أفريقيا برس – الجزائر. بركاني: الإعلام ركز على مواضيع الإثارة على حساب أهمية اللقاح
استدراك الهفوات الإعلامية والرقمية.. أنعش حملة التلقيح الثانية
“فيسبوك”.. وباء المعلومات الضخم
ساهمت وسائل الإعلام في إدارة مُختلف الأزمات على مرّ السّنين.. لتُنافِسها منصّات التواصُل في عصر الرقمية. واختلف دور الاثنتين على اختلاف استراتيجيتهما. وهو ما عايشناه خلال أزمة لقاح كورونا، أين دخلت الجزائر في سباق مع الزمن، لإقناع مواطنيها بأهمية أخذ لقاح “مُستحدث سريعا “، لمواجهة وضعية صحية استثنائية.
فـ ” الكوفيد 19 ” وضع وسائل الإعلام ووسائط التواصل، تحت مجهر “الكفاءة والمصداقية “.. وبين الترغيب التهويل، تأرجح دورهما خلال هذه الأزمة. فهل أقنعت استراتيجيتهما على اختلافها، الرأي العام بأهمية أخذ اللقاح أمْ هوت بمصداقيته إلى الحضيض؟
تُعدّ الأزمات مادة دسمة لوسائل الإعلام في ظلّ تهافت الأفراد لمعرفة الحقائق، بل يُعدّ الإعلام أحد مُكونات استراتيجية مواجهة الأزمة، لتأثيره في تشكيل اتّجاهات الرأي العام. كما بإمكان ” الميديا ” رفع حالة التوتر وإطالة أمد الأزمة، في حال تراكمت الشّائعات والأخبار المغلوطة.
أمّا “مُنافِستها ” وسائط التواصل الاجتماعي، فتقع غالبا في فخّ التهوين والتهويل، لاتسامها بالارتجال وعدم التخطيط. فبقدر ما أسهم ” فايسبوك ” و” تويتر “..في تخفيف وطأة أزمة التواصل بين البشر أثناء الحجر الصحي، بقدر ما بدا أنّها فشلت في اختبار المصداقية، وهو ما وضع الأنظمة السياسية، أمام تحدّيات غير مسبوقة.
ومع التسليم بحقيقة أنّ اللقاح هو مفتاح الخلاص من الوباء، تطلّب الأمر تجندا رسميا ومساهمة فعالة من ” الميديا ” و” السوشل ميديا “، من واقع المسؤولية الاجتماعية لكليهما. فبين من رأى أن وسائل الإعلام ووسائط التواصل بالجزائر، تعاطت سلبيا مع أزمة اللقاح، بعدما حوّلته الى حدث منعزل، فيما رأى آخرون أنهما ساهمتا في زيادة الوعي حوله.
إدارة الأزمة و “الميديا”..التنسيق ضرورة
أوضحت الدكتورة في علوم الاتصال بجامعة البليدة 2، شهرزاد لمجد، لـ “الشروق”، أنه لا يمكن تقديم نتائج دقيقة بخصوص أزمة كورونا ولقاحها حاليا، لأن المعلومات تُبنى على نتائج دراسات، ومنها دراسة الجمهور. وفي حال أزمة مثل جائحة الكوفيد 19 ببلادنا، فقد تكفلت الهيئة العلمية لرصد ومتابعة تفشي فيروس كورنا، والتي تعتبر فريقا اتصاليا يتولى دورا مهما ومحوريا، بمسألة إدارة هذه الجائحة.
واستراتيجية معالجة الأزمات، حسبها، هي أن تتولى هيأة إدارة الأزمة مسألة التنبؤ والتخطيط، للحدّ من آثار الأزمة حتى قبل وقوعها، ” فإذا انفجرت يمكننا التحكم في نتائجها “. ويُفترض، حسب تأكيدها ” أن يشتغل فريق الأزمة ويُنسق مع كل الدعائم الإعلامية، ويوجهها ويزودها بالمعلومات الضرورية “.
أمّا الحكم على كفاءة وسائل الإعلام ومنصات التواصل، ” فينبُع من الحكم على فريق إدارة الأزمة، إن كان قصّر أو أحسن في أداء مهمته. فعندما يُقصر في الأداء وتغيب المعلومة من مصدرها، يفتح الباب على مصراعيه للشائعات والمبالغة والتهويل ” على حدّ قولها.
وقالت لمجد، أن المنصّات الرقمية، يكون خطرها أكبر، عندما تغيب المعلومة الرسمية والاحترافية والمصداقية من هيئة ادارة الأزمة. لأن الرقمية متاحة للجميع، وأي شخص بإمكانه استغلالها إيجابا أو سلبا.
لتخلُص إلى أن غياب الحملات التوعوية المدروسة والمفتقدة لعناصر الجذب، سواء في الصحافة التقليدية أم الرقمية، يُدخل الفرد في حالة تردّد، والدليل أننا “.. لازلنا إلى اليوم مُترددين بشأن أخذ اللقاح من عدمه، رغم مرور أكثر من سنتين على ظهور فيروس كورونا “.
“فيسبوك” و”تويتر”..فضاء المعلومات والشرح المبسط
مع بداية انتشار فيروس كورونا منذ 25 فيفري 2019 بالجزائر، شهدنا تخبّطا في المعلومة الرسمية، بسبب التطور السريع للفيروس المستجد وصُعوبة التحكم فيه. ما دفع الرأي العام، للإقبال على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بحثا عن المعلومة والشرح المبسط.
والجزائريون كغيرهم من شعوب العالم، كانو مُشكّكين وأقل حماسا للقاح مصنع في ظرف أشهر فقط. فتبادرت لأذهانهم أسئلة كثيرة حول اللقاح. وهو ما صعّب على السلطة عملية إقناعهم به، في مهمة تعتبر مقياسا لنجاح الحكومة، أكثر من إشكالية توفير اللقاح. فتمّ التركيز على حملات توعية المواطنين، بالتنسيق مع وسائل الإعلام، المطالبة من السّلطة بالالتزام بالضوابط المهنية والمسؤولية الأخلاقية، بعيدا عن السبق الإعلامي والتهويل.
وخلال مغامرة الإقناع باللقاح، وقعت كثيرا من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في أخطاء، بعدما حوّلت موضوع اللقاح إلى حدث منعزل.
فيُعاب عليها تركيزها في موضوع البلدان المخترعة للقاح، أكثر من تركيزهم على الهدف الصحي له. والبعض غرق في إحصائيات الإصابات بكورونا والوفيات، مبرزين الجانب المظلم للجائحة. كما غيّبت ” الميديا ” وأثناء نقاشاتها، اراء المختصين والفاعلين في الميدان، فجاءت معالجتهم الإعلامية لموضوع اللقاح بعيدة عن الموضوعية والعلمية.
ثُلثا معلومات ” فيسبوك ” حول اللقاح..مُضللة
فمثلا، قلّة قليلة من وسائل الإعلام بالجزائر، من تحدثت عن عدم تسجيل مضاعفات خطيرة للملقّحين بالجزائر، كما تمّ تغييب دور اللجنة العلمية للتلقيح أو ما يعرف بمركز اليقظة الصحية التابع لوزارة الصحة، والذي كان يتابع كافة المنشورات العلمية للقاحات ويدقق فيها.
أما منصّات التواصل الاجتماعي، والتي تصعب عملية مراقبتها، فوفّرت بيئة خصبة لـ ” وباء المعلومات الضخم “، بسبب الكمّ الهائل من الأخبار المزيفة في موضوع اللقاحات، والترويج لنظرية المؤامرة. فثلثا المعلومات حول لقاح كورونا كانت مُضللة ومغلوطة، حسب تقرير للاتحاد الدولي للاتصالات التابع للأمم المتحدة.
وبين القول، بأن اللقاح جاء للتقليل من تعداد البشرية، أو يتسبب في موت الفجأة لمتلقيه. كما تم نشر فيديوهات مفبركة حول ظهور أعراض غريبة على الملقحين، وإظهار تسجيلات لشخصيات سياسية وعامّة تتلقى اللقاح، أين ادّعى رواد ” الفايسبوك ” أنهم لم يتلقوا اللقاح فعليا.
اللّقاح قد يُحوّل مُتلقيه إلى تمساح أو سُوبرمان.. !!
فيما ركّزت منصات التواصل الاجتماعي، على منشورات زادت من التخوف بشأن اللقاح، متجاهلة الآراء الإيجابية حوله. وجميعنا تفاجأ بالتصريح الهجومي والذي تم تداوله على نطاق واسع، خلال فترة إنتاج اللقاحات. وفيه شن الرئيس البرازيلي غايير بولسونارو، هجوما حادا على لقاح ” فايزر “، مُعتبرا أن الأخير يمكنه تحويل شخص إلى تمساح أو الى سوبرمان، أو أن ينبت للمرأة لحية.. !! رغم أن بلده سجل قرابة 200 ألف وفاة بالكورونا.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير في الرقمية، مجيد بن عطا الله لـ ” الشروق “، أن المعلومة الرقمية تنتشر بسهولة ويُعاد نشرها ومشاركتها بأيسر السبل وبأقل تكلفة، مما يصعب عملية مراقبتها. مؤكدا أن أزمة كورونا، تسببت في ازدياد استعمال وسائط التواصل وبشكل غير مسبوق، وخاصة خلال فترة إنتاج اللقاحات.
وقال محدثنا بأن أكثر المشكلات في وسائط التواصل الاجتماعي، هو إعطاؤها مساحة كبيرة لمطلقي الإشاعات، رغم أن التأكد من مصدر المعلومة يعتبر سهلا في عصر الرقمية. ” لكن الناس يتخاذلون، في البحث عن المصادر ويكتفون بنشر الشائعات وترويجها ” على حدّ قوله. ليؤكد، أن غالبية مواقع التواصل ” كانت بيئة خصبة لنشر المغالطات والأبحاث العلمية غير الحقيقية “.
إهمال لأهمية اللقاح وتركيز على مواضيع الإثارة
ويُعاب على السلطة حسب مختصين، عدم تسييرها لأزمة لقاح كورونا ” بفعالية وشفافية “، رغم أن الجزائر، كانت من السباقين لاقتناء لقاح عجزت عنه كثير من الدول الأخرى.
عن هذا يقول البروفيسور وعضو اللجنة العلمية لمجابهة فيروس كورونا، الدكتور بقاط بركاني لـ ” الشروق”، بأن المواطن عانى من شبه فقدان للثقة بلقاح كورونا، بسبب ” غياب الشفافية المطلوبة حول اللقاح.. فكثيرون كانوا يجهلون أنواع وأسماء اللقاحات المستعملة في الجزائر ومصدرها وأهميتها، والكميات المستوردة منها. ويجهلون كيفية التسجيل لأخذ اللقاح.. وحتى الأرضية الرقمية، التي أنشأتها وزارة الصحة، لتزويد المواطنين بمعلومات حول اللقاح جاءت متأخرة جدا ” على حدّ تعبيره.
كما تتحمل وسائل الإعلام ومنصّات التواصل في الجزائر، جزءا كبيرا من مسؤولية ” تخبط ” المواطنين بشأن اللقاح. فالصّحافة التقليدية، كان بإمكانها التقرب من المشرفين على عملية التلقيح، والخروج للشارع لدراسة رأي الجمهور، لإعداد تقارير واستطلاعات مفصلة حول العملية، وتنظيم نقاشات بحضور مختصين. خاصة وأن السّلطة فتحت لها المجال على مصراعيه للمساهمة في توعية المواطنين.
لكن ” الميديا” وعلى أنواعها، ركزت على مواضيع الإثارة، لزيادة عدد القراء والمشاهدين والمتابعين، على غرار موضوع السلالات الجديدة لكورونا، وضحايا الكوفيد 19 من المشاهير، وبالغت في عرض صور الجنائز والمأتم. كما لم ترافق كثير منها حملات تلقيح المُنتسبين لقطاع الصحة، والتي كانت ناجحة.
منصّات التواصل الاجتماعي.. “ضياع نفسي”
واعتبر البروفيسور في علم النفس، أحمد قوراية، أن غالبية المعلومات حول لقاح كورونا، كانت مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي، ما سبّب ” ضياعا وقلقا ” نفسيا للفرد. فاجتهد الأخير للبحث عن كمّ من المعلومات السريعة لمعالجة خوفه، والتي لم توفرها له الجهات الرسمية والصحافة التقليدية.
وأرجع مُحدثنا تردّد بعض المواطنين في أخذ لقاح كورونا بالجزائر، في بداية حملة التلقيح، الى الشكوك التي ساورتهم بشأن منظومتهم الصحية، والتي يرونها ” مريضة في حدّ ذاتها “، في ظل ما كان يُنشر في وسائل الإعلام ووسائط التواصل، من سلبيات عن هذه المنظومة. ففقد المواطن ثقته في المسؤولين، وغرق في الإشاعات الفوضوية.
وأكد أن الجزائري وخلال انطلاق حملة التلقيح، واجه تحدّيين اثنين، أولهما النجاة من وباء فتاك لا يُفرق بين البشر، وبين ضرورة أخذ لقاح هو غير مقتنع به في قرارة نفسه، ” وزادته المعالجة ” السلبية ” لبعض وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، بشأن عملية التلقيح، وغياب نقاشات موضوعية، حيرة وتيهانا نفسيا.
استدراك الهفوات الإعلامية.. أنعش حملة التلقيح الثانية
وحاولت ” الميديا ” ووسائط التواصل الاجتماعي، استدراك هذه السقطات ولو باحتشام، خلال انطلاق حملة التلقيح الثانية مُنتصف شهر ماي المنصرم، بعدما جلبت الجزائر جرعات إضافية من اللقاح.
وشهدنا انتعاشا في إقبال المُواطنين على التلقيح، بسبب تكثيف السلطة لحملاتها التحسيسية الاحترافية. ورصدنا توافدا أكبر على العيادات الصحية الجوارية للاستفسار وأخذ اللّقاح، وذلك حسبما وقفت عليه “الشروق ” بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية سيدي أمحمد بوشنافة، بالجزائر العاصمة.
وأكدت لنا المكلفة بالإعلام في العيادة العمومية ” الينابيع “، آسيا قرومي، تلقيح 313 مواطن في ظرف 4 ساعات فقط. فيما تحدث مدير المؤسسة العمومية للصحة الجوارية سيدي أمحمد بوشنافة، فتّاح رضوان، عن تسجيل ” وعي كبير للمواطنين بأهمية التلقيح وضرورته، لحماية أنفسهم من الوباء، بسبب الحملات التحسيسية الأخيرة عبر مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي “.
” قومية اللقاح “.. ومرافعة لصالح الدول الفقيرة
أما المُحلل السياسي، رضوان بوهيدل، فيرى بأنه رغم سلبيات التعاطي ” الرقمي والإعلامي ” لموضوع التلقيح في بلادنا، فان الجزائر كانت من أكثر الدول العربية المهتمة بلقاح كورنا، بل أنها أول من دق ناقوس الخطر بشأن غياب عدالة في توزيع اللقاحات، وهو موضوع لم تتطرق له حتى أكثر الدول نفوذا عبر العالم.
وتطرق محدثنا لدعوة وزير الشؤون الخارجية، صبري بوقدوم، ومن منبر ترؤسه لاجتماع مجلس السلم والأمن الإفريقي، مؤخرا، إلى العدالة في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا ” بشكل يتيح للدول حماية وتحصين الفئات الهشة والعمال بالقطاع الصحي.”
واعتبر بوقادوم، أن استمرار الجائحة، كشف عن عدم المساواة في الحصول على اللقاحات، مؤكدا أن إفريقيا تأثرت كثيرا بسبب ” قومية اللقاح “. واصفا الصورة العالمية في طريقة تسيير ملف اللقاحات بـ ” المحبطة كثيرا.. بعدما استولت الدول ذات المداخيل المرتفعة والمتوسطة على 84 بالمائة من اللقاحات، وبشكل يفوق حاجياتها كثيرا، تاركة دولا تكافح لحماية الفئات الضعيفة وعمال الصحة “.
لنخلص، إلى نتيجة أن وسائل الإعلام سواء كانت تقليدية أو رقمية، أضحت من أهم وسائل أو أسلحة العصر الحالي، بل تعتبر أداة فعالة وحيوية في تسيير ومعالجة الأزمات، لما تملكه من قدرة كبيرة على التأثير النفسي وإقناع الشعوب، مُيسرة بذلك مهمة التحكم وضبط سلوكيات الأفراد وتوجيهها للمسار الصحيح، شرط ارتقائها باستراتيجيتها ووضع نصب عينيها هدف المساعدة على تكوين رأي عام صحيح. وذلك باتباع سبل التنوير والإرشاد والتوجيه والتحسيس. أما الاستعمال ” السيء ” لها، فيكون سبيلا للشائعات ومصدرا للمغالطات، خاصة وأن بعضها يُنشر عن سبق إصرار وترصد، لزرع الفوضى بالمجتمعات.