أفريقيا برس – الجزائر. على غير العادة، لم يتطرق الإعلام الفرنسي بشقيه العمومي والخاص بعد 48 ساعة من انتشار الخبر، إلى مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والذي بلغ مراحله الأخيرة وبات ترسيمه مسألة وقت لا تتعدى الأسبوع، بحيث تمت برمجة جلسة المصادقة عليه الأسبوع المقبل (24 ديسمبر الجاري).
ولم تتطرق أي من الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية العمومية منها والخاصة على مدار اليومين الأخيرين إلى الموضوع، عقب مسح شامل قامت به “الشروق” للمشهد الإعلامي في فرنسا، وهي سابقة تبقى غير مفهومة من قبل المتابعين للمشهد الإعلامي في فرنسا، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول خلفية هذا التعاطي الإعلامي، في دولة تعتبر حرية التعبير أحد مبادئها المقدسة.
وحتى وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس براس) وهي مؤسسة عمومية فرنسية، وعلى الرغم من توفرها على مراسل خاص من الجزائر، إلا أنها لم تتطرق إلى الموضوع إطلاقا، في وقت نال هذا المشروع القانوني، اهتماما كبيرا من قبل الإعلام المحلي، العمومي منه والخاص، في سياق أزمة سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين.
وقد أكد مراسل إحدى الصحف الفرنسية في الجزائر لـ”الشروق”، أنه اقترح إعداد مقال عن مشروع قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، بعد ما قطع هذا المشروع أشواطا في طريق ترسيمه، إلا أنه لم يتلق ردا إيجابيا من قبل مسؤولي الصحيفة ذاتها، وهو الموقف الذي لم يتمكن الصحفي من تفسيره، بالنظر لما يسوقه الفرنسيون من أفكار باتت محل شكوك حول قداسة ما تعلق بحرية التعبير في فرنسا.
وتتوفر الترسانة الإعلامية الفرنسية على مراسلين من الجزائر، كما أن الصحف والقنوات التلفزيونية الفرنسية عادة ما ترسل موفدين خاصين لها عندما تكون هناك قضايا تستدعي التغطية في الجزائر، في حين أن قضية تنطوي على كثير من الحساسية مثل تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، قوبلت بموقف غريب، ما يؤشر على احتمال وجود توجيهات سياسية تتجاوز اعتبارات حرية التعبير والصحافة.
وسجل المصدر ذاته، استغرابه من عدم تعاطي الإعلام الفرنسي بشقيه العمومي والخاص، مع ما وصفه “الحدث الكبير”، لاسيما وأن الفرنسيين يولون أهمية كبرى لملف الذاكرة عندما يتعلق الأمر بالجزائر باعتباره أحد الموضوعات الخلافية الذي يصنع الجدل السياسي والإعلامي في فرنسا، كما عجز الصحفي عن تقديم تفسير لذلك، كون هذا المعطى يتعارض ومبدأ حرية التعبير، الذي عادة ما توظفه السلطات الفرنسية في خصوماتها السياسية مع الدول التي معها خلاف.
ويشكل قانون تجريم الاستعمار حدثا مركزيا على صعيد صراع الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، وهو يؤسس لمرحلة مقبلة ليست كالتي قبلها، كما أنه يفتح الطريق أمام دول أخرى تضررت من الاستعمار الفرنسي وخاصة على صعيد القارة السمراء، حيث يوجد الكثير من ضحاياه، أن تحذو حذو الجزائر، وهو ما تخشاه فرنسا.
ويشرع المجلس الشعبي الوطني في مناقشة اقتراح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر، يوم الأحد المقبل 21 ديسمبر الجاري، على أن تتم المصادقة عليه يوم الأربعاء 24 من الشهر ذاته، فيما تشير كل المؤشرات إلى أن هذا المشروع القانوني الذي طال انتظاره، سيرى النور أخيرا، في ظل وجود إرادة سياسية من قبل السلطات الجزائرية.
وقد حاول النواب الجزائريون منذ سنوات، سن قانون يجرم الممارسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر في أكثر من مناسبة، وقد بدأت هذه المحاولات في أعقاب سن البرلمان الفرنسي (الغرفة السفلى)، قانونا يمجد الممارسات الاستعمارية في الجزائر في سنة 2005، وكذا في سنة 2008، غير أن عدم توفر الإرادة السياسية حال دون إنجاز ذلك.
وفي نهاية نوفمبر المنصرم، احتضن قصر المؤتمرات عبد اللطيف رحال غرب العاصمة الجزائر، ملتقى دوليا حول تجريم الاستعمار، حضره الكثير من المؤرخين والمختصين غالبيتهم من الدول التي كانت ضحية للاستعمار الفرنسي، ومن على منبره أكد وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، إنه “من منطلق تجربة الجزائر المريرة ضد الاستعمار الفرنسي، فإنها تتماهى، وبصفة كلية، مع المقاصد الجوهرية التي حددها الاتحاد الإفريقي لمبادرة إحقاق العدالة التاريخية هذه”، وطالب باسم الأفارقة بحقهم في الاعتراف الرسمي والصريح بالجرائم المرتكبة ضد شعوبها خلال الحقبة الاستعمارية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





