بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. هكذا ستؤمّن الجزائر ثرواتها

4
بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. هكذا ستؤمّن الجزائر ثرواتها
بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. هكذا ستؤمّن الجزائر ثرواتها

أفريقيا برس – الجزائر. تتجه الجزائر بخطوات ثابتة نحو تحويل إقليمها بالبحر الأبيض المتوسط إلى فضاء ذكي تدار فيه الثروة السمكية بالأقمار الاصطناعية والخوارزميات، والتطبيقات الذكية، حيث لم يعد البحر مجرد مساحة مفتوحة للصيد عن طريق الحظ و يعتمد على الخبرة الشخصية والحدس، بل بات اليوم مشهدا رقميا معقد تراقب فيه السفن وترسم فيه الخرائط وتحصى فيه الأسماك وتحدد أنواعها ومواقيت تكاثرها من الفضاء الرقمي… إنها الجزائر الجديدة التي تراهن على التكنولوجيا الزرقاء لترسيخ سيادتها البحرية، وتأمين غذائها الوطني، لمواجهة تحديات بيئية ومنافسة إقليمية، و كسب رهانات إستراتيجية تتجاوز الصيد، لتلامس مفهوم الأمن الأزرق بكل أبعاده.

يأتي هذا التوجه ضمن رؤية شاملة يقودها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد في أكثر من مناسبة أن تحقيق الأمن الغذائي يعد أولوية وطنية، حيث شدد خلالها على ضرورة استثمار القدرات البحرية للبلاد في تأمين مصادر غذائية مستدامة، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لضمان الاستغلال الأمثل للموارد دون المساس بالتوازن البيئي،كما لا يجب أن نغفل عن البرنامج الاستعجالي لرئيس الجمهورية المتعلق بتحلية مياه البحر، والذي يعد مكونا رئيسيا من مكونات “الاقتصاد الأزرق”…هذه الجهود تمت ترجمتها في خطط عمل وزارية واستثمارات موجهة لمشاريع مبتكرة وتطبيقات ذكية تم استحداثها بعقول وسواعد جزائرية شابة، تعكس إرادة سياسية واضحة لربط الابتكار بحماية الثروة السمكية، وجعل الجزائر نموذج يحتذى به في التنمية البحرية المستدامة، لدفع عجلة التطوير من خلال تحديث أسطول الصيد، وإنشاء موانئ ذكية مجهزة بأنظمة رقمية متطورة لمراقبة الأنشطة البحرية، وتوسيع مشاريع تربية الأحياء المائية لزيادة الإنتاج الوطني من الأسماك… وهو ما تطرق له مختصون وخبراء في هذا المقال للتعريف أكثر بالآليات التي تتوجه نحوها الجزائر للدفع بالاقتصاد البحري بتطوير الأنظمة المبتكرة، و يبقى السؤال المطروح كيف ستعيد الجزائر رسم حدودها في عمق المتوسط عبر شاشات رقمية وموانئ ذكية؟ وهل ستتمكن التكنولوجيا من ترويض الأمواج و استغلال الثروة السمكية بالشكل الأمثل؟

الذكاء الاصطناعي غيّر قواعد اللعبة في إدارة الموارد البحرية: تطبيقات ذكية ومشاريع مبتكرة بعقول جزائرية شابة

تشكل تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليوم أداة إستراتيجية في تسيير البحر، إذ لم تعد هذه التقنيات مقتصرة على تحليل البيانات فحسب، بل أصبحت قادرة على دمج معطيات الأقمار الصناعية، وأجهزة الاستشعار البحرية، وأنظمة الرادار، لتوفير صورة شاملة وفورية عن حالة البيئة البحرية، هذه التطبيقات تمكن من تتبع حركة السفن بدقة، ورصد مناطق تكاثر الأسماك، والتنبؤ بمواسم الصيد المثالية، فضلا عن إصدار تنبيهات عند اكتشاف سلوكيات صيد غير قانونية، كما يمكنها محاكاة سيناريوهات بيئية واقتصادية مختلفة، لمساعدة صناع القرار في اختيار أنسب استراتيجيات الاستغلال المستدام للموارد البحرية، ومن خلال هذه القدرة على قراءة “لغة البحر” وتحويلها إلى معلومات عملية،تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في جعل إدارة الثروة السمكية أكثر دقة، ورفع كفاءة عمليات النقل والتخزين، بما يتناسب مع أهداف الجزائر في تعزيز الأمن الغذائي وحماية بيئتها البحرية.

المهندسة هاجر بومسعد مسيّرة شركة “أش.أر تكنولوجي”: “نطمح لتكون منصتنا رائدة في إدارة بيانات الصيد البحري بشمال إفريقيا”

“الشروق أونلاين” كانت لها الفرصة لتتعرف عن قرب على عمل هذه التقنيات الحديثة… من داخل مقر شركة ” أش. أر. تكنولوجي”، التقينا الشابة هاجر بومسعد، صاحبة المشروع المبتكر في قطاع الصيد البحري، شابة طموحة حدثتنا بشغف و حماس كبيرين عن حلمها وطموحها في تحويل مشروعها إلى أكبر منصة في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط مستقبلا، قائلة إن فكرتها انطلقت من إدراك تحديين رئيسيين يواجهان الصيادين في الجزائر، و أولهما غياب البيانات الدقيقة والمحدثة التي تعرقل حسبها الإدارة المستدامة للموارد البحرية، إلى جانب صعوبة وصول الصيادين إلى الأسواق بطريقة مباشرة وعادلة.

وأوضحت هاجر، أن المشروع يقدم منصة مبتكرة تعتمد على نظام المعلومات الجغرافية “SIG”، التي تجمع بين جمع وإدارة البيانات البحرية في الوقت الحقيقي، وبين سوق رقمية تربط الصيادين بالموزعين والمطاعم والعملاء مباشرة، وهو الأمر الذي سيجعل من هذه العملية حلقة متكاملة بين المعلومة العلمية والفرصة التجارية و كيفية تسويقها.

وأضافت بومسعد أن النظام الذي ابتكرته مدمج مع تطبيق يتم تحميله عبر الهاتف المحمول وموقع ويب، ويعمل وفق خطوات تقنية واضحة تبدأ بالتسجيل عبر التطبيق، مرورا بجمع البيانات الميدانية المتعلقة بنوع الصيد والكميات والمواقع وجودة المياه، ثم معالجتها وتحليلها عبر خوارزميات ذكية، وصولا إلى عرض النتائج للمستخدمين وربطهم بالسوق الرقمية في واجهة سهلة الاستخدام، كما كشفت في سياق حديثها، أن نموذج العمل قائم على عمولة من كل معاملة تنجز في السوق الرقمية، إضافة إلى اشتراكات للشركات المهتمة بالحصول على التحليلات والخدمات المتقدمة، وأكدت محدثتنا أن المشروع يستند إلى تقنيات معالجة البيانات في الزمن الحقيقي، وخوارزميات تحليل متطورة، مع خطط مستقبلية لدمج الذكاء الاصطناعي لتحسين توقعات الإنتاج البحري.

وتابعت هاجر قائلة أن هذه التكنولوجيا الحديثة والتي تضم عشرات المشاريع تم استحداثها من قبل شباب جزائريين، ستجعل الصيد أكثر استدامة من خلال تتبع المخزون السمكي، وتحسين إدارة الموارد، وتسهيل وصول المنتجات إلى الأسواق، إضافة إلى دعم الشفافية عبر تتبع المنتج من لحظة صيده إلى وصوله للمستهلك بعيدا عن المشاكل التقنية و اللوجيستية التي تعرقل العملية بالنظام التقليدي للصيد.

وأوضحت المتحدثة أن المشاريع المصغرة مثل مشروعها،خلقت فرص عمل مباشرة للصيادين والشباب في المناطق الساحلية، كما أنها ستفتح أفاق جديدة في مجالات الخدمات اللوجستية والتسويق الرقمي وكذا تحليل البيانات، قائلة أن رؤيتها المستقبلية هي أن تصبح المنصة رائدة في إدارة بيانات الصيد البحري في شمال إفريقيا، مع تأكيدها على أن نشاط الشركة لا يقتصر على قطاع الصيد فقط، بل يشمل تقديم حلول ذكية تعتمد على أنظمة المعلومات الجغرافية لقطاعات أخرى مثل الأمن، البيئة، والطاقة و غيرها، وهو من بين عشرات المشاريع التي يدعمها حاليا برنامج الاقتصاد الأزرق في الجزائر.

رضا علال رئيس مشروع الاقتصاد الأزرق الممول من الاتحاد الأوروبي: الأنظمة المتطورة ستحدث ديناميكية جديدة في القطاعات البحرية

كشف رئيس مشروع الاقتصاد الأزرق الممول من قبل الاتحاد الأوروبي رضا علال، أن الجزائر تعمل على تطوير برنامج التكنولوجيات الرقمية الحديثة، بالتنسيق مع وزارة الفلاحة والتنمية الريفية والصيد البحري، والتي ستساهم في تطوير مختلف الشعب المتعلقة بالاقتصاد الأزرق، خاصة في مجالات الصيد البحري، تربية المائيات، اللوجستيك البحري، والأنظمة التكنولوجية والرقمية والإلكترونية.

وأوضح علال أن هذه الأنظمة المتطورة تسمح بإحداث ديناميكية جديدة في القطاعات البحرية، وتعزيز الابتكار من خلال استخدام الأنظمة المعلوماتية، مثل الذكاء الاصطناعي، و”البيغ داتا”، وهي تقنيات حديثة تساعد في تحقيق تشخيص أدق، وتسيير أفضل، ومراقبة دقيقة لأنشطة الصيد البحري، بالإضافة إلى توفير معرفة دقيقة بالثروة السمكية، ومتابعة حركة سفن الصيد والسفن التجارية للحصول على معلومات كاملة حول نشاط الصيد البحري في ظرف قياسي، وإدارة عمليات الشحن والنقل البحري بشكل عقلاني ومنظم.

تخصصات علمية جديدة بالجامعات لتطوير العنصر البشري

وأكد محدثنا أن الجزائر حاليا، مستعدة تماما لمواكبة هذا التحول الرقمي، حيث تشمل استراتيجيتها الوطنية جميع الدوائر الوزارية، التي تعمل على توفير البنية التحتية والقاعدة التكنولوجية اللازمة لتطوير هذا القطاع، إلى جانب التركيز على تطوير العنصر البشري عبر إدراج تخصصات جديدة في مجال الاقتصاد الأزرق، وإنشاء معاهد ومدارس متخصصة في التطور الرقمي لتسيير الثروة السمكية والموانئ باستخدام الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الحديثة، من خلال تحسيس الطلبة والأساتذة بأهمية هذه التخصصات الجديدة، والتعريف بالإمكانيات المادية والتكنولوجية المتاحة لتطوير هذه الأنظمة المتقدمة، مؤكدا أن هذه المبادرات ستمكن الجزائر من تحقيق قفزة نوعية في تسيير مواردها البحرية، بأساليب حديثة، قائمة على التكنولوجيا والابتكار.

شانيز زوادي مديرة برنامج الاقتصاد الأزرق: الجزائر مستعدة.. 40 مؤسسة ناشئة جسدت مشاريعها بالواقع

من جهتها أكدت شانيز زوادي مديرة برنامج الاقتصاد الأزرق أن الجزائر تتوفر على عديد المقومات لتطوير التكنولوجيا الحيوية البحرية و دعم هذا الفرع الناشئ، وهو ما أثبتته نتائج دراسية حول إمكانيات تطوير التكنولوجيا الحيوية البحرية، اشرف عليها برنامج “الاقتصاد الأزرق” الصيد البحري و تربية المائيات، التابع للاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع وزارة الفلاحة و التنمية الريفية و الصيد البحري الذي أطلقته الجزائر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 2021، وقد عرض نتائج دراسة سلسلة القيم الخاصة بتطوير البيوتكنولوجيا البحرية في الجزائر، حيث تم التركيز على جميع المكونات المختلفة لهذه السلسلة.

وكشفت شانيز أن التشخيص الذي تم إجراؤه أتاح تحديد التحديات التي يواجهها هذا القطاع، بالإضافة إلى تقديم عدد من التوصيات والإجراءات اللازمة لتسريع وتعزيز التنمية والاستثمار في هذا المجال الحيوي، وقد تم التركيز بشكل خاص على البيوتكنولوجيا البحرية، التي تشمل استغلال الموارد البيولوجية والمنتجات البحرية في العديد من المجالات مثل الأدوية، الصحة، التجميل، والغذاء، وتحديدا المكملات الغذائية التي يحتاجها المهتمين بالصحة، على غرار النساء الحوامل، والرياضيين.

كما تم تسليط الضوء على النمو الذي يشهده هذا القطاع في الجزائر، حيث ظهرت العديد من الشركات الناشئة التي تعمل في إنتاج السبيرولينا، وهو نوع من الطحالب البحرية الغنية بالمغذيات إضافة إلى ذلك، تم تسليط الضوء على مشاريع البحث الناجحة التي حصلت على شهادات جودة تتماشى مع المعايير الدولية في مجالات المنتجات الصيدلانية والتجميلية، خاصة في استخراج الكولاجين، مشيرة إلى إحصاء نحو 40 مؤسسة ناشئة تمكّنت من تجسيد مشاريعها على أرض الواقع في هذا القطاع مع تسجيل العديد من التجارب الناجحة في تثمين النفايات البحرية.

الدكتور علي كحلان مختص في الذكاء الاصطناعي ونائب رئيس مؤسسة “CARE”: بيانات ضخمة لتتبع السردين والأنشوا والتونة في المتوسط

وفي السياق ذاته أكد الدكتور علي كحلان الخبير في الذكاء الاصطناعي ونائب رئيس مؤسسة CARE أن التقنيات الحديثة المرتبطة ببرامج الذكاء الاصطناعي في الجزائر تحولت إلى أداة مهمة في إدارة وتوزيع الموارد السمكية، إذ يحدث استعمالها فرقا شاسعا مقارنة بالطرق التقليدية، وأوضح أن هذه التقنيات تجمع في الوقت الفعلي كمية هائلة من المعلومات التي يصعب على البشر جمعها بسهولة، مثل مواقع السفن وحالة الطقس، ودرجة حرارة المياه، ومستويات الكلوروفيل التي تمثل مؤشرا على وجود الغذاء للأسماك، وبفضل هذه البيانات، يمكن للصيادين تحديد مناطق الصيد الأكثر غنى، والحصول على توصيات حول فترات الراحة البيولوجية التي تسمح للأسماك بالتكاثر، بالإضافة إلى مراقبة الأنشطة في البحر عبر أجهزة التتبع وصور الأقمار الصناعية، وبالتالي ضمان اتخاذ قرارات أسرع وأكثر شفافية لإدارة مخزون أنواع مثل السردين والأنشوجة والتونة في المتوسط.

نظام “كوبرنيكوس” لمعرفة درجة حرارة المياه ومستويات الكلوروفيل

وأشار كحلان إلى أن تحليل البيانات الضخمة “Big Data” يلعب دورا مهما في التنبؤ بمواسم الصيد المثالية ومناطق تجمع الأسماك، حيث يتم جمع كميات ضخمة من البيانات تشمل السجلات القديمة للصيد، وظروف البحر والمعلومات الفضائية من أنظمة مثل “كوبرنيكوس”، بما في ذلك درجة حرارة المياه ومستويات الكلوروفيل”، ويقوم الذكاء الاصطناعي بتحويل هذه البيانات إلى خرائط مبسطة وسهلة الفهم، توضح للصيادين، على سبيل المثال، أي منطقة في البحر ستكون الأفضل للصيد خلال أسبوع معين، مما يساعدهم على التخطيط الأمثل لرحلاتهم، وتوفير الوقود، وحماية الأنواع السمكية عبر الإغلاقات المؤقتة.

وأضاف أن صور الأقمار الصناعية وخوارزميات التعلم العميق باتت وسيلة فعالة لمراقبة البيئة البحرية، إذ يمكن لأجهزة الاستشعار رصد أضواء قوارب الصيد ليلا، ليقوم الذكاء الاصطناعي بربط هذه الإشارات بمسارات نظام تحديد المواقع “GPS”، كما يستخدم الرادار للكشف عن السفن التي تعطل أجهزة التتبع الخاصة بها عمدا، ما يسمح بمراقبة مساحات بحرية شاسعة بسرعة وكفاءة، ورغم أن الغيوم أو الإنذارات الخاطئة قد تسبب بعض التحديات، إلا أن هذه الوسائل تظل من أنجع الطرق للكشف عن أنشطة الصيد غير القانوني.

وفي ما يتعلق بالتحديات التقنية التي تواجه رقمنة قطاع الصيد البحري في الجزائر، أوضح كحلان أن أهم الأولويات تتمثل في ربط جميع الموانئ ونقاط الإنزال بنظام بيانات موحد، يجمع المعلومات حول الرخص والمصيد وإمكانية التتبع، كما شدد على ضرورة تزويد قوارب الصيد الصغيرة بالمعدات الحديثة وتدريب الصيادين على استخدام الأدوات الرقمية، وضمان جودة البيانات وتكامل الأنظمة الرقمية المختلفة، وأشار إلى أن تربية الأحياء المائية تتطور أيضا، مما يتطلب بنية رقمية متطورة لمواكبة هذا النمو.

أما بخصوص الحد من الصيد الجائر وحماية الأنواع المهددة بالانقراض، فأكد أن النماذج التنبؤية القائمة على الذكاء الاصطناعي توفر إمكانية تحديد دقيق لأماكن وأوقات تجمع الأسماك، وهو ما سيسمح بفرض إغلاقات مستهدفة بدلا من الحظر الشامل. كما أن دمج هذه النماذج مع صور الأقمار الصناعية يتيح رصد الأنشطة المشبوهة في البحر، وعلى المدى الطويل، يساهم هذا التوجه، إلى جانب تطوير تربية الأسماك، في تقليل الضغط على المخزون الطبيعي وضمان استدامة الإمدادات الغذائية البحرية.

المختص في التحول الرقمي بوكعبة مبارك: الثورة الرقمية دخلت عمق البحار لإدارة الثروة السمكية بذكاء

يرى الخبير في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي بوكعبة مبارك، أن الثورة الرقمية دخلت عمق البحار، حاملة معها إمكانات هائلة لإدارة الثروة السمكية بذكاء ودقة غير مسبوقة في حالة استخدامها في الإطار التنظيمي الصارم.

وأوضح بوكعبة أن الذكاء الاصطناعي غير قواعد اللعبة في إدارة الموارد البحرية، فبعد أن كان الصياد يعتمد على الخبرة الشخصية والحدس، بات بإمكانه اليوم الاستعانة بتحليلات ذكية لصور الأقمار الصناعية، وبيانات السونار والمؤشرات الزمنية، لتحديد أماكن تجمعات الأسماك بدقة مدهشة وتوجيه أنشطة الصيد بكفاءة عالية.

هذه التقنيات تقدم توصيات ديناميكية، حسب المتحدث، مثل إغلاق مناطق معينة خلال فترات التكاثر، وإعادة تقسيم المساحات البحرية استنادا للحالة البيئية، مع مراقبة الامتثال للمعايير البيئية بدقة، و النتيجة كما يصفها بوكعبة ستكون سلسلة توريد أكثر ذكاء و تخطط للكميات حسب الأنواع والمناطق، وبالتالي ستعمل على تحسين حسن النقل والتخزين وتقلل الهدر، وتخفض التكاليف، وتزيد الشفافية.

“Big Data”… العمود الفقري للتنبؤ بالمواسم والمناطق المثلى للصيد

وفيما يخص دور البيانات الضخمة، أشار مبارك إلى أنها أصبحت العمود الفقري للتنبؤ بالمواسم والمناطق المثلى للصيد، من خلال دمج بيانات بيئية دقيقة، مثل حرارة المياه، نسبة الملوحة، مستويات الأكسجين، التيارات البحرية، والإنتاجية البيولوجية، مع سجلات تاريخية ومعطيات آنية، لتوليد توقعات عالية الدقة، هذا التوجه، بحسبه، يحول البحر إلى “لوحة معلومات حية” تكشف أسرارها عبر إشارات بيئية قابلة للقراءة، ما يقلل وقت البحث، ويجنب فترات التكاثر، ويحسن التخزين والتوزيع.

أما في جانب المراقبة البحرية، فيؤكد أن الصور الفضائية المدعومة بخوارزميات التعلم العميق تمنح تغطية شاملة ودقيقة، تقيس حرارة سطح المياه، ترصد الطحالب السامة والتلوث، وتكشف تدهور المواطن البيئية، إضافة إلى تتبع السفن ورصد السلوكيات المشبوهة تلقائيا وتتميز هذه النظم بقدرتها على التمييز بين الكائنات البحرية، واكتشاف تغيرات طفيفة غير مرئية للعين البشرية، وبذلك توفير تنبيهات فورية ونماذج تنبؤية متقدمة.

الاستثمار في شبكات LoRa و5G البحرية وإطلاق برامج تدريب متخصصة

وعلى الرغم من الإمكانيات الهائلة، شدد بوكعبة على اهمية تغطية الإنترنت في السواحل والموانئ، وتوفير أجهزة استشعار بحرية ذكية، وزيادة المهارات الرقمية لدى الصيادين، و تمويل الابتكار، ويرى أن الحل يكمن في الاستثمار في شبكات LoRa و5G البحرية، وإطلاق برامج تدريب مخصصة، وتطوير منصة رقمية موحدة، وتوسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مع دمج الذكاء الاصطناعي في التخطيط والمراقبة.

وعن مكافحة الصيد الجائر، يوضح أن النماذج التنبؤية تمنح القدرة على استشراف الفترات الحيوية لأنواع مهددة بالانقراض، وإطلاق تنبيهات مسبقة عند رصد انحرافات في سلوك سفن الصيد، بل وحتى اختبار السياسات البيئية افتراضيا قبل تطبيقها ميدانيا، واقتراح مناطق آمنة لإعادة توطين الأنواع النادرة.

ويضيف أن القياس الدقيق لحالة المخزون السمكي عبر البيانات الميدانية والفضائية يسمح باكتشاف مؤشرات الإنذار المبكر للإجهاد البيولوجي، واتخاذ قرارات استباقية مثل خفض الحصص أو فرض حظر مؤقت، ما يحول إدارة الثروة البحرية إلى نهج تفاعلي قائم على الأدلة بدلا من ردود الفعل المتأخرة، و أكد مبارك على أن الذكاء الاصطناعي قادر على قراءة إشارات البحر بشكل غير مسبوق، لكن القرار النهائي يكون بتوظيف هذه القدرة للحفاظ على الموارد البحرية.

المصدر: الشروق أونلاين

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here