أفريقيا برس – الجزائر. انطلقت، الخميس، بالعاصمة الجزائرية فعاليات المعرض الرابع للتجارة البينية الأفريقية تحت شعار «بوابة العبور إلى فرص جديدة»، بمشاركة وفود من 140 دولة وأكثر من 2000 شركة من أفريقيا وخارجها، في حدث تؤكد السلطات الجزائرية والمنظمات القارية أنه الأوسع طموحًا منذ تدشينه عام 2018، سواء من حيث حجم التمثيل أو سقف التطلعات الاقتصادية المرتبطة به.
وقالت وزارة التجارة الجزائرية، في بيان، إن الدورة الحالية التي تتواصل إلى 10 سبتمبر/أيلول الجاري «هي الأهم والأكثر طموحًا بفضل حجم المشاركة والموارد الاستثنائية المسخرة لإنجاحها»، مرجحة أن تُختتم بتوقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية تفوق 44 مليار دولار. وأوضحت أن الجزائر «سخّرت كل الإمكانات لتوفير أفضل الظروف للوفود الرسمية والعارضين والزوار المهنيين»، واتخذت حزمة تدابير لوجستية وتنظيمية «كي تكون هذه النسخة العلامة الفارقة» في تاريخ المعرض.
ويُنظم المعرض بالشراكة بين الجزائر والبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير (أفريكسيم بنك) ومفوضية الاتحاد الأفريقي وأمانة منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (زليكاف)، مع اهتمام رسمي بارز تجلى في إشراك كل الجهات المعنية داخل البلاد لضمان تنظيم محكم لحدث يُعوّل عليه لتعزيز الاندماج الاقتصادي القاري.
برنامج ثري و«يوم الجزائر»
يتضمن برنامج الدورة الرابعة معارض متخصصة، و«يوم الجزائر» للتعريف بالإصلاحات والفرص الاستثمارية، وقمة لوكالات الاستثمار، ويومًا للجاليات الأفريقية بالخارج، إلى جانب لقاءات أعمال ثنائية، ومنتدى حول التجارة والاستثمار، ومعرض لصناعة السيارات، وفضاءات مخصصة للشركات الناشئة والابتكار، فضلًا عن فعاليات ثقافية وفنية تعكس التنوع الأفريقي وتستهدف تحويل فضاء المعرض إلى منصة تواصل اقتصادي وثقافي متكاملة.
وفي كلمة إعلامية، عبّر أولوسيغون أوباسانجو، الرئيس النيجيري الأسبق ورئيس المجلس الاستشاري للمعرض، عن «يقينه بنجاح الحدث»، مؤكدًا أن هذه التظاهرة «ستكون خطوة جديدة في مسار التحرر الاقتصادي للقارة». وأشار إلى أن النسخ السابقة منذ 2018 سجّلت التزامات بمليارات الدولارات، «لكن دورة الجزائر أكثر وعدًا» بالنظر إلى اتساع قاعدة المشاركين وتنامي الاهتمام الإقليمي والدولي.
من جهتها، اعتبرت وزارة التجارة الجزائرية أن استضافة هذا الحدث تمثل «فرصة استراتيجية لإعادة تأكيد مكانة الجزائر كقاطرة للتنمية في القارة»، عبر إبراز دورها في تجسيد الاندماج الاقتصادي الأفريقي وتشجيع التعاون الموسع وتطوير الشراكات العابرة للحدود، مع الاستفادة من خبراتها في التصنيع وتنويع الاقتصاد.
«توقيت استراتيجي».. ورسالة لتغيير نمط النمو
وأبرز رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، في كلمة تلتها نيابة عنه نائبة رئيس المفوضية مليكة سلمة حدادي، «أهمية انعقاد المعرض في هذا التوقيت»، واصفًا النسخة الرابعة بأنها «استراتيجية» لأنها تتناول ما يجب على أفريقيا القيام به الآن: الابتكار، تعظيم القيمة المضافة، والتصنيع، حتى لا تبقى القارة مجرد مُصدّر للمواد الخام، بل «مهندسة للصناعات» التي تصنع ازدهارها.
ولفت يوسف إلى أن المعرض «برز كسوق استثمار»، مستشهدًا بمؤشرات النجاح منذ النسخة الأولى التي سجلت أكثر من ألف عارض والتزامات بنحو 32 مليار دولار، ثم 42 مليارًا رغم جائحة «كوفيد-19»، بينما تبدو دورة الجزائر أكثر وعدًا. وأضاف: «هذه ليست مجرد صفقات، بل هي النسيج الأساسي لقارة متكاملة ومزدهرة بالتنمية والاستقرار والنمو الشامل والاستدامة والتطلع المشترك»، مؤكدًا استمرار الاتحاد في دعم زليكاف وبالتعاون مع مؤسسات أفريقية، خاصة أفريكسيم بنك.
وقبل تلاوة الكلمة، شددت حدادي على أن انعقاد النسخة الرابعة في الجزائر «يعكس مكانتها كمنارة للوحدة الأفريقية ورافعة للتكامل الاقتصادي»، ووصفت الجزائر بأنها «بوابة أفريقيا» و«جسرًا بين شعوب القارة»، وحاضنة طبيعية لمشاريع الاندماج وممرًا إلى الأسواق القارية الرحبة.
زليكاف: سوق داخلية قوية في مواجهة اللايقين العالمي
بدوره، دعا وامكيلي مين، الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (زليكاف)، إلى توحيد جهود دول الاتحاد الأفريقي لبناء سوق داخلية قوية عبر الاستفادة من أدوات المنطقة، في مواجهة «حالة اللايقين في المبادلات، وتصاعد النزعات القومية الاقتصادية، وتزايد سياسات الحماية». وقال في الافتتاح إن «هذا السياق يجبرنا على العمل بالوحدة والعزم والسرعة لتعزيز صمود القارة وحماية مصالحها المشتركة».
وأوضح مين أن القارة تواجه رهانات بنيوية، على رأسها النقل واللوجستيات، ما يستدعي الإسراع في تنفيذ السوق الأفريقية الموحدة للنقل الجوي، ونشر أدوات الدعم مثل صندوق التكيف مع زليكاف المقرر إطلاقه في الجزائر خلال الأيام المقبلة، فضلًا عن تعبئة استثمارات أفريقية لإنجاز البنى التحتية وشبكات النقل وسلاسل الإمداد.
وكشف أن التجارة البينية الأفريقية شهدت انتعاشًا قويًا في 2024، متجاوزة 220 مليار دولار بزيادة 12.5% عن 2023، مع تحول تدريجي في تركيبة التجارة نحو السلع المصنّعة كالمركبات والمنتجات الغذائية المحوّلة والكيماويات والإلكترونيات، وهو تحول «يعكس انتقالًا من اقتصاد يعتمد على تصدير المواد الخام إلى اقتصاد أكثر تصنيعًا». لكنه شدد على ضرورة تعميق الإصلاحات في البنية التحتية والقطاع الصناعي، واعتماد بروتوكولات حديثة مثل التجارة الرقمية، واستغلال إمكانات الاقتصاد الرقمي لخلق فرص عمل للشباب.
رهانٌ على الأثر القاري
تُعوِّل الجهات المنظمة على أن تتحول لقاءات الأعمال والمنتديات المتخصصة إلى اتفاقات ملموسة، سواء في التصنيع المشترك، أو سلاسل القيمة الإقليمية، أو الزراعة والصناعات الغذائية، إضافة إلى الطاقة والنقل والخدمات الرقمية. ويأتي «معرض صناعة السيارات» كمؤشر على توجه لتوطين حلقات أكبر من الصناعة داخل القارة، وتقليل فاتورة الواردات، وبناء قواعد موردين محليين تشجع نقل التكنولوجيا ورفع نسب الإدماج.
كما يراهن المنظمون على أن «يوم الجاليات» يُعيد وصل الكفاءات الأفريقية في المهجر ببلدانها الأم، عبر منصات تعارف وتمويل، بما يعزز تحويلات المعرفة والاستثمار الموجه، في حين توفّر فضاءات الشركات الناشئة والابتكار منصة لرواد الأعمال الشباب لعرض حلول رقمية في اللوجستيات والمدفوعات والتجارة الإلكترونية، بما ييسّر الانخراط في زليكاف ويخفض كلفة العبور والتعاملات بين الدول.
الجزائر «بوابة ومختبر»
تسعى الجزائر إلى تقديم نفسها «بوابة ومختبرًا» لتفعيل التكامل، عبر «يوم الجزائر» الذي يستعرض الإصلاحات والقطاعات ذات الأولوية، وموقع البلاد في سلاسل القيمة الإقليمية والعالمية. ويواكب ذلك مساعٍ لإقامة جسور جوية وبحرية مع العواصم الأفريقية، ودعم حضور البنوك الجزائرية في أسواق القارة، بما يوفر أدوات وتمويلات تناسب طبيعة المشاريع العابرة للحدود.
وتتوقع الجهات المنظمة استقبال نحو 35 ألف زائر مهني خلال أيام المعرض، مع استضافة حلقات عمل وموائد مستديرة تجمع صانعي السياسات بالمستثمرين والخبراء، لبلورة خرائط طريق قطاعية تتضمن أهدافًا قابلة للقياس، وآليات متابعة، وربطًا وثيقًا بين القطاعين العام والخاص.
نحو تكاملٍ يواجه الاختلالات
في المحصلة، تبدو الدورة الرابعة لمعرض التجارة البينية الأفريقية في الجزائر مصممة لتتحول من منصة «عرض وترويج» إلى مسرّع لعملية الاندماج، عبر صفقات فعلية، وأدوات دعم، ومسارات تنفيذ تتكامل مع منطقة التجارة الحرة الأفريقية. وبين رهانات توطين الصناعة وتعزيز البنية التحتية والرقمنة، يبرز رهان آخر على إرادة سياسية تسابق الزمن لتقليص الفجوة بين طموح القارة وواقعها، وتمكين أفريقيا من الإمساك بدورها في سلاسل القيمة العالمية، وبناء سوق داخلية قادرة على الصمود أمام اختلالات الاقتصاد الدولي.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس