سجناء المضاربة في الجزائر.. آمال مئات العائلات معلقة على عفو الرئيس وقرارات المحكمة العليا

11
سجناء المضاربة في الجزائر.. آمال مئات العائلات معلقة على عفو الرئيس وقرارات المحكمة العليا
سجناء المضاربة في الجزائر.. آمال مئات العائلات معلقة على عفو الرئيس وقرارات المحكمة العليا

محمد سيدمو

أفريقيا برس – الجزائر. يحتضن شقيق محمد دويك، تاجر حلوى الزلابية الشهيرة في الجزائر بولاية المدية إلى الجنوب من العاصمة، بنات أخيه الثلاث، وهو يوجه نداء باكيا للسلطات، على مواقع التواصل، لإطلاق سراح شقيقه الذي حكم عليه بـ 7 سنوات سجنا بتهمة «المضاربة غير المشروعة» بينما هو من وجهة نظر عائلته وجيرانه «مظلوم» ولم يكن يوما من المضاربين في المواد المدعمة.

مثل قصة محمد دويك، المئات من الحالات الشبيهة، لعائلات وجدت نفسها بدون معيل، بعد أن صدرت في حق أبنائها الذين يشتغلون بالتجارة، أحكام سجن ثقيلة، وهم اليوم يتكتلون في صفحات على مواقع التواصل وينظمون وقفات في الشارع وفي ساحات عمومية لإسماع صوتهم، مطالبين بإعادة النظر في هذه الأحكام والسماح بعودة أبنائهم إلى أحضان عائلاتهم خلال شهر رمضان سواء من خلال عفو رئاسي أو إعادة هذه المحاكمات كليا.

يقول شقيق محمد دويك في شرح ملابسات سجن شقيقه، إنه قد ضبط بحوزته عبوات من الزيت، قدّرت الضبطية القضائية أنها كانت تستعمل في المضاربة، فتم تحويله للمحاكمة. لكن الحقيقة، وفق المتحدث، هي أن هذا الزيت لم يكن يوما موجها للمضاربة عبر إعادة بيعه، لأن شقيقه يشتغل في بيع الزلابية وهي حلوى تقليدية تباع بكثرة في رمضان، وبسبب ندرة الزيت كان يقوم بشراء كميات في كل مرة وتخزينها حتى لا يقع في مأزق الندرة خلال رمضان الذي يعد الشهر الأبرز للعمل من ناحية المبيعات. ويضيف أن شقيقه كان يشتري الزيت بشكل عادي من المحلات ويضطر أحيانا للوقوف في الطابور مع المواطنين للحصول على عبوة إضافية، لأنه يعلم أن انقطاع الزيت في رمضان، سيرهن عمله، كونه يستهلك نحو 7 لترات يوميا من هذه المادة. لذلك، لم يكن حسبه، يمتلك فاتورة للكمية التي عثر عليها بمحله، لأنها مشتراة من محلات التجزئة ولم يكن أبدا الغرض من تخزينها، أو إعادة بيعها بسعر أعلى.

تكاد الوقائع تتشابه بين أغلب المسجونين حاليا، فمعظمهم من التجار الذين ضبطت بحوزتهم كميات من الزيت أو السميد أو الحليب، وهي كلها مواد مدعمة بات العثور عليها في الأسواق شاقا على الجزائريين، بفعل انقطاعها وندرتها في كثير من الأحيان خلال السنتين الأخيرتين، وهو ما اضطر الحكومة لاستصدار قانون شديد الصرامة في 28 كانون الأول/ديسمبر 2021 سمي بقانون «مكافحة المضاربة غير المشروعة» والذي ينص على أحكام تعاقب المتورطين في هذه الجرائم تصل إلى 30 سنة سجنا والسجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة في إطار جماعة منظمة. ولم تكتف السلطات بمجرد النص القانوني، فقد حرصت منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على أن يتم تطبيقه حرفيا دون التماس ظروف مخففة، وهو ما ظهر في الطلب الذي وجّه إلى كل نيابات الجمهورية بمعالجة قضايا المضاربة غير المشروعة، على مستوى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، على اعتبار أن «هذه الأفعال الإجرامية تعتبر ضربًا للاقتصاد، وإجرامًا متعمّدًا يقتضي التصدي له».

ومنذ ذلك الوقت، توالت الأحكام التي تتراوح ما بين 5 و20 سنة وتصل أحيانا إلى المؤبد مثلما جاء في قرار محكمة الجنايات الابتدائية بالدار البيضاء، الجزائر العاصمة، منتصف آذار/مارس الجاري، حيث أدانت متهمين اثنين بالسجن المؤبد و4 آخرين بـ10 سنوات حبسا نافذا لمتابعتهم بجناية «المضاربة غير المشروعة المرتكبة من طرف جماعة إجرامية والتهريب على درجة من الخطورة ضد الاقتصاد الوطني والصحة العمومية».

وتستند السلطات في دفاعها عن هذا التوجه المتشدد في تطبيق القانون، على أرقام مصالح الدرك، والتي خلال 9 أشهر فقط من سنة 2020 حجزت في قضايا المضاربة فقط، 749.6 طن من الفرينة و437 طنا من القمح اللين و32.5 طن من القمح الصلب و133 طنا من السميد و16.5 طن من السكر و6.5 طن مسحوق الحليب وأزيد من 80 ألف لتر من الزيت و57 طنا من العجائن. وخلال المداهمات التي قامت بها مختلف المصالح الأمنية، خلال نفس الفترة، أعلن عن توقيف 536 شخصا وإيداع 72 شخصا الحبس المؤقت ووضع 26 شخصا تحت الرقابة القضائية خلال نفس الفترة، وهي أرقام لا شك أنها تضاعفت منذ ذلك الوقت بالنظر للوتيرة السريعة التي تجري بها المحاكمات بشكل يومي دون توقف.

القضية تصل للبرلمان

وعلى الرغم من أن قانون مكافحة المضاربة غير المشروعة، صادق عليه نواب البرلمان بالإجماع باستثناء كتلة حركة مجتمع السلم التي امتنعت، إلا أن المنحى الذي أخذه تطبيق القانون وازدياد ضغط عائلات المسجونين، دفع بالكثير من النواب إلى طلب مراجعة القانون وذهب بعضهم لدعوة الرئيس عبد المجيد تبون إلى إصدار عفو على المدانين.

وظهر غضب البرلمانيين وندم بعضهم، في جلسة أخيرة حضرها وزير العدل، بمناسبة مناقشة قانون الإتجار بالبشر، حيث تركوا موضوع الجلسة، واستغلوا وجود الوزير ليسردوا عليه قصصا لا تنتهي لأشخاص مسجونين بتهمة المضاربة غير المشروعة قالوا إنهم مظلومون.

ونقل النائب بوكرموش عبد الرحمن، ما وصفها بمأساة ثلاثة مواطنين محسنين في منطقة قورارة بغرداية جنوب البلاد، وجدوا أنفسهم في السجن بتهمة المضاربة غير المشروعة، بينما كانوا حسب النائب يجمعون فقط مواد غذائية لغرض توزيعها في شهر رمضان على الفقراء عبر الجمعيات الخيرية، وهو سلوك دأبوا عليه منذ 3 سنوات من مالهم الخاص. وأضاف النائب أن هؤلاء المحسنين وجدوا أنفسهم متابعين وحكم على أحدهم بسنتين سجنا نافذا، وهذا كله، وفق المتحدث، بسبب التطبيق الخاطئ لقانون المضاربة.

وبينما دعا برلمانيون إلى إعفاء التجار الصغار من الملاحقات بتهم المضاربة بالمنتجات ذات الاستهلاك الواسع، طلب النائب المستقل عبد القادر قوري، من وزير العدل رشيد طبي، نقل رسالة للرئيس بأن يصدر عفوا في إطار صلاحياته على المحكوم عليه، معتبرا أن «قانون المضاربة غير المشروعة، ينطوي على إجحاف وظلم كبيرين، وأدى إلى تيتيم عائلات بأكملها». وسرد هذا النائب، واقعة أخرى لسجن شاب لمجرد أنه كان يقود شاحنة فيها 4 أكياس من نخالة القمح ليس حتى هو مالكها، وهو ما يؤكد حسب المتحدث، وجود مظلومين كثر بسبب هذا القانون.

ووفق ما ذكره رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، فإن النواب يتلقون باستمرار طلبات التدخل والنجدة من مواطنين وعائلات تجار بسطاء كانوا ضحية تعسف في تطبيق هذا القانون.

وقال النائب: «نحن مع التشديد على المضاربين الكبار، والمتلاعبين بقوت الجزائريين ممن يحتكرون السلع ويهربونها ويصنعون الندرة واستغلال فرصة ارتفاع الأسعار للتربح والإضرار بالمواطنين، لكن مع هذا التشديد لا ينبغي أن نتعسف في استغلال هذا القانون للإضرار بالتجار البسطاء، حيث تم حبس العديد منهم تاركين عائلاتهم بلا معيل ومدخول».

وأضاف صادوق الذي يتبنى خطا معارضا في البرلمان: «نحن تحفظنا على قانون المضاربة وامتنعنا عن التصويت عليه لأننا قدرنا أنه غير واقعي ووردت فيه أحكام قاسية لا تتناسب مع الجرم خاصة حينما لم يحدد المجال أو الكمية التي يعتبر من خلالها التاجر مضاربا لدرجة أنه تم الحكم على تجار بسطاء بـ10 سنوات لأجل مجموعة من أكياس الحليب أو الزيت، وكنا على يقين ان القانون بعد صدوره سيكون هناك تعسف في تطبيقه واستغلال وابتزاز أحيانا وهذا الذي حدث للأسف».

آثار القانون تمتد حتى لتونس

وخارج البرلمان، برز صوت لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال التي قالت إن هذا القانون تسبب في دمار عائلات دخلت دائرة الفقر بسبب فقد معيلها، وهو ما يوجب حسبها المراجعة، لأن ما يحدث يفاقم حسبها من الأزمة الاجتماعية، في ظل ارتفاع عدد البطالين بسبب ما قالت إنه «الوقف العشوائي للاستيراد الذي أدى لغلق مؤسسات صغيرة ومتوسطة بسبب توقف تموينها».

ولفتت حنون إلى المتضررين من هذا القانون ليسوا جزائريين فقط، فقد حكم مؤخرا على مواطنين تونسيين بعد الاستئناف بـ 5 سنوات سجنا نافذا، على خلفية اتهامهم بممارسة المضاربة غير المشروعة، بعد ضبطهم ينقلون بضائع مدعمة إلى خارج التراب الجزائري.

وقالت زعيمة حزب العمال إن «هناك أشقاء من تونس أتوا لكي يشتروا مؤونة، وجاؤوا في حافلات وليس حتى سيارات، ما يعني أنه لم يحملوا بضائع كثيرة، وهم مضطرون لذلك لأن حكومة بلادهم لما رفعت الدعم أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية في تونس وازدياد الفقر وحتى الجوع» لكن هؤلاء الأشقاء، تضيف، «تم اعتقالهم وأصدرت المحكمة الابتدائية في حقهم حكما بـ10 سنوات سجنا نافذا ولما استأنفوا الأحكام تم تخفيضها لـ5 سنوات».

وجلبت صور بعض النسوة التونسيات على سلالم مجلس قضاء تبسة (أقصى شرق الجزائر) وهن في حالة انهيار عقب النطق بالأحكام في حق أبنائهن وأزواجهن، تفاعلا واسعا ومطالبات بأن يصدر عفو على هؤلاء المحبوسين، بينما أدت هذه القضية إلى استياء عارم في تونس، طالبت فيها منظمات حقوقية من الرئيس التونسي التدخل لدى نظيره الجزائري من أجل إطلاق سراحهم.

إشكالات المثول الفوري

يُعرِّف القانون في مادته الثانية المضاربة غير المشروعة بأنها تلك الأفعال «التي تشمل كل تخزين أو إخفاء السلع أو البضائع بهدف إحداث ندرة في السوق واضطراب في التموين، وكل رفع أو خفض مصطنع في أسعار السلع أو البضائع أو الأوراق المالية بطريق مباشر أو غير مباشر أو عن طريق وسيط أو استعمال الوسائل الإلكترونية أو أي طرق أو وسائل احتيالية أخرى».

ويدخل النص القانوني في خانة المضاربة غير المشروعة «كل ما يتعلق بترويج أخبار أو أنباء كاذبة أو مغرضة عمدا بين الجمهور بغرض إحداث اضطراب في السوق ورفع الأسعار بطريقة مباغتة وغير مبررة». ويضيف أيضا لمفهوم المضاربة غير المشروعة «طرح عروض في السوق بغرض إحداث اضطراب في الأسعار أو هوامش الربح المحددة قانونا» وكذا «تقديم عروض بأسعار مرتفعة عن تلك التي كان يطبقها البائعون عادة» و «القيام بصفة فردية أو جماعية أو بناء على اتفاقات بعملية في السوق بغرض الحصول على الربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي للعرض والطلب» إضافة إلى «استعمال المناورات التي تهدف إلى رفع أو خفض قيمة الأوراق المالية».

ويقول المحامي والحقوقي عبد الغني بادي، إن هناك عدة إشكالات قانونية تطرح في موضوع المضاربة غير المشروعة. ويؤكد أن المشكل القضائي المطروح هو خضوع مثل هذه القضايا على حساسيتها وطبيعة القانون الذي يحكمها لإجراء المثول الفوري (إحالة المتهم فورا للمحاكمة) المثير للجدل، خاصة وأن القضاة عادة ما ينطلقون من محضر الضبطية ويحكمون من خلاله رغم أن المسألة تحتاج الى عمل قضائي أوسع خاصة وان المتابع فيها مهدد بأحكام قاسية. وأوضح بادي أن الأحكام التي تصدر بناء على محاكمات المثول الفوري المعروفة بسرعتها والمثيرة للجدل لدى القانونيين، في غالبيتها أحكام تخضع لما سمته السلطة بـ«القرار الوطني» وهو مصطلح يعطي تأكيدا واضحا، حسبه، على أن هناك تداخلا بين السلطات الثلاث وانعدام أي فصل بينها، لأن السلطة التشريعية انطلقت من إرادة السلطة التنفيذية والتي على ما يبدو أثرت من خلال مداخلاتها المتكررة حول موضوع المضاربة على القرار القضائي.

أما عن دعوات الإفراج عن المسجونين، فهي تطرح إشكالا آخر حسب بادي، يندرج ضمن المساس بمصداقية القضاء لأنه تدخل أيضا في عمله من جهة، لكن يبقى الأعقل -يضيف- أن هناك حالات بسيطة جدا وصفت بأنها مضاربة ربما تستحق إعادة النظر. وأبرز أن هذه الملفات ما زالت هناك فرصة النظر فيها أمام المحكمة العليا التي يجب، حسبه، أن تتصدى للتجاوزات وللضغوط السياسية التي تزامنت مع النظر في هذه الملفات.

الآثار الاقتصادية للقانون

من جانب آخر، قال نواب في تدخلهم إن القانون لم يأت بثماره. وأوضح البرلماني يوسف عجيسة، إن الطوابير على الحليب والزيت والسميد، لا تزال موجودة في كل القطر الوطني، وهو ما يستدعي حسبه إيجاد طرق أخرى للحد من هذه الظاهرة.

وفي تقدير الخبير الاقتصادي، سليمان ناصر، فإن قانون المضاربة لم يؤد الغرض منه، إذ رغم نقص ظاهرة الندرة والمضاربة، إلا أنه لم يقض عليها نهائيا وأيضا لم يوفر الاستقرار في الأسواق مما يدل على أن المضاربة ليست السبب الوحيد في مسألة الندرة.

وأوضح ناصر أن القانون الجديد الذي يكافح المضاربة فيه عقوبات صارمة وهناك أناس ظلموا بسبب هذا القانون بأحكام وصلت حتى المؤبد، ورغم هذه الصرامة ما زال الإشكال مطروحا في السوق.

ويرى الخبير الاقتصادي، أن المشكل الأساسي ليس في المضاربة وإنما في سلوك المواطن والتهافت على السلع الذي أدى لتخزين كميات كبيرة من المواد المدعمة في المنازل، إذ لا يعقل حسبه ان يؤكد رئيس الجمهورية أن الجزائر تنتج ثلاثة أضعاف حاجياتها من الزيت بينما تبقى الندرة في الأسواق.

ولدى الجزائر سياسة اجتماعية سخية مثلما تقول الحكومة، فهي تنفق سنويا نحو 17 مليار دولار من ميزانيتها على الدعم الذي تختلف أشكاله بين تحديد أسعار بعض المواد واسعة الاستهلاك مثل الخبز والحليب، وتسقيف أسعار أخرى مثل الزيت والسكر، والدعم الموجه للإنتاج الذي يستفيد منه الفلاحون لشراء وسائل الإنتاج والأسمدة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here