هكذا ضاعت الملايير في ترميم المركّبات السياحية

1
هكذا ضاعت الملايير في ترميم المركّبات السياحية
هكذا ضاعت الملايير في ترميم المركّبات السياحية

أفريقيا برس – الجزائر. تتواصل فضائح سياسة “البريكولاج” وتبديد أموال مؤسسات الدولة، وإبرام الصفقات المشبوهة لترميم الفنادق العمومية والمركبات السياحية، إذ ثار قاضي الفرع الثالث لدى القطب الاقتصادي والمالي ضد مسؤولي الفندقة والمركبات السياحية المتابعين في ملف فساد يتعلق بتجاوزات وخروقات في عملية التجهيز وإعادة تأهيل مجموعة من الفنادق، قائلا: “لماذا يحدث كل هذا مع مؤسسات الدولة؟ لماذا هي من تتحمل الخسائر تحت غطاء الاستعجال والتراضي البسيط والعبث بالمال العام يمينا وشمالا دون مبررات وأنتم تتفرجون؟”.

وأماط القاضي في اليوم الأول من المحاكمة اللثام عن الملايير التي بدّدت في إعادة تأهيل وعصرنة البناية”H3′′ التابعة لمؤسسة التسيير السياحي لسيدي فرج من خلال تعاقدها مع مكتب دراسات خاص (ERBTPH)، حيث واجه المتهمين بحقائق تجاوز القيمة الأصلية للمشروع بسبب الأشغال الإضافية، والدوس على مضمون دفتر الشروط، مع تسجيل تأخر في مدة الإنجاز، وكذا عدم تطابق إجراءات تسليم وتنفيذ الصفقات المتعلقة بالتنظيمات الخاصة بقانون الصفقات العمومية مع التعديلات على الدراسة الأولية، إضافة إلى غياب الحوكمة والإشراف اللائق للبرنامج وعدم النجاعة التي تميزت بها إجراءات الرقابة الداخلية وكذا غياب مخطط انطلاق المشاريع الذي يسمح بالحفاظ على الحد الأدنى لنشاط الوحدات الفندقية، كما أن التأخر والانحرافات في اختيار المتعاملين وتنفيذ العقود واللجوء المبالغ فيه إلى الملاحق والتي منها ما تم إبرامه خارج الآجال التعاقدية للعقود.

وتعود وقائع الحال إلى إرسالية وردت إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة الشراقة بالعاصمة بتاريخ 13 جويلية 2021، المتضمنة فتح تحقيق معمق في وقائع إبرام صفقات مشبوهة، تتعلق بإعادة ترميم وعصرنة العمارةH3′′ ” وفندق المرسى التابعين لمؤسسة التسيير السياحي بسيدي فرج وكذا فندقي الرمال الذهبية ومزفران التابعين لمؤسسة التسيير السياحي بزرالدة، حيث تمّ التنسيق مع فصيلة الأبحاث التابعة للدرك الوطني بالشراقة التي باشرت في التحقيقات في ملف الحال.

وقد انطلقت، الأربعاء، على مستوى الفرع الثالث لدى القطب الجزائي الاقتصادي والمالي بسيدي أمحمد محاكمة الرئيس المدير العام لمجمع “فندقة سياحة وحمامات معدنية (HTT) “ل. ب”، إلى جانب المدير العام لمركب سيدي فرج “خ.م” ومهندس في مكتب الدراسات “ط.ي”، إلى جانب 39 متهما المتابعين في وقائع فساد تتعلق بتجاوزات وخروقات في عملية التجهيز وإعادة تأهيل مجموعة من الفنادق.

وقد وجهت للمتهمين تهم تبديد أموال عمومية، سوء استغلال الوظيفة، مخالفة الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات إلى جانب إبرام عقود مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية وجنحة تبييض الأموال، الأفعال المنصوص والمعاقب عليها في قانون مكافحة الفساد والوقاية منه 01 / 06، على غرار المادة 26 الفقرة 2 والمتعلقة بمخالفة قانون الصفقات العمومية، إلى جانب المادة 33 المتعلقة باستغلال النفوذ ومنح مزايا بدون وجه حق.

وبعد دخول المتهمين الموقوفين وغير الموقوفين إلى قاعات الجلسات، يتقدمهم المدير العام لمركب سيدي فرج “ح.م “، ومهندس في مكتب الدراسات “ط. ي”، إلى جانب الرئيس المدير العام لمجمع “فندقة سياحة وحمامات معدنية، شرع القاضي في المناداة على المتهمين وجميع الأطراف المعنية بالقضية، من شهود وأطراف مدنية، ليشرع في التدقيق في الهوية الكاملة لكل متهم، مع تذكيرهم بالتهم الموجهة إليهم من طرف قاضي التحقيق، ليشرع في استجواب المتهمين.

المدير العام لمركب سيدي فرج: أنا الحلقة الأخيرة

القاضي يستدعي المتهم الرئيس في ملف الحال، المدير العام لمركب سيدي فرج “خ.م” ويشرع في استجوابه.

القاضي: أنت متابع بتبديد أموال عمومية، سوء استغلال الوظيفة، مخالفة الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات إلى جانب إبرام عقود مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية وجنحة تبييض الأموال هل تعترف أم تنكر؟

المتهم: لا سيدي الرئيس أنكر التهم الموجه إلي جملة وتفصيلا.

القاضي: المحكمة واجهتك بالوقائع التي توصل إليها التحقيق وكذا الخبرة القضائية؟

المتهم: سيدي القاضي، في تلك الفترة كانت الفنادق العمومية يسودها وضع مزر جدا، تخللها تصرفات لا أخلاقية وانحرافات من طرف ثلة من الأشخاص، وآنذاك وزير السياحة كان يحوز على معطيات في هذا الخصوص وعلى هذا الأساس أصدر أوامر بضرورة القضاء على هذه الظاهرة والتكفل الجيد بمؤسسات الفندقة والسياحة.

ويواصل المتهم تصريحاته “سيدي الرئيس أنا التحقت بمنصبي كمدير عام لمركب سيدي فرج في 29 أكتوبر 2017 وأنهيت مهامي في 29 جويلية 2019، وفي تلك الفترة كنت أنفذ أوامر وزير السياحة القاضية بإعادة أشغال الترميم والتهيئة المتوقفة لأزيد من سنة، بعد أن تحول إلى مرتع للمخدرات بل أصبح مكانا للشجارات والاعتداءات بالسيوف، وكأننا في ساحة معركة أو حلبة للملاكمة. كنا نعيش فعلا ضغوطا كبيرة”.

القاضي: تحدث لنا عن ظروف إبرام الصفقة وإنجاز المشروع وما هو الدافع الذي كان وراء اللجوء إلى التراضي البسيط؟

المتهم: سيدي الرئيس كما سبق أن قلت لكم، وزير السياحة أعطى أوامر بضرورة إعادة و استكمال أشغال التأهيل والترميم، وتم منح الصفقة لمكتب ” ERBTPH”، وأنا أعلمت مجلس الإدارة وهذا بعد العرض والمصادقة من طرف مجلس الوزراء آنذاك.

وأضاف المتهم “كان هناك مرسوم رئاسي يحدد أتعاب مكتب الدراسات، ونحن تقدمنا بطلب لمكتب الدراسات وطلبنا منه تزويدنا بفاتورة نموذجية، وكانت أقل عرضا وتفاوضنا معه، بل الأبعد من ذلك تفاوضنا مع هذا الأخير وبعد الأخذ والرد رسينا على السعر من خلال تخفيض القيمة الإجمالية للدراسة.. سيدي الرئيس احترمنا جميع الإجراءات.

القاضي يتدخل قائلا : المادة 229 الفقرة 5 من قانون إجراء الصفقات الخاصة بالمؤسسة تنص على أن “اللجوء لإجراء التراضي البسيط يتم عندما تكون الأعمال منفذة استعجاليا والتي لا تتوافق مع الآجال الاستشارية”، إلا أن هذا السبب لم يذكر فيما يخص اختيار المؤسسة المنفذة للأشغال والتي كان اختيارها وفقا لإجراء طلب العروض رغم أنه يتعلق بنفس عملية العصرنة، بمعنى أنه تم اختيار مكتب الدراسات باللجوء إلى التراضي البسيط والذي تم تبريره باستعجال تنفيذ الخدمات ومن جهة أخرى، تم اختيار المؤسسة المنفذة للأشغال وفقا لإجراءات طلب العروض الذي يحتاج أجلا أكبر لتنفيذه وهذا هو السؤال المطروح؟

القاضي: هل عرضتم المشروع على لجنة الصفقات؟

المتهم: نعم سيدي الرئيس، لقد تم عرضه على لجنة الصفقات وحظي بالموافقة المبدئية.

القاضي: من تفاوض على صفقة المشروع؟

المتهم: لا أتذكر…لكن ما أؤكده هو أن رئيس المشروع هو من قدّم المشروع أمام لجنة الصفقات.

القاضي: واصل..

المتهم: المشروع عرض على لجنة الصفقات وهي من أشّرت ووافقت عليه، سيدي الرئيس.

القاضي: على أي أساس تم منح الصفقة بالاستعجال لمكتب الدراسات ERBTPH ؟.

المتهم: أنا من قررت ذلك، وهذا على أساس عرض الحال بناء على الوقائع في تلك الفترة.

القاضي: لكن الدافع الاستعجالي لاختيار مكتب الدراسات باللجوء إلى التراضي البسيط غير واضح، وكان من المفترض تقويته بتقرير يبرر الحالة الاستعجالية على النحو المنصوص عليه في المادة 2.2.9 من قانون إجراء الصفقات الخاص بالمؤسسة.

القاضي: نذهب للتحقيق والنتائج المتعلقة بدراسة ومتابعة الأشغال، والتي تقول أنه تم اللجوء إلى التراضي البسيط بطريقة غير مبررة بماذا تفسّر هذا؟

المتهم: الشيء الذي أشدّد عليه هو أن الصفقة لم يتم إبرامها لأول مرة، فهي أصلا كانت محل دراسة من طرف مكتب دراسات أجنبي لمدة تتجاوز الـ5 سنوات أي منذ سنة 2012، ومع هذا، لم تكتمل الدراسة ولم يتم تسليمها.

القاضي يقاطعه قائلا: لكن الظاهر أن الاستعجال من المفروض أن يكون مبني على أسباب قطعية، لكن في صفقة الحال سجلنا انعدام التقرير الاستعجالي، كيف ولماذا؟

المتهم: سيدي القاضي كما سبق وأن صرحت، الصفقة منحت لمكتب دراسات أجنبي وكانت حبيسة الأدراج لمدة تزيد عن 5 سنوات، مع أن هذا الأخير كان يدفع بالعملة الصعبة.

وأردف المتهم: في أوت 2017، تم فسخ العقد مع هذا المكتب الأجنبي، وعندما توليت منصب المدير العام لمركب سيدي فرج في أكتوبر 2017، وقع الاختيار على مكتب الدراسات محل المتابعة اليوم، كما أن اختيار ERBTPH كان بناء على مناقصة وطنية.

القاضي: كيف منحتم الصفقة؟

المتهم: بناء على أوامر الوزير.

القاضي: هل الرئيس المدير العام لمجمع “فندقة سياحة وحمامات معدنية” HTT كان له دخل في هذه الصفقة؟

المتهم: سيدي الرئيس، الظرف، آنذاك، كان استثنائيا وعند منح الصفقة، فإن الرئيس المدير العام لمجمع “فندقة سياحة وحمامات معدنية” كان حاضرا في الاجتماع.

القاضي: القيمة المالية أو الغلاف المالي المخصص للمشروع كيف تم تحديده؟ وهل عرض الملاحق وزيادة القيمة تم الحسبان له؟ ما دواعي ذلك؟

المتهم: لا علاقة لي بالزيادات وما يليها، فهي من مسؤولية رئيس المشروع.

القاضي: وماذا عن الملاحق، على غرار الملحق رقم 2؟

المتهم: قلت لكم سيدي الرئيس، الملاحق الناجمة عن أشغال المشروع من مسؤولية رئيس المشروع وليس مسؤوليتي كمدير عام، كما أن مكتب الدراسات هو المسؤول عن إعداد هذه الملاحق بالتنسيق مع مسؤول المشروع وهو من يتابع التنفيذ وبنود العقود الموجودة بين مؤسسة التسيير السياحي ومكتب الدراسات، وكل هذا يتم تقديمه وعرضه على لجنة الصفقات سواء تعلق الأمر بالعقد أو دفتر الشروط، وهذه الأخيرة هي من تؤشر بالموافقة من عدمها وأنا فقط أمضي على المحضر النهائي.

القاضي: العقد المبرم هل يتضمن شرط عدم اللجوء إلى المناولة؟

المتهم: نعم سيدي الرئيس، أكيد يتضمن شرط عدم اللجوء إلى المناولة.

القاضي: التحقيقات وخبرة المفتشية العامة للمالية سجلت عدم توفر الجداول والتلاعب في إنجاز المشروع وغير ذلك من التجاوزات، كيف تفسّر ذلك.

المتهم “يمسح الموس” في رئيس المشروع، قائلا: أنا لا أتحمّل مسؤولية التأخر والملاحق وغير ذلك، لأن المسؤول الأول على المتابعة والتنفيذ هو رئيس المشروع وأنا مدير عام للمركب.

القاضي: وماذا عن الملاحق في الصفقة رقم 2؟

المتهم: أعيد وأكرر أن المسؤولية تقع على عاتق رئيس المشروع وليس عليّ.. سيدي الرئيس ليكن في علمكم، فأنا الحلقة الأخيرة في كل هذا.

القاضي: إعداد دفتر الشروط الخاص بالمؤسسات العمومية، في الأصل، فإن القانون الداخلي يتضمن طريقة التعاقد والتي تهدف في الأساس إلى حماية مؤسسات الدولة من التلاعبات والزيادات المحتملة في حال اللجوء إلى التراضي البسيط.. والسؤال المطروح لماذا لم تلجأوا إلى مكتب دراسات عمومي بدلا من مكتب دراسات خاص وغير مؤهل، بل الأكثر من ذلك هو من يقوم بإعداد دفتر الشروط وهو من يقرر لمن يمنح الملاحق الإضافية في المشروع؟

القاضي باستغراب يحاصر المتهم: الخاص يتفاهم مع الخاص وأنتم تتفرجون؟ أليس هذا تواطؤا بين المدير العام ومكتب الدراسات؟ هل كل شيء عادي وقانوني هنا؟ عليك أن تقول شهادة لله؟

المتهم: سيدي الرئيس، هناك مؤسسات تصل نسبة ملاحق المشاريع بها 70 بالمائة، ونحن في مشروعنا لا تتجاوز النسبة 10 بالمائة، كما أن الأمور التقنية وما يليها تعود إلى رئيس المشروع وكذا رئيس لجنة الصفقات وأنا، كما قلت لكم، الحلقة الأخيرة.

القاضي يثور ضد المتهم: الزيادات في القيمة الإجمالية للمشروع بسبب الملاحق ومع هذا، فإن مكتب الدراسات لا ينجز أي شيء ومع هذا أخذ أموالا طائلة.. الأبعد من ذلك، فإن الأشغال الإضافية منحت من طرف مكتب الدراسات ERBTPH لمكتب دراسات أجنبي CTAU، إلى جانب غياب تام للرقابة والمتابعة للمشروع، ناهيك عن ما توصلت إليه الخبرة القضائية بخصوص التضخيم، لماذا مؤسسات الدولة تتحمّل مصارف الزيادة؟

المتهم: سيدي القاضي، ليس لديّ أي علم بتعاقد مكتب الدراسات “أربت” مع مكتب دراسات أجنبي “سيتو”، كما صرحت أمام جميع جهات التحقيق وأمامكم اليوم، فأنا كمدير عام مهمتي لا تتمثل في متابعة المشروع وتنفيذ بنوده، بل رئيس المشروع هو من يقوم بذلك.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here