت بالشركة الوطنية للاسترجاع من سنة 2006 كإطار تجاري مكلف بالتصدير إلى غاية سنة 2013 وبعدها تم ترقيتي إلى رئيس المصلحة التجارية بوحدة الرويبة، وفي أواخر سنة 2019 تم تنصيبي كمدير بالنيابة بالوحدة ذاتها لغاية شهر نوفمبر 2020، ليتم تنصيبي كمدير الاستغلال بالمديرية العامة للشركة ثم مدير المشاريع الكبرى بالشركة ليتم تكليفي في سنة 2022 كمدير استغلال بالشركة؟
القاضي: ما هو مهامك في المؤسسة؟
المتهم: مهامي تتمثل في تسيير معدات الشركة المتمثلة في مختلف الآليات، وكذا الجانب المتعلق بالمشتريات والمبيعات للنفايات الحديدية وغير الحديدية وقد مارست مهامي وفقا للقانون.
القاضي: هل اطلعت على الأمر بالإحالة والخبرة القضائية؟
المتهم: نعم سيدي القاضي.
القاضي: ماذا تقول بخصوص إبرام عقد مع شركة “ناشيونال ستيل” “SARL NATIONAL STEEL COMPLEX NSC ” وحصول هذه الأخيرة على تسبيق بقيمة 60 مليون دينار وهذا مخالف للقانون، مما تسبب في ضرر للشركة الوطنية للاسترجاع يقدر بأزيد من 15 مليون دينار؟
المتهم: الاتفاقية التي تمت كانت بين الشركة الوطنية للاسترجاع وشركة “ناشيونال ستيل”، على أساس بيع وتوريد 5000 طن من نفايات الحديد، أما التسبيق، فهذا ليس لي دخل به بل الرئيس المدير العام بلعربي أنيس هو من أمضى على الاتفاقية وهو من اختار الشركة.
القاضي: تحدث لنا عن الصفقتين التي أبرمتهما الشركة، كيف كانت ظروف منحها؟
المتهم: الصفقات أمضى عليها الرئيس المدير العام بلعربي أنيس وتتعلق بشراء المادة الأولية المتمثلة في النفايات، حيث تم تنظيم استشارة استقصائية وبعد تفحص العروض المقدمة تم اختيار عدة ممونين وشركة “جيمس غلوبال”، الرئيس المدير العام هو من اختارها وهذا قبل أن أتولى منصب مدير الاستغلال، وخلال سنة 2020 أبرم الرئيس المدير العام مع ممثل شركة “أراب ترادينغ هاوس” صفقة لشراء النفايات الحديدية لفائدة فرع شركةENR.
القاضي: وماذا عن صفقة الخرسانة المعالجة التي أبرمت بالتراضي بمبلغ 500 مليار سنتيم؟
المتهم: الصفقة تتعلق بشراء حديد الخرسانة المعالج من عند مسيّر شركة “سارل جي.أم.سي ميتال ألجيري” بمبلغ 500 مليار سنتيم بموجب الاتفاقية المتضمنة التزام صاحب الشركة “ض.شعيب” بتوفير كمية معينة كل شهر من النفايات الحديدية المعالجة قدرها 15 ألف طن في الشهر، لكن عندما وجدنا الأمور معقدة تم فسح العقد من طرف الإدارة العامة للمؤسسة.
القاضي: ما علاقة صاحب شركة “ميتال ألجيري” المدعو “ض.شعيب” مع بوسلامة؟
المتهم: كان يتردد كثيرا عليه باعتباره ممول الشركة بعد إبرام اتفاقية معه.
القاضي: الحديد قلت أنه لم يتطابق مع المواصفات ما جعل بلعربي أنيس يتخذ إجراءات؟
المتهم: سيدي الرئيس، غير صحيح “عمري ما قلت هذا الشيء”.
القاضي: قلتم تنصيب مدير وحدة جديد؟
المتهم: والله العظيم سيدي القاضي “عمري ما قلت هذا الشيء”، ولم أتحدث عن شعيب هذا..
وفي هذه الأثناء، يثور القاضي ويقول له: “كلامك هذا أشبه بكلام المتورطين في قضايا المخدرات؟”
المتهم يرد: سيدي الرئيس، صدقني لم أطلع على فحوى المحضر، بل أمضيت عليه مباشرة.
القاضي: أعطني تفسيرا لما صرحت به في المحضر، حينما قلت أن المؤسسة الوطنية للاسترجاع أبرمت صفقة 4800 طن من الحديد مع المدعو شعيب؟
المتهم: عندما كنت معهم قال لي قول بأن بن شريف “حاوزو” المدير العام “بلعربي أنيس”، لأنه رفض أن دفع مستحقات شعيب.
القاضي: كنت المسؤول عن تنفيذ العقود في المؤسسة، أليس كذلك؟
المتهم: نعم، لكن كان هناك مديرين فرعيين عبر الولايات.
القاضي: من ضغط عليك حتى أخطأت؟
المتهم: الرئيس المدير العام.
القاضي: ننتقل إلى الصفقة المبرمة مع مؤسسة “توفيق ميتال” والمتعلقة ببيع وتوريد 3000 طن من الحديد المعالج في الشهر، أين قلت في محضر سماعك أنها كانت مخالفة؟
المتهم: الرئيس المدير العام بلعربي أنيس هو من أمضى العقد، لكن لا أعلم كيف تمت الصفقة والمعالجة من طرف مؤسسة “توفيق إيمتال”، فأنا لم أكن حاضرا.
القاضي: لكن الخبرة توصلت إلى عدم احترام الكميات الموردة خلال مدة العقد، حيث لم يتم توريد 3000 طن كما تنص عليه بنود العقد، فقط تم توريد كمية إجمالية غير مطابقة تقدر بـ749.22 طن تم تسديد الكمية الإجمالية للحديد الموردة، غير أنها غير معالجة وغير مطابقة للمعايير وهذا مخالف للقانون، ومع هذا فإن القاء المسؤولية على الغير أسهل حاجة.
المتهم لا يجيب.
القاضي: بخصوص الاتفاقية المبرمة بين مركب الحجار والمؤسسة الوطنية للاسترجاع لتفكيك الفرن العالي رقم 01، عن طريق التراضي البسيط، أين تم تحديد عدة خروقات تتمثل أساسا على غرار عدم منح تأشيرة من قبل لجنة صفقات الشركة رغم أن مبلغه يتجاوز سقف الإبرام 30 مليون دج، وهذا مخالف للإجراء الداخلي المعمول به والمتعلق بإبرام الصفقات؟
المتهم: المشكل في شركة الأم “إيمتال” سيدي الرئيس.
القاضي: أنت كمدير الاستغلال للشركة الوطنية للاسترجاع قمت بإمضاء أوامر بالمهمة، غير أنها ليست من صلاحياتك؟
المتهم: سيدي الرئيس، كانت هناك فوضى في التسيير من طرف المدير العام.
القاضي: لديك سفريات لا تحوي على أمر بمهمة؟
المتهم: نعم، سافرت، لكن لم أتقاض التكاليف.
القاضي: لكن هناك فواتير بالإقامة في ولاية وهران باسمك؟
المتهم: خاطيني سيدي القاضي.
مدير فرع عنابة: سعيتُ لتصفية الديون والنهوض بوحدة الاسترجاع
بدوره أنكر المتهم “ق.ف” مدير وحدة المؤسسة الوطنية للاسترجاع بعنابة، جميع التهم الموجهة إليه من طرف المحكمة، وشدد على أنه لا تربطه أي علاقة مع الرئيس المدير العام لمجمع “إيمتال” طارق بوسلام، وأنه عمل على تصفية الديون والنهوض بالوحدة.
القاضي: أنت متابع بجنح إساءة استغلال الوظيفة عمدا بغرض منح امتيازات غير مبررة للغير، جنحة التبديد العمدي لأموال عمومية، منح امتيازات غير مبررة للغير بمناسبة إبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو إحدى مؤسساتها وذلك على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، جنحة تبييض الأموال والعائدات الإجرامية وذلك عن طريق تحويل الممتلكات أو نقلها أو تمويه الطبيعة الحقيقية لها أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها في إطار جماعة إجرامية وباستعمال التسهيلات التي يمنحها نشاط مهني، هل تعترف أم تنكر؟
المتهم: لا، أنكرها جملة وتفصيلا.
القاضي: ما هو المنصب الذي كنت تشغله ومتى التحقت بالمؤسسة الوطنية للإسترجاع؟
المتهم: تم توظيفي بالشركة الوطنية للاسترجاع في 2021 كإطار وبعدها قدمت طلب توظيف بالمديرية العامة للشركة وبعد سنة تم استدعائي من قبل المكلف بالمواد البشرية وبعد مقابلة الرئيس المدير العام بلعربي أنيس تم تنصيبي مديرا لوحدة عنابة، وقبلها كنت بشركة الري.
القاضي: الخبرة حددت عددا من الخروقات المتعلقة بالاتفاقيات المتعلقة بالمؤسسة؟
المتهم: سيدي الرئيس، من العمليات التي كنت أقوم بها هي تصفية الديون، حيث أنه منذ التحاقي بالوحدة وجدت ملفات متراكمة في هذا السياق “الديون” وقد أخبرت الرئيس المدير العام إلا أن هذا الأخير أجابني أنه تم توقيع الاتفاقية مع “AQS” كشركة معالجة.
وأضاف المتهم “سجلت عند التحاقي بالوحدة، حالة انسداد بسبب رفض إدارة الشركة المختلطة “AQS” تسديد المستحقات المالية المتعلقة بشرائها النفايات الحديدية من المؤسسة الوطنية للاسترجاع والمسلمة من قبل الشركة “سارل جيماس ميتال ألجيري” متحججين بعدم مطابقة ذات المنتج مع المواصفات التقنية المحددة في الاتفاقية، الأمر الذي جعلني أنتقل رفقة وفد ترأسه الرئيس المدير العام بلعربي أنيس إلى مقر الشركة المختلطة وتنظيم جلسة عمل مع مسؤوليها للبت في القضية، حيث تم الاتفاق على معالجة المنتج غير المطابق ليصبح مطابقا للموصفات التقنية المذكورة في العقد المبرم من قبلهم، وفي هذا الإطار تكفلت المؤسسة بإعادة مطابقته وتم إقحام وحدات المؤسسة وهي وحدة الرويبة ووحدة وهران، علما أن مصدر النفايات هذه يرجع إلى شركة “سارل جيماس ميتال ألجيري” و”توفيق ميتال “.
القاضي: ما هي علاقتك بالرئيس المدير العام لمجمع “إيمتال”؟
المتهم: لا تربطني أية علاقة مع بوسلامة، وقد تم تكليفي من قبل الرئيس المدير العام بلعربي أنيس قصد تسيير ذات الوحدة وبلوغ الأهداف المسطرة وتحقيق نتائج إيجابية وحل المشاكل المؤسسة وإعادة تهيئة الوحدة بصفة عامة، كما أن كل القرارات كانت تصدر بطريقة أحادية من قبل الرئيس المدير بلعربي أنيس، وكانت تتم شفويا، إذ هو من فرض علينا هذا الحل والطريقة لإعادة مطابقة ذات المنتج مع وضعنا لأكثر من مرة أمام الأمر الواقع.
المتهم “ح.خ”: أنا متعامل اقتصادي تربطني علاقة عمل مع المؤسسة
رئيس القطب ينتقل إلى استجواب أحد المتعاملين الاقتصاديين وهو شريك مسير شركة “ARABE TRADING HOUSE EST” المتهم “ح.خ” الموقوف، والذي أنكر التهم الموجهة إليه تماما.
القاضي: أنت متابع بجنحة الاستفادة من امتيازات غير مبررة للغير بمناسبة إبرام عقد أو صفقة مع الدولة أو إحدى مؤسساتها وذلك على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، بماذا ترد؟
المتهم: أنكرها تماما سيدي الرئيس.
القاضي: أنت صاحب شركة “أراب ترادينغ هاوس إيست”، متى تأسست وما هو نشاطها؟
المتهم: تأسست في سنة 2004، وتنشط في مجال بيع الآلات والتوريد.
القاضي: ما علاقتك بالمدعو “ش.أحمد أمين”؟
المتهم: شريكي في الشركة بنسبة 5 بالمائة من الأسهم.
القاضي: وما هي علاقتك بالمتهم بالعربي أنيس؟.
المتهم: لا تربطني أي علاقة معه سوى العمل.. سيدي الرئيس، أنا كنت أتعامل مع المؤسسة الوطنية للاسترجاع من عام 2014.
القاضي: تحدث لنا عن صفقة شراء النفايات الحديدية؟
المتهم: سيدي الريس، لم تكن صفقة، بل هو إعلان عن مناقصة، وأنا قدمت ملفي مثلي مثل 14 شركة وهم اختاروا 9 شركات وأنا منهم.
القاضي: لكنك لم تخرج في المناقصة الأولى؟
المتهم: لا أتذكر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





