أفريقيا برس – الجزائر. بعد قطاع الطاقة الذي تعد فيه روما أول زبون للصادرات الجزائرية، وأيضا شركة “إيني” بصفتها أكبر مستثمر أجنبي في المحروقات بالبلاد، تتجه إيطاليا لأن تكون أكبر شريك للجزائر في القطاع الفلاحي، بمشاريع ضخمة تتنوع ما بين إنتاج القمح الصلب والبقوليات والعجائن، وصولًا إلى إنتاج اللحوم الحمراء والحليب.
وكما هو معلوم، فإن أكبر حصة من الغاز الجزائري المسوق دوليا تتجه إلى إيطاليا عبر أنبوب “إنريكو ماتاي” الذي يصل البلدين عبر تونس، كما أن آخر تقرير لمنتدى الدول المصدرة للغاز أظهر أن روما رفعت وارداتها من الغاز الجزائري بنسبة 31 بالمائة خلال فيفري الماضي.
تغطية 34 بالمائة من حاجيات البلاد من الغاز
وحسب بيانات إيطالية رسمية، فقد حافظت الجزائر في سنة 2024، على موقعها كأكبر مورد لإيطاليا بالغاز الطبيعي، بإجمالي مبيعات بلغت 21.1 مليار متر مكعب، ما يمثل 34 بالمائة من الطلب الإيطالي، رغم تراجع طفيف بنسبة 8.6 بالمائة مقارنة بـ2023.
وتعد هذه الأرقام دليلا إضافيا على مكانة الجزائر المحورية في أمن الطاقة الأوروبي، خاصة بعد الاضطرابات الجيوسياسية التي دفعت بلدان الاتحاد الأوروبي إلى تنويع مصادرها بعيدا عن الغاز الروسي.
وفي السياق ذاته، كشف الرئيس التنفيذي لشركة إيني، كلاوديو ديسكالتسي، أن شركته تعتزم استثمار نحو 8 مليارات دولار في الجزائر خلال السنوات القليلة المقبلة، خلال مؤتمر رافينا للطاقة في الحوض المتوسطي قبل يومين، وهو ما يشمل مشاريع في الاستكشاف والإنتاج والتحول الطاقوي، لاسيما الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والبنى التحتية للطاقة.
كما أن العملاق الإيطالي يعتبر حاليا أكبر منتج أجنبي للمحروقات في الجزائر، خصوصا بعد استحواذه على حصص شركات أجنبية غادرت البلاد على غرار “بريتيش بيتروليوم” البريطانية ونبتون إينرجي.
وفي خطوة جديدة لتوسيع الشراكة، بحث وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، مع مسؤولي “إيني” مشروع مد كابل بحري لنقل فائض إنتاج الكهرباء الجزائرية نحو الضفة الشمالية للمتوسط، بطاقة تصل إلى 2000 ميغاواط، إضافة إلى التقدم في مشروع “الرواق الجنوبي للهيدروجين”، الذي سينطلق من الجزائر مرورًا بتونس وصولًا إلى الأراضي الإيطالية، بدعم من شركة “سنام”، المختصة في البنى التحتية الطاقوية.
ويتوقع أن يشكل هذا المشروع نقطة تحول في التعاون الطاقوي، بتحويل الجزائر إلى فاعل رئيسي في تزويد أوروبا بالهيدروجين النظيف خلال العقود المقبلة.
مشاريع فلاحية ضخمة وغير مسبوقة
أما في الشق الفلاحي، فتسير العلاقات الجزائرية الإيطالية بخطى متسارعة نحو شراكة استراتيجية تتجاوز مجرد المبادلات التجارية إلى إقامة مشاريع استثمارية ميدانية.
في هذا السياق، يبرز استثمار مجموعة “بي إف بونيفيكي فيراريزي” الإيطالية في مشروعها الضخم بولاية تيميمون على مساحة 36 ألف هكتار بتكلفة تبلغ 420 مليون يورو، والذي من المرتقب أن يدخل مرحلة الإنتاج بداية من موسم الحصاد المقبل في شهر ماي، والذي يركز على زراعة القمح الصلب والبقوليات، وسيمكن أيضا من جني أولى محاصيل البقوليات الجافة في الأشهر المقبلة.
وتزامنا مع تقدم هذا المشروع، قدمت المجموعة الزراعية التي تعتبر الأكبر في إيطاليا، مقترحا رسميا للسلطات الجزائرية لتوسيع استثمارات في تيميمون، لتشمل تربية المواشي وإنتاج اللحوم الحمراء، في مرحلة أولى، ثم إنتاج الحليب في مرحلة ثانية، حيث جرى مناقشة الملف بين وزير الفلاحة والتنمية الريفية يوسف شرفة، وفابريتسيو ساجيو، وهو مستشار رئيسة مجلس الوزراء، الذي زار الجزائر بحر هذا الأسبوع.
ويمثل هذا التوجه خطوة كبيرة نحو إدماج سلاسل الإنتاج الفلاحي من الزراعة إلى التحويل الصناعي، ما يفتح آفاقا للتصدير، خاصة نحو الأسواق المتوسطية والإفريقية.
كما أن هذا الاستثمار يعزز التوجه الحكومي نحو تنمية الجنوب الكبير، ويدخل ضمن استراتيجية استغلال الأراضي الزراعية والوصول إلى مليون هكتار من زراعة الحبوب بالجنوب الكبير، وفق مخطط أطلقته وزارة الفلاحة والتنمية الريفية.
وفي إطار خطة ماتاي لحكومة جورجيا ميلوني الموجهة للقارة الإفريقية، سيكون من نصيب ولاية سيدي بلعباس مركز التكوين والبحث والابتكار الزراعي “إنريكو ماتاي” والذي تجري أشغال إنجازه حاليا.
الخبير كواشي: الشراكة نتاج طبيعي لتوافق سياسي بين قيادتي البلدين
في هذا السياق، يرى البروفيسور والمحلل الاقتصادي مراد كواشي، أن هذه الشراكات النوعية في قطاعي الطاقة والفلاحة بين الجزائر ورما، هي نتاج توافق سياسي بين قيادتي البلدين، والذي تم التعبير عنه بزيارات متبادلة على أعلى مستوى، ما أدى إلى شراكة متميزة في البلدين.
وأوضح الخبير كواشي، أنه، وفضلا عن شراكتها الطاقوية، فإن إيطاليا تحولت في السنوات الأخيرة إلى أكبر شريك استراتيجي للجزائر، من خلال علاقات في عديد القطاعات الحيوية والاستراتيجية، على غرار الغاز والهيدروجين والربط الكهربائي البحري.
وأضاف كواشي أن الجزائر شهدت أيضا استثمارات إيطالية في قطاعات حيوية واستراتيجية، من خلال زراعة الحبوب في تيميمون وإقامة الصناعات الغذائية والتحويلية، وهو مشروع هام واستراتيجي، حسبه، سيكون بمثابة لبنة أخرى للجزائر في سبيل تحقيق الأمن الغذائي وخاصة الحبوب والقمح بشكل خاص.
من جهته يرى المحلل الاقتصادي محفوظ كاوبي أن الاستثمارات الإيطالية بالجزائر تنوعت حقيقة ولم تبق محصورة في المحروقات، علما انها حاليا أول شريك للطاقة وأكبر المستثمرين مع سوناطراك.
ولفت الخبير كاوبي أن الفترة الاخيرة شهدت اهتماما واسعا من الشركات الإيطالية بقطاع الفلاحة، على غرار مشروع تيميمون في مجال إنتاج القمح والبقوليات، والذي من المفروض أن يشهد توسعة ليشمل إنتاج اللحوم والحليب.
وشدد المتحدث على ان هذا الامر ليس بالغريب، بعد ان وقف المستثمرون الإيطاليون على الإمكانات الهائلة التي تتوفر عليها الجزائر بالجنوب وتيميمون على وجه الخصوص، ولذلك فإنه من العادي جدا ان يكون هناك نسق تصاعدي وزيادة هندسية في حجم الاستثمارات الإيطالية، خصوصا في ظل التسهيلات الممنوحة.
ولفت كاوبي إلى أن ايطاليا لها تجربة وإمكانات جد محترمة بل من هي من الطراز الأول في الصناعات الغذائية والإنتاج الفلاحي.
وخلص محدثنا إلى أن زيادة الاستثمار في قطاع مهم، وهو الفلاحة، تعتبر تحصيلا حاصلا، بالنظر لما تتوفر عليه الجزائر والتجربة والتحكم التقني الذي تمثله الشركات الإيطالية في هذا المجال.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس