نصف قرن على قرار تأميم المحروقات… الرهان والتحديات المقبلة

37
نصف قرن على قرار تأميم المحروقات... الرهان والتحديات المقبلة
نصف قرن على قرار تأميم المحروقات... الرهان والتحديات المقبلة

افريقيا برسالجزائر. شكل الإعلان الذي أطلقه الرئيس الراحل هواري بومدين أمام إطارات الاتحاد العام للعمال الجزائريين بتاريخ 24 فيفري 1971، والمتضمن تأميم المحروقات ومصالح الشركات الفرنسية ألف إيرابس وألف أكيتان وتوتال، منعرجا في سياق حركية تحولت إلى مرجعية اتبعتها دول أخرى لاسترجاع السيادة على الموارد الطبيعية.

قرار التأميم المعلن عنه في 24 فيفري 1971، جاء كمحصلة لتطورات عديدة شهدتها العلاقات الجزائرية الفرنسية ومسار تفاوضي متعثر بدأ سنة 1969، بناء على المادة 27 من الاتفاق الجزائري الفرنسي الموقع في 29 جويلية 1965 على أمل أن ينتهي في جويلية 1970، وكان المفاوضان هما عن الجانب الجزائري وزير الخارجية آنذاك عبد العزيز بوتفليقة ووزير الصناعة كزافي أورتولي.

ولكن أيضا ارتبطت التطورات بالظرف الإقليمي والدولي، المتسم بسطوة كبيرة للكارتلات البترولية والمجموعات النفطية الدولية والتي كانت تفرض أسعارها في السوق، ونتج عن الاختلال قيام مجموعة من البلدان سنة 1960 لإنشاء ما عرف بمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” والتي تم ترسيم تأسيسها في سنة 1965.

وقد أكد الرئيس هواري بومدين على خلفيات ودوافع القرار الجزائري لتأميم المحروقات والذي سبقته قرارات تمت بعد حرب 1967 العربية الصهيونية، والتي تمثلت في تأميم مصالح الشركات البترولية الأمريكية بالخصوص إيسو وموبيل، في 1968، كما وقعت سوناطراك اتفاقا في 19 أكتوبر 1968 استرجعت بموجبه سوناطراك 51 بالمائة من مصالح الشركة في الجزائر، مع الإشارة إلى أنه في سنة 1969 كان البترول الجزائري يمثل 20 بالمائة من إنتاج توتال الفرنسية و79 بالمائة من إنتاج ألف إيرابس، ونحو ثلث النفط المستخدم في فرنسا كان مصدره الصحراء الجزائرية بمعدل 25.

4 مليون طن.وقد حدد بومدين بالقول: “رأينا أنه من اللياقة بأن الأرباح التي تريدون صرفها على البحث على البترول والتي ربحتموها من الجزائر، لازم تحاولوا على الأقل أن تصرفوها في الجزائر، وفي سنة 1970 علمنا أن الفرنسيين لم يبغوا، لذا فنحن نعلن كدولة مستقلة وحرة عن السعر، والسعر مستقبلا لن يكون 2.

08 دولار، ولكن 2.85 دولار”، ليضيف: “قررنا ابتداء من اليوم أن نأخذ 51 بالمائة من الشركات الفرنسية، وثانيا قررنا تأميم الغاز الطبيعي الموجود في الصحراء”.

وجاء رد الفعل الجزائري، وفقا لمآخذ عديدة تم تسجيلها في المفاوضات التي تمت والتي لم يرتإ الجانب الفرنسي اعتمادها، من بينها أن سعر البرميل الجزائري على أساس الشحن والنوعية هو أقل من السعر في الدول الأخرى، على غرار الكويت 3 دولارات وإيران 3.04 دولارات، وكما أن الشركات الفرنسية سجلت من تصدير ما قيمته 11 مليار دينار أرباحا لم تستثمر سوى 7.60 مليار، ناهيك عن محدودية عمليات الاستكشاف والتطوير والدعم الذي تستفيد منه فرنسا واستخدام أرباح الشركات الفرنسية في الاستكشاف بدول أخرى.

علما أنه بعد قرار حل المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية تقرر إقامة مكتب منجمي برئاسة جزائرية مع الاستقلال، ثم اعتماد هيئة تشرف عليها لجنة متساوية الأعضاء، من ستة أعضاء لكل طرف، وشهدت تلك الفترة إنشاء مجمع سوناطراك في 1963، ثم التوقيع على أول اتفاق في 29 جويلية 1965 بين الدولتين، تتحصل بموجبه الجزائر على ضريبة بـ55 بالمائة على النفط الذي حدد سعره بـ2.08 دولار من بجاية و2.095 دولار في أرزيو و2.04 دولار في سكيكدة، ومع زيادة المساهمة الجزائرية تشكلت جمعية تشاركية (أسكوب) جمعت بين سوناطراك وشركة سوبفال الفرنسية، وتم تحديد إمكانية اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالة النزاع.

وفي أفريل 1965، وجهت الجزائر إعذارا للشركات الفرنسية وغير الفرنسية بالقبول بسعر 2. 65 دولار للبرميل، وفي جويلية 1970 يعلم وزير الصناعة آنذاك، بلعيد عبد السلام، الطرف الفرنسي بأن السعر الضريبي المرجعي يقدر بـ2.85 دولار، في وقت دعمت الجزائر موقعها باحتضان في جوان 1970 اجتماع أوبك، وفي أعقاب مؤتمر كاراكاس الذي اتخذ عدة قرارات تخص القطاع النفطي في ديسمبر 1970، تخطت الجزائر مرحلة المطالبة، بالإعلان عن تأميم المحروقات، وكان ذلك ثاني إعلان بعد الإعلان الإيراني الفاشل في سنة 1952 للرئيس مصدق.

وتضمن القرار الجزائري حيازة حصرية لملكية الثروات والتخلي عن نظام الامتياز بأخذ 51 بالمائة من حصص الشركات الفرنسية ألف إيرابس وتوتال، وأضحت سوناطراك مالكة لحق البحث والاستكشاف والنقل والتسويق، علما أن الجزائر مع تأسيس سوناطراك في ديسمبر 1963 كانت تحوز 4.5 بالمائة من نطاقات الاستكشاف.

ولم تستسلم فرنسا سريعا مقابل الإعلان عن التأميم، حيث سارعت بعد عشرين يوما إلى إيفاد الكاتب العام لوزارة الخارجية إيرفي الفاند لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلا أن الرد الجزائري كان حاسما، وما تم القيام به هو إبرام أول اتفاق في 30 جوان 1971 مع الشركة الفرنسية للبترول لتحديد قيمة التعويضات التي يتم تسديدها خلال ست سنوات بداية من أوت 1972، واعتماد قواعد الشراكة الجديدة ضمن إطار تشريعي وجبائي لقوانين 12 أفريل 1971، والتي تكون تحت إشراف سوناطراك.

وتسديد المخلفات الخاصة بالشركة بعد تسديد تسبيق أولي بقيمة 45 مليون دولار أمريكي، وأضحت سوناطراك تحوز على ثلثي الإنتاج بـ41 مليون طن برسم عام 1972 وجل إنتاج الغاز الطبيعي وشبكة النقل بالأنابيب والمنشآت البتروكيميائية، وانتقل إنتاج الجزائر من 36.5 مليون طن إلى 52 مليون طن ما بين 1971 و1973 مع الاستفادة من ارتفاع الأسعار أيضا.

وبعد سنة 1971 وإجراءات التأميم التي تمت في 24 فيفري و12 أفريل التي وقع خلالها الرئيس بومدين سلسلة من الأوامر المتعلقة بشروط نشاط الشركات البترولية والنظام الجبائي الجديد، تحولت الجزائر إلى نموذج، إذ أقدمت ليبيا في 1972 على اقتفاء أثر الجزائر بقرار تأميم مصالح شركة البترول البريطانية، أعقبها قرار تأميم العراق لمصالح الشركة العراقية للبترول في جوان 1972.

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here