أفريقيا برس – الجزائر. شهد شهر آذار/مارس الجاري، صدور عدة تقارير دولية حول الوضع الحقوقي في العالم، تناولت الجزائر بنبرة نقدية، خاصة فيما يتعلق بملف معتقلي الرأي الذي تنكر وجوده تماما السلطات الجزائرية وقضايا حرية تكوين الجمعيات والدين والحق في محاكمات عادلة وغيرها من المسائل.
آخر التقارير، جاء من منظمة العفو الدولية التي تعترف بها السلطات في الجزائر، حيث تمتلك مكتبا خاصا واعتمادا للنشاط. وجاء المضمون حادا، فقد اعتبرت أمنيستي ان السلطات الجزائرية واصلت القبض على أشخاص عبَّروا عن آراء معارضة على الإنترنت أو شاركوا في احتجاجات ومقاضاتهم. كما استمرت في استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمقاضاة نشطاء سلميين وصحفيين، وإغلاق جمعيات أو التهديد بإغلاقها.
واعتبرت العفو الدولية أن سنة 2022 شهدت “تصاعد حملة القمع الواسعة النطاق لحرية التعبير والتجمع السلمي مع سحق السلطات أي شكل من أشكال المعارضة”. وأشارت إلى أنه مع نهاية العام 2022، ظل ما لا يقل عن 280 من النشطاء، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمحتجين في السجن بتهم تتعلق بالممارسة السلمية لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع. وأشارت إلى انه ما لا يقل عن خمسة من النشطاء والصحفيين منعوا من مغادرة البلاد بدون أمر قضائي، في انتهاك لحقهم في حرية التنقل.
وتناول التقرير محاكمات عديدة في هذا السياق، بينها إدانة خمسة شبان من نشطاء الحراك، في آذار/مارس 2022، من بينهم محمد تاجديت ومالك رياحي، لمدة سنتين، لنشرهم مقطع فيديو قال فيه صبي عمره 15 عامًا إن الشرطة اعتدت عليه جنسيًا. وتطرق أيضا إلى قضية الناشط البيئي محاد قاسمي الذي حكم عليه في بثلاث سنوات بتهمة “إطلاع الغير على معلومات سرية بغير قصد الخيانة”، وذلك في ما يتعلق برسائل متبادلة بالبريد الإلكتروني بخصوص استغلال الغاز الصخري في الجزائر.
ونال ملف حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها نصيبا واسعا من التقرير الذي ذكر أن السلطات قامت بتعليق عمل حزب سياسي واحد على الأقل وهددت بحل ما لا يقل عن جمعيتين. وعاد إلى قضية تجميد عمل حزب العمال الاشتراكي، مما أجبره على وقف جميع أنشطته وإغلاق مقراته، عقب أمر من وزارة الداخلية. وذكر أنه في يناير/كانون الثاني أيضًا، طلبت وزارة الداخلية من مجلس الدولة تعليق عمل حزبين سياسيين آخرين وهما: الاتحاد من أجل التغيير والرقي، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
وسلط التقرير الضوء على حالات مجموعة من السجناء بينهم عبد الرحمان زيتوت، وهو الأخ الأصغر للديبلوماسي السابق وعضو حركة رشاد، محمد العربي زيتوت، التي تضعها السلطات على لائحة “إرهابية”، والذي حوكم بتهم متعددة، “دون أن يُقدم ضده في المحكمة أي دليل على الإرهاب، مما دفعه للإضراب عن الطعام عدة مرات احتجاجًا على سجنه”. كما تناول قضية العسكري السابق محمد بن حليمة الذي تحدث عن تعرضه لسوء معاملة في السجن.
وانتقد التقرير ما قال إنها غياب شروط المحاكمة العادلة، وتحدث بالخصوص عن محاكمة المحامين مثل عبد الرؤوف أرسلان الذي سلطت عليه لمدة ثلاث سنوات، سنتان منها مع وقف التنفيذ، بعد أن قضى مدة تزيد على العام رهن الحبس الاحتياطي. وكان قد قُبض عليه في مايو/أيار 2021 لدفاعه عن ثلاثة من نشطاء الحراك، ووُجهت إليه تهم” نشر أخبار كاذبة” وأخرى متعلقة “بالإرهاب”. كما تحدث على المحاميين عبد القادر شهرة، وياسين خليفي، اللذين اعتقلا لاحتجاجهما على وفاة ناشط في الحجز في ملابسات مريبة، ووُجهت لهما تهم “نشر أخبار كاذبة” و”التحريض على التجمهر غير المسلح”. وحُكِمَ عليهما، في 15 أغسطس/آب، بالسجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ، وأُفرج عنهما في اليوم نفسه.
وسجل التقرير في جانب حرية الدين والمعتقد، أن السلطات تستمر في استخدام الأمر رقم 06-3 الذي يفرض قيودًا على الديانات الأخرى غير الإسلام السُني، لمقاضاة أفراد من جماعة الأحمدية، وإغلاق ما لا يقل عن ثلاث كنائس بروتستانتية، ليصل عدد الكنائس التي أُغلقت منذ عام 2018 إلى 29 كنيسة، بينما رفضت السلطات، حسبه، إصدار تراخيص بناء للكنيسة البروتستانتية الجزائرية، التي تتبعها 47 كنيسة في شتى أنحاء البلاد. وذكرت انه لا توجد أي تراخيص لدور عبادة لغير المسلمين منذ عام 2006.
وبخصوص اللاجئين والمهاجرين، استند التقرير على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي ذكرت بأن ما يزيد عن 140 من اللاجئين وطالبي اللجوء قد جرى اعتقالهم أو ترحيلهم خلال الفترة ما بين يناير/كانون الثاني ومنتصف سبتمبر/أيلول. كما رُحّل ما لا يقل عن 21,870 شخصًا إلى النيجر في 2022. وذكرت أن السلطات نقلت قسرًا ما يزيد على 60 من الرجال والنساء والأطفال السوريين والفلسطينيين عبر حدود النيجر، وتركتهم في الصحراء.
وبنفس الحدة في الانتقاد، صدر قبل أسابيع تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان الذي تحدث عما وصفها بالقيود الخطيرة على “حرية التعبير ووسائل الإعلام، بما في ذلك الاعتقالات غير المبررة ومقاضاة الصحفيين، والرقابة وإنفاذ قوانين التشهير الجنائية للحد من التعبير وقيود خطيرة على حرية الإنترنت والتدخل الجوهري في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، بما في ذلك القوانين التقييدية المفرطة بشأن تنظيم أو تمويل أو تشغيل المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني”.
كما أشار إلى “وجود قيود صارمة على الحرية الدينية؛ قيود على الحق في مغادرة البلاد؛ الإعادة القسرية للاجئين إلى بلد قد يواجهون فيه تهديدًا لحياتهم أو حريتهم؛ قيود حكومية خطيرة على منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية أو مضايقتها ؛ الافتقار إلى التحقيق والمساءلة بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة؛ الاتجار بالأشخاص، قيود كبيرة على حرية العمال في تكوين الجمعيات ؛ والحد الأدنى من التقدم في القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال، والافتقار إلى التحقيق والمساءلة بشأن العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة”.
السلطة الجزائرية تدافع عن سجلها
أما البرلمان الأوربي، فقد نظم ندوة حول واقع حقوق الإنسان في الجزائر، برعاية لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الأوربي في إطار حوار أوروبا مع جوارها الجنوبي، علما أن اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوربي، على بنود تتعلق بالحوار السياسي والحوكمة وسيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان بين الجانبين.
وشهد هذا الحدث توجيه نواب أوربيين انتقادات على التضييق على عمل الكنائس في الجزائر ما أدى لغلق بعضها، ومعاناة المسيحيين حسبهم من صعوبات في ممارسة شعائرهم واقتناء الأناجيل والكتب المسيحية. كما وجهت أيضا للجزائر انتقادات بخصوص التضييق على عمل الجمعيات، على خلفية القرارات القضائية الصادرة بحل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية راج.
وكان لافتا في هذه الندوة تمكين شخصية مقربة من الرئاسة، في صورة عبد المجيد زعلاني، رئيس مجلس حقوق الإنسان من المشاركة والدفاع عن وجهة النظر الرسمية في مجال حقوق الإنسان.
وقال زعلاني، إن الجزائر ليست أبدا من المضيقين على الحرية الدينية للمسيحيين، مؤكدا أنها تحتضن العشرات من الكنائس، وهي تنشط دون إشكال في إطار القوانين الجزائرية. أما الكنائس المغلقة، فهي حسبه، كانت تتخذ من المنازل مصليات وأماكن عبادة وهو ما يرفضه القانون.
واعتبر المتحدث أن هناك مفهوما آخر لحقوق الإنسان يتعلق بتحقيق آفاق التنمية المستدامة والذي حققت فيه الجزائر بشهادة الأمم المتحدة تقدما كبيرا، فيما يخص الحق في التعليم والرعاية الصحية والسكن اللائق وإيصال الكهرباء والغاز للمنازل، مشيرا إلى أن المواضيع الأخرى المتعلقة بالحريات فتحت فيها ورشات إصلاح كبرى بعد دستور سنة 2020 من أجل الوصول إلى جزائر جديدة وهو شعار عهدة الرئيس عبد المجيد تبون. وأبرز أن الكثير من المعلقين على الوضع الحقوقي في الجزائر يقعون في فخ التسرع، مطالبا بإمهال الجزائر المزيد من الوقت، فالديمقراطيات على النمط الغربي استغرقت أكثر من 3 قرون للوصول إلى ما هي عليه اليوم، على حد قوله.
ونفى زعلاني أن يكون في الجزائر سجناء رأي، معتبرا أن من المحبوسين حاليا حوكموا بجرائم تتعلق بالحق العام. وأكد أن حرية التعبير لا تعني الانفلات من كل الضوابط. ويتماهى ذلك مع ما سبق للرئيس تبون التصريح به، حيث وصف ما يثار عن “سجناء الرأي” بأنها كذبة القرن في الجزائر.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس