غذاء الجزائر تحت رحمة فوضى التسيير

6
غذاء الجزائر تحت رحمة فوضى التسيير
غذاء الجزائر تحت رحمة فوضى التسيير

افريقيا برسالجزائر. لاتزال الحكومة تتخبط في ضبط أهم غذاء للجزائريين وهو مادة السميد، على الرغم من التأكيد على عدم التخلي على سياسة دعم الأسعار، في ظل تواصل الاختلال في حلقات سلسلة ضمان توفر هذه المادة الواسعة الاستهلاك بسعرها “المقنن”، التي افتقدت على مدار السنوات الماضية إلى التوازن الضروري، لتجعل الخزينة تخسر على مرحلتين، الأولى ارتفاع فاتورة الواردات الوطنية، والثانية نفقات التحويلات الاجتماعية جراء الدعم، فضلا عن الخسائر التي يتكبدها المتعاملون المستثمرون في هذا المجال بعد تمويل معظمهم من طرف الوكالة الوطنية لترقية الاستثمار “أندي” والـ”كالبيراف”.

المتتبع لملف تسيير توفير مادة السميد والخبز في السوق الوطنية منذ مراحلها الأولى المتعلقة بتحويل القمح اللين من طرف المطاحن يقف على حجم الفوضى التي جعلت بمرور السنوات الاستثمار في هذا النوع من النشاطات مرادفا لمواجهة القرارات والقرارات المضادة الصادرة من الجهات المسؤولة على الرغم من ارتباط هذا المجال بهدف استراتيجي يعلّق بالأمن الغذائي للبلاد.

وعلى هذا الأساس، فإنّ السيناريو الذي عرفته الجزائر في مجال ضبط سوق الحليب وكذا السيارات، وغيرها تكرر في مجال توفير مادة السميد ومشتقاته، من خلال العمل على ضبط نشاط تكسير وتحويل القمح اللين من قبل المطاحن الخاصة، وإنّ كانت المقارنة مع الفارق بالنسبة لملف السيارات بحكم ارتباط لسميد والخبز كمادة استهلاكية لها بهدف استراتيجي تغطية الاحتياجات الوطنية من مادة غذائية واسعة الاستهلاك، بناء على هذا فإنّ للجهات صاحبة صلاحيات اتخاذ القرار على مستوى القطاع ممثلة في الديوان الجزائري المهني للحبوب نصيب كبير من المسؤولية، ترجمته واقعيا في شكل دفتر الشروط وتحديد الحصص، وإجبار المتعاملين على التوقف التقني باعتباره الإجراء الذي يؤثر سلبا على نشاط المطاحن موازاة مع تقليص حصصهم من 60 إلى 50 ثم 40 في المائة في السنوات الأخيرة.

وعلى غرار العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى، يؤكد المتعاملون المستثمرون في مجال المطاحن على عدم اشراكهم أو استشارتهم على الأقل، عند وضع دفتر الشروط المفروض عليهم الالتزام به، ما يجعل التطبيقات الميدانية للبنود الواردة فيه تواجه صعوبات على أرض الواقع، لاسيما أنّ مسألة المطاحن عادة ما تعود للواجهة بمعدل سنيتن تقريبا خلال العشر السنوات الماضية، لتكون أحد أكثر الملفات المتداولة في مجلس الحكومة والاجتماعات الوزارية المشتركة، من قبل سنة 2014، نظرا للطعون والشكوى المرفوعة من قبل أصحاب المطاحن الجديدة خاصة التي تفوق 400 مطحنة حاليا، ليصل عددها الأجمالي قرابة 800 مطحنة، لتكون من بين الملفات التي لاتزال مفتوحة إلى غاية الآن على مستوى أروقة المحاكم ومختلف الإدارات المعنية بتسيير القطاع.

وعلى الرغم من أنّ التعليمة التي صدرت من الوزارة الأولى في نوفمبر 2017 اتخذت مجموعة من التدابير، حيث كلّف الوزير الأول آنذاك وزير الفلاحة والتنمية الريفية بالكف فورا عن تسليم مطاحن جديدة، موازاة مع إصدار تعليمات للديوان الجزائري المهني للحبوب قصد الكف فورا عن تموين أي مطحنة افتتحت بعد تاريخ 31 ديسمبر 2016 بالقمح، كانت سبب في تقديم أصحاب المطاحن لطعون على مختلف الأصعدة، على خلفية الارتفاع الكبير لواردات مادة القمح وتجاوز نسبة تغطية الاحتياجات الوطنية بـ 300 في المائة، واعترفت التعليمة إلى أنّ هذه الوضعية أدت إلى تراجع كبير في احتياطي الصرف، إلاّ أنّ هذا النشاط تواصل مع ذلك كما أكده عضو مجلس الأمة عبد القادر جديّع في سؤال شفهي وجهه مؤخرا لوزير الفلاحة والتنمية الريفية، وضمن هذه الوتيرة يطرح ملف الحبوب مجددا على طاولة الحكومة، عبر قرار غلق 45 مطحنة في إطار إعادة تنظيم وتطهير القطاع، بينما مُنحت حصص هذه المطاحن للمجمع العمومي.

أين يصب دعم الخزينة لتقنين سعر السميد والخبز

ويثير نشاط المطاحن المسؤولة على مهمة تحويل القمح اللين من طابعه كمادة أولية إلى سميد موجه للمخابز أو للتسويق محليا مسألة الدعم التي تتحملها الخزينة العمومية في إطار تقنين أسعار هذه المادة الواسعة الاستهلاك، لاسيما وأنّ العملية تتدخل فيها العديد من الأطراف، وعليه فإنّ مبلغ الدعم أي مساهمة الدولة يتم دفعه للديوان الجزائري المهني للحبوب وفقا للقانون والاتفاقية المبرمة بين الدولة والديوان، من منطلق انّ الديوان الجزائري المهني للحبوب يتحصل من الدولة على مساهمة مالية من أجل تغطية الفارق بين سعر الحبوب المستورد وسعر البيع المعتمد في السوق الوطنية، ويتم حساب المبالغ المالية المدفوعة للديوان على أساس الكميات المعروضة في السوق، أما المتعامل اقتصادي (المطاحن) فيستفيد من نسبة مقننة تحكمها نصوص تنظيمية خاصة بالدعم منصوص عليها في القانون على غرار المرسوم التنفيذي رقم 96-132 المؤرخ في 13 أفريل 1996، الذي يحدد أسعار سميد القمح الصلب عند الإنتاج وفي مختلف مراحل توزيعه.

ما هو الديوان الجزائري المهني للحبوب

أحدث الديوان الجزائري المهني للحبوب في 12 جويلة 1962 حسب الموقع الرسمي للديوان، وهو خاضع لإشراف وزارة الفلاحة، قبل أن يتحول في 1997 إلى مؤسسة اقتصادية ذات طابع صناعي وتجاري وله سجل تجاري، بينما حافظ على نفس المهام، حيث يختص ديوان الحبوب الذي يعد منشأة عمومية محرزة على الشخصية المدنية والاستقلال المالي، دون غيره في الاتجار في الحبوب وضبط الأسعار،

ويحدد المرسوم التنفيذي رقم 97 – 94 الصادر في 23 مارس1997 المتعلق بتنظيم فرع الحبوب، مهام الديوان الجزائري المهني للحبوب بمنطق سوق مفتوح على متعاملين اخرين بالإضافة إلى دوره في ضمان الخدمة العمومية، على غرار السهر على وفرة الحبوب ومشتقاته في كل وقت وعلى مستوى كامل التراب الوطني، وتنظيم البرنامج الوطني للاستيراد بأفضل شكل ممكن في مجال السعر، التكلفة، وكذا النوعية والآجال، بالإضافة إلى تنظيم عملية الحصاد الوطني للحبوب، وانشاء وتفعيل لصالح الدولة الإجراءات ذات العلاقة بدعم الإنتاج الوطني، والقيام بالأدوار المتعلقة بتفعيل آليات التمويل والدعم المباشر، وهو الدور الذي تجاوز الإمكانيات التي يتوفر عليها.

وعلى هذا الأساس، فإنّ الديوان الجزائري للحبوب هو المسؤول على توزيع حصص القمح الصلب واللين لصالح المطاحن الأمر الذي يجعل المسؤولية كبيرة على هذه الهيئة، إذ تمنح صلاحيات تتجاوز الإمكانيات التي تتمتع بها، بينما ينص القانون الساري العمل به ينص على أنّ تحديد الكميات الأخذ بعين الاعتبار قدرات التكسير للمطاحن، كما يفتح للديوان إمكانية التصرف في هذه القيمة لتكون بذلك أحد أهم الانشغالات التي تطرحها المطاحن وكذا الطعون المرفوعة على مستوى السلطات الوصية، ما يستدعي توفر الديوان وكذا تعاونيات الحبوب والبقول الجافة على إمكانيات الوقوف على القدرات الحقيقية لكل مطحنة على حدى، وبالتالي فإنّ وضع حد لهذه الاختلالات مرهون بضرورة تأطير نشاط كل الفاعلين لاسيما الديوان الجزائري المهني للحبوب الذي يعود تنظيمه لعهد الاشتراكية.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here