كماشة النسيج الجزائري.. قطاع يقاوم الاستيراد ونقص التمويل

10
كماشة النسيج الجزائري.. قطاع يقاوم الاستيراد ونقص التمويل
كماشة النسيج الجزائري.. قطاع يقاوم الاستيراد ونقص التمويل

أفريقيا برس – الجزائر. أرى حلمي يتبخر، انهار كل ما بنيته طوال 20 سنة”، بهذه العبارة تلخص عائشة لابراوي، صاحبة مصنع نسيج مختص في ألبسة الأطفال والنساء، ما يعانيه مصنعها الذي يُشغل حوالى 60 عاملة وعاملاً بعد تراجع أعماله، وذلك بسبب “دخول قطاع النسيج في الجزائر غرفة الإنعاش، والذي بات ينتظر رصاصة الرحمة” حسب عائشة.

ما عاشه مصنع عائشة لابراوي هو المصير الذي قابلته العشرات من مصانع وورشات النسيج وخياطة الملابس في الجزائر في السنوات الأخيرة، التي اضطر الكثير منها إلى إطفاء آلات الخياطة وغلق الأبواب بعد تسريح العمال، جراء تراجع الطلب على الصناعات النسيجية المحلية، ما أدخل الكثير من ملّاك المصانع في دوامة الاقتراض البنكي والتهرب الضريبي.

يقول سليم نيسيلي، وهو مالك مصنع نسيج في العاصمة الجزائرية، إنه “قلص عدد عمال المصنع 50 في المائة في ظرف الـ 24 شهراً الأخيرة، بعدما تراجعت الطلبات، خصوصاً الآتية من عند الشركات العمومية التي تشكل 75 في المائة من الطلب”.

ويضيف سليم نسيلي أن “الظروف الاقتصادية التي تمر بها الجزائر، وبعدها كورونا، عجلت ببلوغ أزمة قطاع النسيج في البلاد الذروة “، ولا يرى المتحدث نفسه أي “أمل في المستقبل القريب، بخاصة أنّ الحكومة لا تضع هذا القطاع في قلب الأولويات الاقتصادية”.

وإذا كان للأزمة المالية التي مرت بها الجزائر في السنين الماضية يد في حالة الانكماش التي مسّت قطاع الصناعات النسيجية في البلاد، مثلها مثل العديد من القطاعات الأخرى، بحكم أن الاقتصاد الجزائري كله مبني على عائدات النفط، إلّا أن العارفين بقطاع النسيج يرون أسباباً أخرى، منها ما يرتبط بالخيارات الكبرى التي تبنتها الدولة الجزائرية منذ التسعينيات القرن الماضي، بعد خروج الجزائر من النظام الاشتراكي، الذي وضع قطاع النسيج إلى جانب الزراعة كقاطرة تقود الاقتصاد المحلي.

وحسب نائب الأمين العام للفيدرالية الجزائرية لعمّال النّسيج والجلود، عبد الكريم خودري، فإن قطاع النسيج في الجزائر ذهب ضحية أخطاء “سياسية” محضة، إذ يضيف المتحدث نفسه، أنّ “اختيار الجزائر التوجه نحو اقتصاد السوق الذي قصّ شريط الموانئ الجزائرية أمام الحاويات القادمة من الخارج، كان غير مدروس، وجاء دون ضوابط تحمي الإنتاج الجزائري”.

ويلفت خودري إلى أنّ “قطاع النسيج اليوم أصبح يوظف 25 ألف عامل بعدما كان يوظف 400 ألف عامل بطريقة مباشرة قبل 20 سنة.

فعلى سبيل المثال 20 شركة بين عمومية وخاصة أغلقت أبوابها نهائياً منذ 2010″، وللأسف يقول نائب الأمين العام للفيدرالية الجزائرية لعمّال النّسيج، إنّ “الحكومة تتفرج على اندثار قطاع كان مفخرة الجزائر في وقت تستورد فيه البلاد ما يعادل 6 مليارات دولار سنوياً من الألبسة”.

وإذا كان للتوجهات السياسية والاقتصادية التي تبنتها الدولة الجزائرية قبل 30 سنة من اليوم سبب في ما يعيشه قطاع الصناعات النسيجية، فالفاعلون في القطاع يضيفون أسباباً أخرى زادت من حدة الأزمة، من بينها البيروقراطية وارتفاع الرسوم الضريبية، بالإضافة إلى تراجع قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية، خصوصاً أنّ 90 من المواد الأولية من قماش وجلود تستورد.

وفي السياق، يرى عبد القادر سعدودي، صاحب ورشة لصناعة الأقمشة أن “الاستيراد في الجزائر أصبح مربحاً أكثر من الإنتاج، ففي وقت يضطر فيه أي مستثمر يريد أن يطلق مشروعاً في قطاع النسيج إلى تكوين ملف إداري يحتوي على العشرات من الوثائق، ثم يُضطر بعد موافقة الإدارة إلى استيراد الآلات والمواد الأولية بالعملة الصعبة لغيابها في الجزائر، التي ارتفعت فاتورة استيرادها بسبب انهيار الدينار ومع احتساب الرسوم الجمركية والضريبية، يكون المستورد قد أغرق السوق بعد استيراده لحاويات من الصين أو تركيا بالرسوم الجمركية نفسها المقدرة بـ 25 في المائة على المادة الأولية والمادة الجاهزة، وهذا أمر لا يعقل “.

ويضيف سعدودي أن “دخول الأتراك والصينيين السوق الجزائرية بعدما كانوا مصدّرين فقط، زاد من الطين بلة، فهم يعرضون سلعة أحسن من تلك المصنعة محلياً وبأسعار أقل”.

وبالرغم من تخصيص الدولة الجزائرية حوالى ملياري دولار لـ”المخطط الوطني لبعث الصناعات النسيجية” سنة 2013، إلا أن هذا الرقم، حسب العارفين بخبايا القطاع، يبقى بلا أثر بعد قرابة عقدٍ من إطلاق المخطط.

وحسب رئيس الاتحاد الجزائري لمصنعي النسيج، رابح دراج، فإن “غياب الإرادة والنية لدى الحكومة الجزائرية السابقة، خصوصاً في عهد عبد العزيز بوتفليقة، لبعث القطاع، هو أكبر مشكل يواجه القطاع، وبالتالي مهما كان المبلغ الذي خُصص لإعادة الروح في قطاع النسيج، لم يكف في ظل غياب إستراتيجية واضحة المعالم”.

ويضيف أنّ 5 مؤسسات عمومية ناشطة في قطاع الصناعات النسيجية بيعَت بالدينار الرمزي لرجال أعمال من دون أن تشترط عليهم الحكومة الجزائرية سابقاً إعادة فتحها، بل حوّل ملاكها الجدد نشاطها إلى صناعات أخرى، بل إنّ أحدهم حوّل المصنع الواقع في المنطقة الصناعية لرويبة، شرقي العاصمة الجزائرية، إلى حظيرة يركن فيها السيارات التي يستوردها.

وبالتالي، حسب رئيس الاتحاد الجزائري لمصنعي النسيج، فإنّ “قطاع الصناعات النسيجية سيبقى حبيس الخطابات الحكومية الرنانة والشعارات البراقة مثل “تنويع الاقتصاد” و”خلق الثروة” وغيرها من الشعارات التي حطمت الكثير من القطاعات في الجزائر”.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here