أفريقيا برس – الجزائر. كشفت التحقيقات الأولية والخبرة القضائية المنجزة عن أولى الخيوط التي دفعت بمجمع “سيدار” إلى حافة الإفلاس، وأزالت الستار عن الطريقة الرهيبة لتبديد الملايير من الدينارات في صفقات مشبوهة وسفريات غير مبررة وتلاعبات ممنهجة في كراء ممتلكات المؤسسة العمومية، وحدث ولا حرج عن الهدايا الثمينة التي توزّع بين أفراد “زمرة الفساد” داخل المجمع، وهو ما أسفر عن الإثراء غير المشروع وتبييض عائدات الفساد من خلال شراء المتهمين في ملف الحال لعقارات وشقق وفتح حسابات وأرصدة بنكية داخل الوطن وخارجه.
وفي تفاصيل جديدة تخص ملف الفساد الذي طال قلعة “إيميتال” المجمع العمومي للصناعات المعدنية والحديدية والصلبية، فضحت التحقيقات والخبرة القضائية المنجزة على مستوى مجمع “سيدار”، الطريقة التي يستفيد منها عدد من مسؤولي المجمع المتابعين في ملف الحال من امتيازات غير مبررة.
وقد تبين، بعد الإطلاع على الحسابات المتعلقة بالهدايا المقدّمة من طرف مجمع “سیدار” منذ 2018، عدم وجود قوانين تبين كيفية منح هذه الهدايا المقررة للموظفين والمستفيد منها، إذ قدّرت قيمة الهدايا الممنوحة خلال السنوات المالية من 2018 إلى 2023 بحوالي 6.987.604,65 دج، وهذه قيمة من الهدايا الثمينة تعد كبيرة ومبالغ فيها بالنظر إلى وضعية المجمع وفروعه التي لا تسمح بمثل هذه النفقات، وهذه الأشياء الثمينة التي تم منحها تمثل إهدارا للأموال العامة.
والأكثر من ذلك، فقد بينت الخبرة المتعلقة بالسفريات التي يستفيد منها إطارات المجمع خلال الفترة 2023-2018 وجود العديد من الرحلات غير مبررة تماما والتي تعد تضييعا للأموال في غياب ما يثبت الحاجة لها، وعلى سبيل المثال، السفرية التي تحصل عليها أحد المسيّرين المتهم “ب.هـ” كلفت الشركة ما قيمته 5.620.514,43 دج بين سفريات داخل وخارج الوطن وكلها غير مبررة، بالإضافة إلى أن بعض سفريات المدير العام الأسبق للمجمع “أ.ل” والتي كانت داخل الوطن كانت باهظة الثمن، حيث قدّرت مجمل مصاريف تنقلات هذه الأخيرة في الفترة الممتدة من 2018 إلى 2023 في مهمات مختلفة داخل الجزائر بـ3.027.33,62 دج، تتعلق بتكاليف إيواء وإطعام باهظة مقارنة بالوضعية المالية الصعبة التي يواجهها المجمع.
كما تبيّن أن معظم الفواتير التي كانت باهظة الثمن المتعلقة بكل من المسيّر “ب.هـ” والمدير العام “هـ.ل” كانت مفوترة من قبل مجمع “إيمتيال” والذي كان يحجز لهما في فندق “سوفيتال” أو فندق “الجزائر” بالجزائر العاصمة، ويأخذ المجمع هامش ربح معتبر عبر هذه العملية غير الضرورية والمكلفة لخزينة مجمع “سيدار”.
وبخصوص التنازل عن السكنات وتأجيرها فحدث ولا حرج، فقد كشفت التحقيقات أن الرئيس المدير العام لمجمع “سيدار” استفاد من التنازل عن سكنين خلافا لمحضر الجمعية العامة غير العادية للمجمع التي قررت أن يتم التنازل عن سكن واحد فقط للشخص.
كما تمّ التنازل عن السكن لصالح الرئيس المدير العام لمجمع “إيمتيال” المتوفى مؤخرا “ط.ب”، بالرغم من أن هذا الأخير يعتبر من خارج مجمع “سيدار” ولم يكن من الشاغلين للسكن بصفة منتظمة، ومع ذلك، تم التنازل له عن السكن بسعر أقل من القيمة الحالية للسكنات.
وبالمقابل، فقد بينت الخبرة المنجزة أنه على الرغم من استئجار أماكن إقامة مجهزة بجميع وسائل الراحة، المصرح بها بموجب قرار مجلس الإدارة الخاص بمجمع “سيدار” بمبلغ إجمالي قدره 3.360.000,000 دينار جزائري لإيواء أصحاب المهمات والمديرين التنفيذيين والإداريين وكبار المديرين في مجمع “إيميتال”، إلا أنه يتم التكفل بالمكلفين بالمهام من قبل مجمع “سيدار” في الفنادق الفخمة في ولاية عنابة بدلا من الإقامة في السكن الذي تم إيجاره خصيصا من أجل إيواء الإطارات المسيّرة والإطارات السامية لمجمع “إيميتال” القادمين من الجزائر العاصمة في إطارات المهام المكلفين بها، وهو ما يعتبر تبديدا للمال العام، خاصة وأنه لم يتم استغلال الشقق للأغراض التي تم تأجيرها، وحدّد الضرر المسجل على المجمع وفق مبلغ المبيت في فندق “الشيراطون” المقدّر بـ2.627,098,22 دج.
شراء السيارات تحت الطاولة… وغياب الآليات التنظيمية
وبخصوص عملية اقتناء السيارات من طرف المجمع ومن خلال فحص تخصيص السيارات خلال الفترة ما بين 2018 و2023، تبين من خلال الخبرة عدم وجود إجراءات داخلية أو تنظيم معمول به بشأن تخصيص المركبات لأشخاص معينين داخل مجمع سيدار.
وفي هذا السياق، تم منح أحد إطارات المجمع سيارة وظيفية، وهذا غير منصوص عليه في عقد العمل المبرم مع المجمع، حيث إن مجمل رؤساء الأقسام لم يتحصلوا على هذا الامتياز ما عدا هذا الأخير، وهذا الامتياز تحصل عليه بموافقة المدير العام عن طريق وضع تحت تصرفه سيارة من نوع “تويوتا كورولا”.
كما تم منح سيارة وظيفية لإطار آخر دون وجه حق، كون ذلك غير منصوص عليه في عقد العمل المبرم مع المجمع، حيث إن مجمل رؤساء الأقسام لم يتحصلوا على هذا الامتياز، ما عدا هذا الأخير بالإضافة إلى المتهم “ب.ح”.
وإلى ذلك تبين، من خلال تحليل عملية اقتناء 4 سيارات أن العملية تمت بواسطة سند طلب، وهذا مخالف لأحكام المادة رقم 5.4 من إجراءات الشراء والصفقات الخاص بالشركة السارية المفعول منذ سنة 2013، لاسيما التي تنص أنه في حالة ما إذا فاقت قيمة الطلبية مبلغ 10.000.000 دج (باحتساب كل الضرائب)، فإن عملية الشراء تتم سواء عبر مناقصة وطنية أو عبر استشارة اختيارية حسب دفتر الشروط المعد مسبقا وموافق عليه من طرف لجنة الصفقات العمومية للمجمع، في حين أن هذه الصفقة تمت من دون إعداد دفتر شروط الذي يحدد المعايير التقنية للسيارات محل الشراء وكذلك عقد يحفظ حقوق المجمع في حالة وقوع نزاع بين الطرفين.
أما فيما يتعلق بكراء نقاط البيع التابعة للمجمع والتي تتكون من 26 مستودع وأراض موزعة عبر التراب الوطني، فقد سجلت الخبرة القضائية جملة من الخروقات تتمثل في عدم وجود إجراءات لكراء نقاط البيع التابعة للمجمع قبل تاريخ 8 فيفري 2020، كما أن عملية الكراء كانت تتم عبر رسائل البريد الإلكتروني “الإمايل” لبعض الزبائن، خلافا لأحكام المادة رقم 09 من قانون 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته الذي ينص على قواعد الشفافية والمنافسة الشريفة.
وإلى ذلك، فإن الإجراءات الخاصة بكراء نقاط البيع المصادقة عليها من طرف مجلس الإدارة المسلمة إلى المفتشية العامة للمالية غير مؤشرة وغير ممضية، في حين أن بعض نقاط البيع لم يتم كراؤها، وهذا راجع إلى عدم القيام بالإشهار بالمناقصة لكرائها، وعدم وجود دفتر شروط يوضح الشروط والبنود الخاصة بكراء نقاط البيع.
وخلصت الخبرة المنجزة أيضا إلى عدم وجود لجنة مختصة في تحديد السعر، وكذا عدم وضع تسعيرة خاصة بكراء نقاط البيع مسبقا مما لا يسمح بمعرفة السعر الحقيقي المتداول في السوق لهذه الأخيرة، وهذا مخالف لإجراءات الكراء المصادق عليها، وهو ما سمح للمصالح المكلفة بتسيير الممتلكات بالتلاعب في أسعار الكراء.
وفي السياق، تم تسجيل عدم تطبيق فقرة إعادة تقييم الممتلكات كل عام حسب البند رقم 1 المنصوص عليه في إجراءات كراء نقاط البيع، هذا ما لا يسمح بمعرفة سعر كراء العقار في السوق، حسب المادة رقم 09 من عقود الكراء المبرمة مع تعاونية الحبوب والخضر الجافة التي تنص على أن المستأجر هو الملزم بدفع أقساط التأمين”، غير أن مصاريف التأمين على الأخطار المتوقعة كانت على عاتق مجمع “سيدار”.
وقد خلصت الخبرة إلى تحديد ضرر مالي ناجم عن هذه الخروقات، تمثل أساسا في المبلغ الإجمالي لمستحقات على عاتق الزبائن من خلال كراء العقارات إلى غاية 30 جوان 2023 يقدّر بـ00. 535.125.977 دج وتنقسم إلى 170.977.67600 دج على عاتق شركات خارج المجمع و70364.148.301 دج بالنسبة لمركب “سيدار” الحجار، وهذا ما يفسّر تساهل مصالح المجمع في اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لتحصيل هذه المستحقات، مع العلم أن المجمع يعاني من ضعف في السيولة، بالإضافة للضرر الناجم عن عدم تطبيق المادة رقم 09 من عقود الكراء الخاصة بالتأمين على الأخطار المتوقعة على نقاط البيع التي تم كراؤها إلى تعاونية الحبوب والخضر الجافة يقدّر بـ750.000 دج عقود التأمين تمت بتوقيع من المتهم “أ.ل” بصفته المدير العام.
أما بخصوص كراء القطعة الأرضية التابعة لمركب الحجار، فإن عقود إيجار القطع الأرضية المحررة من قبل مجمع “سيدار” مع شركات تابعة لمجمع إيميتال وشركات غير تابعة لمجمع “إيميتال” غير موثقة، وبالتالي المجمع غير مؤمن من خطر التهرب من الدفع من قبل المستأجر، وهذا أيضا ما يعطي الفرصة للمستأجر بالتهرب من دفع ضريبة على الإيجار.
تدخل في عمل لجنة الصفقات وأضرار بالملايير
المتهم “أ. ل” بصفته المدير العام لمجمع سيدار، حسب ما توصلت إليه التحقيقات والخبرة القضائية، تدخل في قرار لجنة صفقات مركب الحجار التي تعتبر ذات سيادة، حيث قام بإصدار تعليمة بتاريخ 17 جويلية 2022 تنص على تعليق أي قرار نهائي لصفقة اقتناء محركين على مستوى وحدة التلبيد، جاء هذا التدخل بعد إقصاء شركة ” WEG” ومنح الصفقة لشركة “جومو الكتريك”، وقد كان منح الصفقة قانونيا بينما تدخل المدير العام السابق لمجمع سيدار المتهم “أ. ل” وقام بتعليق صفقة اقتناء هاتين المحركين وهو ما أضر بالوحدة وعرضها للتوقف في كثير من الأحيان نتيجة عدم منح الصفقة وبالتالي عدم اقتناء هاتين المحركين، للعلم فإن أسعار هاته التجهيزات في ارتفاع مستمر وأن مبلغ الصفقة لا يكفي اليوم لاقتناء هاذين المحركين، وهذا ما يعتبر ضررا كبيرا وقع على الشركة.
توظيف عشوائي ومناصب دون ترخيص
وعلى نفس الطريقة التي انتهجها مسؤولو فروع “إيمتال” في التوظيف غير القانوني الذي يتم عن طريق “الوساطة”، فإن التحقيقات القضائية والخبرة المنجزةـ بمجمع “سيدار”، بخصوص عقود التوظيف بينت أنه خلال سنوات 2016 و2023 خاصة خلال فترة تولي المتهم “أ.ل” رئاسة المجمع الصناعي سيدار، سجلت عدة تجاوزات تمثلت في عدم وجود إجراءات خاصة بعملية التوظيف المعتمدة من طرف مجمع سيدار، مصادق عليها من طرف مجلس الإدارة، فيما يخص جميع الفئات، كما أن عملية التوظيف تخضع لتعليمات الرئيس المدير العام.
والأبعد من ذلك، فقد سجلت الخبرة القضائية، عدم التبليغ عن عروض المناصب الشاغرة إلى الوكالة الوطنية للتشغيل وعدم إرسال المعلومات المتعلقة بالاحتياجات من اليد العاملة، وهو ما يخالف المادتين 18 و19 من قانون تنصيب العمال ومراقبة التشغيل، في حين أن انتقاء المرشح كان يتم بدون المرور على لجنة التوظيف أو اختبار شفوي للدخول إلى المجمع، وكان المجمع يكتفي فقط بتبليغ الوكالة الوطنية للتشغيل عن المناصب التي تم شغلها بعد التوظيف.
وبالمقابل، خلصت الخبرة بعد الفحص والتدقيق في الوثائق والإجراءات التي تم بها التوظيف والمنح المتحصل عليها المتهم “أ.ل”، كمدير عام، بعد إحالته على التقاعد، إلى أنه تم تسجيل عدة تجاوزات، أخطرها عدم تسليم ترخيص من وزارة الصناعة إلى لجنة المفتشية يثبت تعيين المتهم “أ.ل” في منصب مدير عام لمجمع سيدار، علما أن هذا الأخير متقاعد من مجمع سيدار في سنة 2017 وكان يشغل منصب مساعد قانوني فقط.
وإلى ذلك، فإن التحقيق الأولي والقضائي لاسيما الخبرة المنجزة توصل لوجود خروقات فيما يتعلق بالأجور المطابقة لكل منصب والمنح المتحصل عليها خاصة بالنسبة للأجر الخاص بالرئيس المدير العام لمجمع سيدار “أ.ل”، مما نتج عنه ضرر مالي على المجمع يقدر بـ60000.00 دج.
كما أن الأجر الذي يتقاضاه الرئيس المدير العام للمجمع والمتهم في ملف الحال يتمثل في 280.000.00 دينار جزائري، وهو الأجر الذي يتجاوز الحد الأقصى المحدد من طرف مجلس مساهمات الدولة والمتمثل في 250000,00 دج، هذه الزيادة في الأجر نتج عنها ضرر مالي يقدر بـ00 570.000 دج كأجر قاعدي.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس