أفريقيا برس – الجزائر. ماذا لو أنقذت الجزائر إيمانويل ماكرون؟، قالت صحيفة “لاتريبون” الاقتصادية الفرنسية إن مقابلة الرئيس عبد المجيد تبون مع صحيفة “لوفيغارو” التي نُشرت يوم 30 ديسمبر الماضي وعدت بـ “عهد جديد في العلاقات الفرنسية الجزائرية”.. التأشيرات ضد الغاز، هذه هي الصفقة التي تلوح في الأفق، والتي تمنح الجزائر وزنا جيوسياسيا جديدا في العالم وفي العلاقات مع المستعمر السابق، تضيف الصحيفة، معتبرة أن زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الجزائري إلى باريس في العام الجاري قد تؤدي إلى تحقيق هذه المصالحة العظيمة مع الرئيس الفرنسي.
بالنسبة لإيمانويل ماكرون، كان الأمر بمثابة هدية عيد ميلاد غير متوقعة. لأن مقابلة تبون التي طرحت فيها جميع الموضوعات على الطاولة، ضاعف فيها الرئيس الجزائري لنظيره الفرنسي تصريحات الصداقة والتهدئة تجاه فرنسا والإليزيه.
العنوان الذي اختارته “لوفيغارو” لهذه المقابلة يصب في هذه الخانة “من الملح افتتاح عهد جديد من العلاقات الفرنسية الجزائرية”. في المقدمة يرحب تبون بالقرار الفرنسي بإعادة إصدار التأشيرات للمواطنين الجزائريين على مستوى عام 2019 (منذ خريف 2021، قررت فرنسا من جانب واحد خفض إصدار هذه التأشيرات إلى النصف، مما تسبب في أزمة دبلوماسية كبيرة مع السلطات الجزائرية).
وتابعت الصحيفة القول إن هذه المقابلة لم تكن مفاجأة تماما لإيمانويل ماكرون، إذ تم تبادل زيارات بين دبلوماسيين ورؤساء الاستخبارات من الجانبين في الأسابيع السابقة، وفق ما التزم به البلدان بعد زيارة ماكرون إلى الجزائر العاصمة ووهران في أغسطس الماضي. فمنذ إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية في ربيع عام 2022، حاول الرئيس الفرنسي بكل الوسائل إعادة صياغة الروابط مع الجزائر بعد الفوضى التي خيمت على فترته الرئاسية الأولى.
وأكدت “لاتريبون” أنه خلف الكواليس، ثمة تقارب بين بعض الشبكات الفرنسية وإيمانويل ماكرون بعد إعادة انتخابه في محاولة تحقيق المصالحة مع الجزائر. نتيجة لذلك، خلال زيارة الرئيس الفرنسي في أغسطس الماضي، حاز الاشتراكي أرنو مونتبورغ، الذي أصبح في عام 2018 رئيسا لجمعية فرنسا الجزائر، على مكانة بارزة في الوفد الرسمي. فمن الواضح أن الوزير الاشتراكي السابق، والذي كان من معارضي ماكرون خلال فترته الرئاسية الأولى، قرر على ما يبدو لعب دور “الوحدة الوطنية” في الملف الجزائري.
وتتابع الصحيفة أنه في خضم الحرب في أوكرانيا قد يعتقد المرء أن قضايا الطاقة على رأس قائمة الإليزيه في تبادلاته مع الجزائر. ومع ذلك، فإن الرئيس الجزائري أوضح بخصوص هذه المسألة أنه (…) إذا طلبت فرنسا من بلاده زيادة صادراتها من الغاز، فإنها ستفعل ذلك. ألن يكون الغاز الجزائري أولوية بالنسبة لفرنسا؟ في غضون ذلك، تعمل إيطاليا على بناء خط أنابيب غاز ثان عبر صقلية، مما يسمح لها بزيادة شحناتها من الغاز من الجزائر من 25 إلى 35 مليار متر مكعب سنويًا. وهو مشروع سيجعل، على حد تعبير رئيس الجزائر، إيطاليا مركزا لبقية أوروبا وخاصة المركزية.
لكن علاوة على الاقتصاد، بينما يستمر الجدل الفرنسي بالتوتر مع اليمين المتطرف، أصر الرئيس تبون على الإدلاء بتصريحات قوية في مجال سياسي بحت بين البلدين، حيث قال أولاً: “يجب على فرنسا أن تحرر نفسها من عقدة المستعمِر وأن تحرر الجزائر نفسها من عقدة المستعمَر”. قبل أن يضيف: “بعد أكثر من ستين عاما على الحرب، علينا المضي قدما. إذا كانت الذاكرة جزءا من جيناتنا المشتركة، فإننا نتشارك أيضا في العديد من الاهتمامات الأساسية، حتى لو كانت وجهات نظرنا متباينة”. وقال تبون إنه يرى في ماكرون التجسيد الذي يمكن أن ينقذ العلاقات بين البلدين، مضيفاً: “ميزته أنه لا علاقة له بالاستعمار. لدينا صداقة متبادلة”.
تتناقض هذه التصريحات مع الكلمات القاسية التي تبادلها الرئيسان في خريف عام 2021. لأنه علاوة على مسألة التأشيرات، يمكن للجزائر أن تكتفي بالاستراتيجية الفرنسية الجديدة في منطقة الساحل، والتي تترك على وجه الخصوص لشركائها الأفارقة مجالاً أكبر.
وفي إشارة إلى أنه “من المؤسف أن فرنسا لم ترغب في لحظة معينة في أن تمارس الجزائر نفوذها”، فإن الرئيس تبون مقتنع بأن “الحل في هذه المنطقة هو اقتصادي بنسبة 80 في المئة وأمني 20 في المئة”. ثمة مفاجأة أخرى: لا يتردد الرئيس الجزائري في النأي بنفسه عن شركة فاغنر الروسية شبه العسكرية، الموجودة في أفريقيا: “الأموال التي يكلفها هذا الوجود ستكون في وضع أفضل وأكثر فائدة إذا ذهبت إلى تطوير منطقة الساحل”. وهي كلمات لها أهمية بالنظر إلى الروابط بين الجيش الجزائري وروسيا، كما تقول الصحيفة الفرنسية، موضحة أن الجزائر لديها أكثر من بطاقة لتلعبها.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس