أفريقيا برس – الجزائر. في تحول لافت داخل منطقة اليورو، تبرز إيطاليا وإسبانيا اليوم كوجهتين استثماريتين أكثر جاذبية مقارنة باقتصادات أوروبية أخرى، كانت تُعد تقليديًا أكثر أمانًا. فبعد سنوات من تصنيفهما ضمن “الأطراف الهشة” في الاتحاد النقدي، نجح البلدان في إعادة رسم صورتهما لدى الأسواق العالمية، مدفوعين بتحسن المؤشرات الاقتصادية وتراجع المخاطر المالية، ما انعكس مباشرة على انخفاض تكاليف الاقتراض وتدفق اهتمام المستثمرين.
يعد تقلص الفارق في عوائد السندات الحكومية، أحد أبرز مؤشرات هذا التحول، حيث انخفض الفارق بين عوائد السندات الإيطالية لأجل (10) عشر سنوات مع نظيرتها الألمانية إلى نحو 0.7 نقطة مئوية، وهو أدنى مستوى منذ عام 2009.
أما إسبانيا، فشهدت تقلصًا أكبر، إذ هبط الفارق إلى أقل من 0.5 نقطة مئوية، في مستوى لم تشهده منذ ما قبل أزمة ديون منطقة اليورو. هذا التطور يعكس ثقة متزايدة من الأسواق في متانة الأوضاع المالية للبلدين مقارنة بغيرهما.
وتعزز هذه الثقة الأداء الاقتصادي القوي، خصوصًا في إسبانيا، التي يُتوقع أن تكون أسرع الاقتصادات المتقدمة الكبرى نموًا للسنة الثانية على التوالي. فبفضل مزيج من الهجرة النشطة، وازدهار السياحة، وانخفاض تكاليف الطاقة، والاستفادة الفعالة من أموال الاتحاد الأوروبي، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد الإسباني بنسبة تقارب 2.9%. كما يتجه العجز المالي الإسباني إلى الانخفاض، مدعومًا بزيادة الإيرادات الضريبية وتحسن الإدارة المالية، ما يعزز جاذبية البلاد للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار والعائد في آن واحد.
أما إيطاليا، ورغم بطء نموها النسبي، فقد نجحت في تحقيق مكاسب نوعية على صعيد المصداقية المالية. فقد أظهرت الحكومة التزامًا واضحًا بخفض العجز وضبط الإنفاق، إلى جانب تحقيق تقدم ملموس في مكافحة التهرب الضريبي وتحسين تحصيل الإيرادات. هذه السياسات، مقرونة بالاستقرار السياسي النسبي، أعادت إيطاليا إلى دائرة اهتمام مديري الصناديق، الذين باتوا ينظرون إلى ديونها على أنها أقل خطورة مما كانت عليه في السابق.
في المقابل، تواجه بعض الاقتصادات الأوروبية الكبرى تحديات معاكسة. ففرنسا، التي لطالما اعتُبرت من أكثر الدول أمانًا في المنطقة، تعاني من عجز مالي مرتفع بسبب الاضطرابات السياسية، حيث بلغ عجز الميزان التجاري الفرنسي 5.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، بينما وصل حجم ديونها إلى 113% من الناتج المحلي الإجمالي في العام ذاته حتى باتت أعلى من نظيرتها الإسبانية.
كما خضعت ألمانيا نفسها لإعادة تقييم من قبل الأسواق بعد إطلاق خطط إنفاق ضخمة، ما أثار مخاوف بشأن ارتفاع مستويات الدين مستقبلًا.
هذه التحولات دفعت المستثمرين إلى إعادة توزيع محافظهم الاستثمارية، مع ميل متزايد نحو جنوب أوروبا. ولم يعد من المنطقي، في نظر كثير من مديري الأصول، تصنيف إيطاليا وإسبانيا ضمن “الطرف الأكثر خطورة” في منطقة اليورو. وعلى الرغم من أن تكاليف الاقتراض لا تزال أعلى مما كانت عليه في حقبة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، فإن الاستقرار النسبي وتحسن الآفاق الاقتصادية يجعلان من البلدين نموذجًا على كيف يمكن للإصلاحات والانضباط المالي أن يحولا التحديات إلى فرص، ويمنحا إيطاليا وإسبانيا موقع الصدارة في سباق جذب الاستثمار داخل أوروبا.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





