أفريقيا برس – الجزائر. رحل مساء الثلاثاء الصحفي والناشط السياسي علي ذراع، أحد قامات الجزائر ورجالاتها، عن عمر ناهز 78 سنة، بعد معاناة مع مرض عضال، وتعقيدات صحية استدعت نقله إلى مستشفى عين النعجة، الذي مكث به أياما، قبل أن يعلن خبر التحاقه بالرفيق الأعلى، ويوارى الثرى بعد ظهر الأربعاء بمقبرة سيدي يحي بالعاصمة. بفقدان علي ذراع فقدت الجزائر، رجلا من طينة المجاهدين، لا يزال يحمل رائحة وراية الشهداء، وهو الولد الذي لم يعرف أباه الشهيد، ولم يعايشه فقد سقط في ساحة الوغى، وهو في بداياته، قبل أن ينقله مجاهدون في ليالي الشتاء الباردة من جبال جيجل عبر الدروب الوعرة والغابات والوديان في ليال حالكات نحو قسنطينة.
ترجل الرجل الذي أحب الجزائر، واستمات في الدفاع عنها، في كل المجالس والمحافل، مسنودا بزاد ثوري وموروث سياسي حافل، تكرس عبر مسار مهني طويل، جعل منه شخصية إعلامية، لا يختلف حولها اثنان. جمع بين قوة الحجة وصلابة الموقف، حين يتعلق الأمر بالوطن. كان الالتزام عنده عقيدة، التزام برسالة الشهداء وتطلعات الأجيال القادمة. ترك في الوسط الإعلامي إجماعا على محبته وتقديره واحترامه، فكان مثالا يحتذى به من قبل الأجيال التي انخرطت في ميدان الإعلام في العقود الأخيرة، لما يحمله من قيم ومواقف وقدرة على احتواء الحالات الصعبة، والتواصل مع الجميع، وفق قاعدة أساسية “نختلف في الكثير من الأشياء ولا نتوافق في الآراء حول الكثير من المشكلات، لكننا لا يمكن أن نختلف على الوطن”. ترجل علي ذراع وهو يتأبط محبة أجيال من الصحفيين، والمواطنين، واحتراما من كل الذين عرفوه في السياسة والإعلام.
محمد يعقوبي: عندما ترحل متسامحا ومنصفا.. ستبكيك كل الصحافة
كان خبر وفاة الأستاذ علي ذراع صادمًا لنا جميعًا. لم يكن رحيله عاديًا، ولا وداعه مثل غيره، لأن علي ذراع لم يكن مجرد إعلامي، بل كان إنسانًا استثنائيًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
عرفناه صحفيًا هادئًا، لا يدخل في الصراعات، ولا يحب الاستقطاب ولا ينحاز إلا للحقيقة. كان يقف على مسافة واحدة من الجميع، يحترم كل الآراء والتيارات، ويعامل الجميع بجزائريته النقية، التي تجمع ولا تفرّق. لهذا السبب، رأينا في جنازته وجوهًا من كل الاتجاهات: الإسلامي، العلماني، الوطني، وكل من عرفه أو عمل معه، جاء ليودعه.
لم يكن فقط صحفيًا ناجحًا، بل كان مناضلًا وطنيًا صادقًا. في كل اللحظات الصعبة التي مرت بها البلاد، كان حاضرًا بصوته الهادئ ومواقفه الواضحة. أيام الحراك وبعده، وقف مع وطنه، وساهم بطريقته في دعم المسار الدستوري، وساعد في حماية الجزائر من الوقوع في الفوضى.
تشرفت بالعمل معه لسنوات طويلة في جريدة الشروق، عندما كنت رئيس تحرير، وكان هو المستشار الإعلامي للجريدة. كان سندًا لنا، يقدّم النصيحة بحكمة، ويساعدنا في اتخاذ القرارات الصعبة. كان مرجعًا نلجأ إليه كلما واجهتنا مشاكل مهنية أو حتى شخصية. لم يكن يبخل علينا أبدًا، وكان دائمًا حاضرًا لمن يحتاجه.
علي ذراع لم يكن فقط صحفيًا، بل كان أبًا وأخًا وصديقًا. يسأل عندما ننساه ويستمع للجميع حينما يلجأون اليه، ويحتويهم، ويخفف عنهم. فقدانه خسارة كبيرة للمهنة، ولنا جميعًا. لكن وفاته يجب أن تكون درسا لنا بأن الإعلامي الحقيقي هو من يخدم وطنه، ويكون جامعا لا مفرقا ويبتعد عن الفتن، ويعامل الناس بإنسانية واحترام… رحم الله علي ذراع، وأسكنه فسيح جناته.
الإعلامي رشيد ولد بوسيافة: الرّاحل علي ذراع… صوت العقل وضمير المهنة
لم تكن لي معرفة شخصية بالراحل علي ذراع، رحمه الله، قبل أن يلتحق بالشروق في 2007. وكانت تلك الهالة التي تحيط به كواحد من الإعلاميين الكبار تجعلنا نضع مسافة معينة في التعامل معه، لكن بساطة الرجل وتواضعه وهدوءه في التعامل معنا جعلتنا نقترب منه في الأيام الأولى، وخلال أشهر قليلة أصبح ملازما لنا في أعمالنا اليومية موجها وناصحا ومؤطرا.
كان للأستاذ علي ذراع مكانة خاصة لدى كلّ العاملين في الشّروق أيام قوّتها وانتشارها، إذ وضع خبرته الطّويلة في العمل الإعلامي وكذا علاقاته المتشابكة مع الفاعلين في السلطة وفي المعارضة، في خدمة الصحفيين، وطالما استشرناه في القضايا الشائكة التي تتطلب قدرا كبيرا من الحنكة والتجربة والحذر.
لعب الأستاذ علي ذراع دورا محوريا في استقرار الطّاقم التحريري والتقني للشّروق من خلال المهمّة التي كلفه بها الأستاذ علي فضيل رحمه الله، حين أسند إليه لجنة الانضباط داخل المجمّع، فحوّلها إلى لجنة للعقلاء تعمل على تجاوز الأزمات وتحل الخلافات بالحوار والتّسامح بدل الإجراءات العقابية، وهنا ظهرت إنسانية الرَّجل رزانته وحبه للجميع واجتهاده في الحفاظ على تماسك الفريق وقوته، وقد وقفت على هذا الأمر بنفسي لما أصبحت عضوا في هذه اللجنة ممثلا للصحفيين.
وبعد أن تربّعت الشّروق على عرش الصّحافة المكتوبة في الجزائر، دخلت الجريدة مرحلة أخرى كان للراحل علي ذراع دور محوري فيها، إذ بدأت سنة 2009 في تكريم العلماء والمصلحين، وكانت أول شخصية كرمناها هي العالم الجليل عبد الرحمان جيلالي، لتنطلق سلسلة التكريمات التي استمرت إلى غاية سنة 2023، تم خلالها تكريم أزيد من 300 شخصية علمية وسياسية وإعلامية من داخل وخارج الوطن، وكان الراحل علي ذراع يشارك بكل فعالية، وقد تطلب منه الأمر السفر خارج العاصمة للإشراف على فعاليات التكريم، وهو ما حدث في ولاية غرداية حين تنقل رفقة الزميلين صالح عوض وعبد الحميد عثماني لتكريم العالمين الجليلين محمد سعيد كعباش والأخضر الدهمة.
كان الراحل علي ذراع نموذجا للإعلامي الملتزم بقضايا وطنه ودينه، وهو ابن الشهيد الذي كرَّس نفسه لخدمة الثوابت الوطنية، فكان عضوا فعالا في اللجنة الجزائرية للدفاع عن الفلسطينيين في غزة، وأشرف بنفسه على الكثير من الفعاليات الإعلامية المساندة للقضية الفلسطينية رفقة عدد من المناضلين والمجاهدين الكبار من أمثال الراحل عبد الحميد مهري والمجاهدة جميلة بوجيرد والراحل لخضر بورقعة، وكان مكتبه في الطابق الأرضي لمقر الشروق بمثابة غرفة للعمليات يجتمع فيه هؤلاء لتسطير برامج التحركات نصرة للقضية الفلسطينية.
لم يكن علي ذراع إمعة أو مطبلا للسلطة، وأذكر أنه اتخذ موقفا معارضا للعهدة الثالثة للرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وتحرَّك رفقة عدد من الشَّخصيات ضد تعديل الدستور آنذاك محذرا من خطورة فتح العهدات الرئاسية، وقدم بذلك درسا مفيدا للجميع بأن التخندق مع الوطن وقضاياه لا يعني التطبيل للسلطة القائمة.
صالح عوض كاتب فلسطني: كان كالنسمة في “الشروق” وهذه مواقفه مع بومدين وفلسطين
“عندما التقيته في مجمع الشروق قبل 15 سنة أحسست بإنسان يعرفني ويقدم لي الود مباشرة واقتربت منه وجالسته على خلوة في مكتبه فأباح لي بكثير من ذكرياته.. تسكنك في اللحظة الأولى الراحة وأنت تستمع لرجل يسرد الذكريات وهو يبتسم أو يضحك مهما كانت الظروف قاسية أو مرة.. حدثني كثيرا عن معركة التعريب في الجزائر وهو قيادي طلابي وقد تعرضت التظاهرة للقمع.. وكيف كان لقاؤه مع المرحوم الرئيس بومدين. حكي لي رحمه الله انه عندما قابل الرئيس كان مغاضبا ويتكلم باندفاع فهدأه الرئيس قائلا له: وهل تريدون تعريبا وعربية من دون تضحيات.. استمروا ان كنتم مؤمنين بالعربية في احتجاجاتكم وقابلوا القمع بإصرار ولكن دون إضرار بأمن الدولة..”.
“حدثني الحبيب علي ذراع عن رحلته إلى موسكو في إطار لقاءات كان يعقدها الحزب الشيوعي السوفيتي لطلبة الدول الاشتراكية.. وكم كان يبتسم ويضحك من تلك التجربة وهو على يقين انها تجربة لا تنفع بلادنا”..
“في الشروق كان الحاج كالنسمة يمر على المكاتب بهدوء وابتسامة يجامل هنا ويمزح هناك وكلما قابلته يقول لي بارك الله فيك.. دايما لازم يظل خطنا عربي إسلامي ضد الصهيونية والاستعمار..”.
اما فلسطين فلها مع الحاج حكاية خاصة هي ترمومتر أفكاره ومواقفه.. سألته مرة عن قوة الموقف الجزائري تجاه فلسطين، فقال لي رحمه الله اقولك شيئا واحتفظ به.. ان في الجزائر حزبا يتجاوز كل الأحزاب وعابر لكل الأفكار انه حزب فلسطين.. استفسرت فرد علي، هل تعرف اننا نلتقي بيننا مجموعات كثيرة، نتسامر ولا نطرح الا موضوع فلسطين بمدنها وقراها ومخيماتها..
معلومي ياسين: سافرت معه وكان يقول لي دائما يجب أن نحب هذا الوطن
“لا أجد الكلمات للحديث عن رجل وهب كل حياته من أجل الجزائر، عرفته رجلا شهما طيبا وطنيا حتى النخاع.. فهو من عائلة ثورية، ويحظى باحترام الجميع، علاقتي بالأستاذ علي ذراع كانت أكثر من علاقة الابن بأبيه، سافرت معه، تقاسمت معه نفس الغرفة، وأكلت معه في نفس الطبق، أديت معه فريضة الحج… كان يقول لي دائما، لا بد أن نحب هذا الوطن الذي استشهد من أجله والدي، وأعمامي.. وأبناء بلدي… كان يلقبه الجميع بـ”سي علي”، احتراما وتقديرا له.. كان يحب العلم و العلماء… ولد في 15 جانفي 1948، وشاء القدر أن يغادرنا في 15 جويلية 2028، 77 سنة من عمره قضاها في خدمة الوطن… قضيت معه أكثر من عشر سنوات في مجمع الشروق، حيث كان يتقاسم ولمدة تجاوزت 12 سنة نفس المكتب مع الأستاذ رشيد فضيل، ويتقاسم معه أيضا السفريات إلى مكة من أجل الحج أو العمرة.
رحم الله عمي علي وغفر له وأسكنه فسيح الجنان ورزقنا وذويه جميل الصبر السلوان… وداعا أيها الأخ والصديق والأب.. في جنات النعيم إن شاء الله
الإعلامي مسعود هدنة: كان ينصحني ويثني عليّ أمام مديري المرحوم علي فضيل
” فجعني اليوم – بعد العصر بتوقيت فرجينيا – خبر رحيل عمي علي ذراع، بعد أن كنت أتابع منذ يومين نقله إلى مستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة، ودعوت له بالشفاء والعافية، عمي علي ليس قامة وطنية وإعلامية عادية، إنه رجل لا يغادر مجاميع الشباب كما الكهول كما الشخصيات السياسية، يسدي النصيحة ويتابع ويحث وينهى.. جزائري قحّ.. يتنفس ثورة التحرير.
شخصيا كان عمي علي ينصحني في الإعلام، ومرة أثنى على مقال كتبته أمام مديري الأسبق علي فضيل رحمه الله، ولست أنسى له هذه، وكيف كان فخورا بذلك المقال ووزّع منه نسخا على معارفه. كنا نلتقي في أعالي تيبازة نمارس هواية صيد الأرانب والبط في عرش مناصر، وتناولنا أطباقهم التقليدية، وهم عائلة ثورية منذ أيام الأمير عبد القادر، وكان عمي علي طوّافا علينا لا تغادر ضحكاته آذاننا، وقد تهلّل وجهه الأحمر سعادة ولمعت عيناه الزرقاوان، عمي علي رجل وطني خالص لله، زاهد في المسؤوليات، قريب من الجميع..”.
الإعلامي صالح سعودي: عرفناه بحكمته وطيبته وابتسامته
“الفقيد علي ذراع، ابن شهيد متشبع بكل معاني الوطنية والوفاء للوطن والرسالة الإعلامية. كان واحدا من الوجوه البارزة التي صنعت مجد الصحافة الجزائرية على مدار سنوات طويلة.. اتيحت لي فرصة التعرف عليه في عام 2014 حين كان مستشارا في مجمع الشروق. عرفناه بطيبته وحكمته وابتسامته الدائمة ونصائحه القيمة التي تجمع بين الخبرة وروح الأبوة..
عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني: رحيل صاحب المواقف الوطنية ورمز التعاون والأخوة
“نعزي الأسرة الثورية ومنظمات أبناء الشهداء التي انتمى إليها، بكون علي ذراع ابن الشهيد الذي قدم والده أغلى ما يملك من أجل الجزائر، وأمضى وثيقة الولاء للوطن بدمائه الزكية، التي كانت مرافقة للفقيد طوال حياته، فكان وقفا على الوطن وقضاياه الأساسية.
ونعزي الأسرة الإعلامية في أحد الرجال المؤسسين للإعلام الملتزم، والنزيه، والصادق، الباحث عن الحقيقة والمدافع عنها، منذ أيام الإعلام الأولى، وخلال كل مراحل التحولات التي لم تغيره عن قيمه ومبادئه، فخرج على يديه مئات الإعلاميين الحريصين على المدرسة الإعلامية الوطنية وقيمها، في صفحات الإعلام وقنواته المختلفة.
ونعزي القوى السياسية، التي كان الأستاذ علي حاضرا في مختلف مبادراتها، واجتماعاتها، وتطلعاتها، صديقا لمناضليها وقادتها، حريصا على التقريب بينها، ساعيا لتكون الجزائر أولوية نضالها، معتزا بالتعددية التي تصب في مصالح الشعب والوطن..
أبو جرة سلطاني سيناتور بمجلس الأمة: عاش مبتسما ومات مبتسما..
” رحل عنا صديقي الإعلامي علي ذراع الذي لا تفارق البسمة محياه حتى في أحرج اللحظات. فارقنا وقد أحب في وطنه ثلاثة:
الوطنيين وكان قدوته المناضل الكبير مهري رحمه الله.
والإسلاميين وكان أكبر تقديره للشيخ محفوظ نحناح رحمه الله.
والمنافحين عن اللغة العربية. وكان محط إعجابه سعادة السفير عبد القادر حجار.
عاش مبتسما.. ومات مبتسما.. ولم تكتب لي الأقدار أن أودعه رغم أنني رافقته ليلا من البليدة إلى الحي الذي يسكنه في آخر لقاء جمعنا في زفاف نجل صديق مشترك.
السيرة الذاتية للراحل علي ذراع
الإعلامي علي ذراع، ابن شهيد، سليل مشّاط بالميلية “جيجل” من مواليد 15 يناير 1948.
المسار العلمي:
المدرسة الابتدائية “الكتانية” بولاية قسنطينة.
معهد عبد الحميد ابن باديس.
حاصل على شهادة البكالوريا، شعبة العلوم سنة 1968.
حاصل على شهادة الليسانس في الهندسة الكيماوية جامعة هواري بومدين بباب الزوار سنة 1975.
حاصل على شهادة الليسانس في العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر سنة 1975.
حاصل على شهادة الماجستير في القانون بجامعة الجزائر سنة 1984.
المسار المهني:
التحق بشركة “سوناطراك” ثم تفرغ للعمل النقابي.
عضوا في الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين خلال فترة تعليمه الجامعي.
متطوع في الثورة الصناعية تحت قيادة الرئيس الراحل هواري بومدين من سنة 1972 إلى غاية 1975.
صحفي في مجلة الشباب التابعة لجبهة التحرير الوطني.
عضو في اللجنة الوطنية للتكوين بالخارج في وزارة التعليم العالي.
مدير مجلة الوحدة من سنة 1982 إلى غاية 1985.
عضو الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية سنة 1986.
مدير عام في جريدة المساء سنة 1989.
مؤسس جريدة الجزائر اليوم سنة 1991.
مستشار للمدير العام لمجمع الشروق علي فضيل سنة 2003 إلى غاية وفاته.
عضو السلطة الوطنية للانتخابات الرئاسية 2019.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس