أفريقيا برس – الجزائر. عبّر رئيس الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين، إبراهيم طايري، بكثير من الاستغراب، عن رأي مجلس النقباء في أحكام مشروع قانون الإجراءات الجزائية المطروح للمناقشة في المجلس الشعبي الوطني، واعتبر في اتصال مع “الخبر”، أن النص الجديد مشوب بعدة نقائص، لـ”مساسه بقواعد المحاكمة العادلة ودولة الحق والقانون التي ما فتئ ينشدها رئيس الجمهورية”.
وذكر طايري أن الاتحاد يتوجه لمناشدة رئيس الجمهورية التدخل، أملا في تصحيح المسار الذي سلكه مشروع القانون، وفقه.
يبدو أن الاتحاد مستاء من أحكام مشروع قانون الإجراءات الجزائية، بشكل أكثر من سنة 2023، سنة طرح النص لأول مرة قبل سحبه للإثراء، لماذا؟
أولا، استغرب مجلس الاتحاد طرح النص في مرحلة تشهد فيها منظمات المحامين استحقاقات انتخابية لتجديد مجالسها، ومن دون دعوتنا لمناقشتها على مستوى اللجنة القانونية بالمجلس الشعبي الوطني.
ومن حيث الموضوع، تبين أن اللجنة القانونية السابقة، لم تأخذ ما اتفقنا عليه في الجلسات السابقة بعين الاعتبار تماما، وعليه تقدمنا، أمس، بإرسالية إلى السيدين رئيس المجلس الشعبي الوطني ووزير العدل، نطالبهما فيها بإعادة النص إلى اللجنة وفتح حوار مع اتحاد المحامين من أجل التوافق حول بنوده.
ما هي أبرز الملاحظات التي أبداها اتحاد منظمات المحامين؟
سجلنا العديد من الملاحظات في عدد من المواد، على مستوى الشكل والاصطلاح والمضمون أيضا، وأدرجناها في وثيقة من 17 صفحة بشكل مفصل، مع طرح مقترحات لتصويبها.
ومن بين أهم الملاحظات أنه من غير المقبول تمكين الشرطة القضائية من استعمال إجراء التوقيف للنظر عند نهاية التحقيق، ذلك أن المادة 78 من المشروع تنص على أنه “إذا رأى ضابط الشرطة القضائية، لمقتضيات التحقيق، أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر”، أي أن التوقيف للنظر لا يكون إلا عند بداية التحقيق أو أن التحقيق ساري المفعول، أما عند نهاية التحقيق فيمنع اللجوء للتوقيف.
ورغم وضوح المادة إلا أن الشرطة القضائية تلجأ إلى التوقيف للنظر عند نهاية التحقيق ولأغراض ضمان مثول المشتبه فيه لدى وكيل الجمهورية، وفي ذلك تجاوز، لذا ننتظر وضع مادة صريحة تمنع لجوء الشرطة القضائية إلى التوقيف للنظر عند نهاية التحقيق.
وفي نفس الموضوع، نتصور أنه يفترض أن يرتب المشرّع جزاء إجرائيا عند مخالفة إجراءات التوقيف للنظر وهو البطلان، مثلما فعل مع إجراء تفتيش المساكن الذي فيه مساس بحرمة المسكن، مستدلين بالتعديل الدستوري لسنة 2020، وبالضبط في المادة 46 منه التي تمنح تعويضا في ثلاث حالات عند التوقيف للنظر غير المبرر، والحبس المؤقت غير المبرر، وحالة الخطأ القضائي.
وعليه دعونا إلى تعديل المادة بـ”يمنح المشتبه فيه تعويض عن التوقيف للنظر غير المبرر، عند حفظ الملف أو حصوله على انتفاء وجه الدعوى أو البراءة، على أن يثبت إصابته بضرر ثابت ومتميز، إلى جانب تمكين المشتبه فيه من الاتصال بموكله عند بداية التوقيف للنظر أو خلاله في جميع الحالات، ويترتب على مخالفة أحكام التوقيف للنظر بطلان إجراءات المتابعة.
كما توقفنا عند الجنايات والجنح المتلبس بها والإجراءات الخاصة، ولاحظنا أن المشرّع لا يزال يحصر التفتيش بين الخامسة صباحا والثامنة ليلا، وهذا التوقيت كان يصلح سنة 1966 عندما وضع المشرّع قانون الإجراءات الجزائية، والأحسن جعلها بين السابعة صباحا والعاشرة ليلا. سجلنا أيضا عدم ذكر إمكانية حضور المحامي أمام الشرطة القضائية في الوساطة.
سبق أن كانت مسألة إلزامية توكيل محام في القضايا المطروحة أمام المحكمة العليا أو في الجنايات تثير جدلا، لدرجة أن طرحت أمام المحكمة الدستورية، هل هي محل تحفظات حاليا؟
نعم، هي أيضا محل تحفظات، بالرغم من أن المحكمة الدستورية فصلت في الموضوع كليا بإقرار إلزامية الاستعانة بمحام في قضايا الطعن بالنقض، مند نحو ثلاثة أشهر. واليوم فوجئنا بوجود توجه للاستغناء عن المحامي في عدة حالات، كالدفاع أمام لجنة التعويض في المحكمة العليا وقضايا الجنايات.
ومن بين المقترحات المرفوعة هي أن المادة 406 تسمح لأي شخص بأن يدافع عن المتهم، بينما نطالب بأن يكون حق الدفاع أمام محكمة الجنايات حكرا على المحامي، ونقترح تمثيل كل الأطراف بمحام وجوبا سواء كانوا متهمين أو ضحايا.
كما نقترح أن المواد 295 وما يليها، المتعلقة بالأقطاب الجزائية الوطنية الثلاثة والجهوية الأربعة، أن تنص على أن تمثيل المتهمين أمامها وجوبا بمحام.
وعلاوة على ذلك، ارتأينا ضرورة توسيع دور المحامي ليكون وجوبيا حتى أمام الأقسام الجزائية في مستوى المحاكم في القضايا الخطيرة، فضلا عن إمكانية الاستغناء عن حضور المتهم والاكتفاء بتمثيله بمحام في القضايا البسيطة التي ليس فيها حبس.
هل لديكم تحفظات على مستوى نشاط قاضي التحقيق أيضا؟
لقد اشترطت المادة 133 من المشروع ضرورة تقديم شكوى عادية أمام وكيل الجمهورية، وانتظار 4 أشهر كاملة قبل اللجوء إلى الادعاء المدني، فإذا تم حفظها أو لم يتخذ بشأنها إجراء تحريك الدعوى العمومية جاز تقديم الشكوى المصحوبة بادعاء مدني أمام قاضي التحقيق.
لكن بالنسبة لنا، فإن ذلك بمثابة مساس بحق الأطراف في اتخاذ الإجراءات والفصل في الدعوى في آجال معقولة، ثم إن اللجوء إلى طريق الادعاء المدني هو حق للطرف المتضرر في تحريك الدعوى، فلماذا يتم تعطيله، الأمر الذي يتعارض مع حق دستوري يتعلق بحق اللجوء إلى القضاء دون وضع معوقات لممارسة هذا الحق، لذا نقترح نزع هذه المعوقات على حق المواطن في اللجوء إلى العدالة.
وفي مسألة الاستجواب والمواجهة على مستوى التحقيق أيضا، لاحظنا بأنه يفترض في الاستجواب عند الحضور الأول، تمكين المحامي من الاتصال بموكله قبل تقديم تصريحاته أمام قاضي التحقيق وليس بعده، لذا يستحسن تعديل المادة 161 من المشروع وذلك بإضافة هذا الحق.
تضمن التقرير كذلك ملاحظات بشأن التعويض عن الحبس المؤقت غير المبرر..
نعم، مادام أن الدستور أدرج التوقيف للنظر التعسفي ضمن مبررات التعويض، فكان الأجدر بالمُشرّع في نص المادة 205 من المشروع، أن يدرج مدة التوقيف للنظر ضمن مدة الحبس المؤقت غير المبرر في تقدير التعويض عن الخطأ القضائي، وبالتالي إما وضع آليات خاصة بالتعويض عن التوقيف للنظر غير المبرر بشكل مستقل، أو اعتبار التوقيف للنظر صورة من صور الحبس المؤقت غير المبرر ويدرج مع المواد 205 من مشروع قانون الإجراءات الجزائية.
كما سجلنا أن المشرّع لم يحترم الحد الأدنى المقرر في الحبس المؤقت، والدليل حاصل في المادة 246 من المشروع، والأصل عدم جواز الأمر بالحبس المؤقت إذا كانت الجريمة عقوبتها 3 سنوات فأقل.
تضمنت الوثيقة أيضا تحفظات على مسألة شهادة الوزراء..
ورد في المشروع أن أعضاء الحكومة الذين تستدعيهم المحكمة لسماع شهادتهم أمامها مشروط بترخيص من رئيس الحكومة أو الوزير الأول، ولا ندري كيف للسلطة التنفيذية أن تتدخل في عمل السلطة القضائية والذي قد تعرقله عندما يرفض رئيس الحكومة الترخيص بتقديم الشهادة، مع العلم أن شهادة بعض الوزراء في قضايا الفساد مهمة جدا. وهذا مساس بمبدأ الفصل بين السلطات ومساس كذلك بمبدأ المساواة بين المواطنين، فالكل يجب أن يخضع لسلطة القضاء بنفس الكيفية، لذلك اقترحنا نزع شرط الترخيص.
ونفس الملاحظة بشأن سماع شهادة السفراء الذين لا يمكن سماعهم واستدعاؤهم من طرف المحكمة، إلا بعد ترخيص من وزير الشؤون الخارجية وبعد عرض الأمر على وزير العدل.
المصدر: الخبر
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس