أفريقيا برس – الجزائر. بعد نحو ثمانية أشهر من القبضة الحديدية بين الجزائر وباريس، بدأ سياسيون ودبلوماسيون في فرنسا يتحدثون عن مآلات الأزمة والخسائر التي يمكن أن يتكبدوها إذا استمر الوضع الراهن، ولاسيما بعد أن بات حلم إطلاق سراح الكاتب الجزائري المتجنس فرنسيّا، بعيد المنال.
منذ الخميس المنصرم، وهو اليوم الذي شهد جلسة محاكمة صنصال بمحكمة الدار البيضاء بالعاصمة، وبعد الكشف عن العقوبة الملتمسة بحقه، ثارت النخبة السياسية والإعلامية ضد من يشرفون على تسيير هذا الملف، محذرين من وفاة الكاتب “الفرنسي” في السجن إذا استمر الوضع الراهن.
وكان الفرنسيون يعتقدون أن القيادة الحالية للبلاد لا تختلف عن سابقاتها، وأنها سوف لن تتجرأ على مواجهة التهديدات الفرنسية وتطلق سراح بوعلام صنصال، غير أن الأسابيع والشهور تمضي تباعا و”كاتبهم” يقبع في السجن، وجاءت المحاكمة لتصدم الفرنسيين.
وعبر السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر، كزافيي دريانكور، عن تشاؤمه بشأن مصير صنصال، متوقعا الأسوأ، ولم يستبعد أن يأخذ هذا الملف أبعادا غير سارة بالنسبة للفرنسيين، بسبب الموقف المنحاز الذي صدر عن رئيسهم، إيمانويل ماكرون، بخصوص قضية الصحراء الغربية، لصالح النظام المغربي.
وفي حوار لإذاعة “أوروب 1” اليمينية، انتقد دريانكور الاستراتيجية المنتهجة من قبل سلطات بلاده في إدارة الأزمة مع الجزائر، فمن جهة ترغب باريس في إطلاق سراح بوعلام صنصال، ومن جهة أخرى توفد وزيرة الثقافة، رشيدة داتي، إلى الأراضي الصحراوية المحتلة، التي تعتبر خطا أحمر بالنسبة للجزائر، يقول دريانكور.
ويعترف الدبلوماسي المتقاعد بأنه وبعد نحو ثمانية أشهر من اندلاع الأزمة، تبقى المبادرة بيد السلطات الجزائرية التي عرفت كيف تدير هذه الأزمة بذكاء، عكس الجانب الفرنسي الذي يعاني من خلافات حادة، طبعتها مواقف كل من وزير الداخلية، برونو روتايو، ووزير الخارجية، جون نويل بارو، وهي التناقضات التي جعلت الطرف الجزائري يكسب الرهان إلى غاية اليوم.
وبرأي صاحب كتاب “اللغز الجزائري”، فإن الفرنسيين يتكلمون كثيرا ولكنهم لا يفعلون شيئا، في حين أن الطرف الجزائري لا يتكلم كثيرا ولكنه يحقق ما يريد، ودعا سلطات بلاده إلى تبني الأسلوب الجزائري، الذي يطبعه الغموض والمفاجأة، وهو ما مكنهم من تحقيق إنجازات في الصراع القائم.
ويتسق ما صدر عن برونو روتايو، مع تسريبات لصحيفة “لوباريزيان”، تحدثت عن غضب في حكومة فرانسوا بايرو من وزير الداخلية، الذي تلقى العديد من الصفعات على وجهه من دون أن يحقق إنجازا واحدا يشفع له من أجل الاستمرار. كما اتهم المصدر ذاته، وفق الصحيفة، روتايو، بأنه “كثير الضجيج وعندما تطلب منه حلولا لا يقدم حلا واحدا”.
وكشف دريانكور بالمناسبة عن قرار صدر الخميس 20 مارس الجاري، عن السلطات الجزائرية يمنع المساعدات التي تقدمها السلطات الفرنسية للمدارس الخاصة في الجزائر من أجل تدريس اللغة الفرنسية، الأمر الذي اعتبر ضربة موجعة للمصالح الثقافية الفرنسية في الجزائر، وهي من النتائج الكارثية لسوء تسيير الأزمة الراهنة.
ويعترف الدبلوماسي الفرنسي أن السلطات الجزائرية غيرت من طريقة تعاملها مع فرنسا بشكل أفقدها الحظوة التي كانت تتمتع بها في مستعمرتها السابقة، وقد لمس هذا منذ سنة 2020، وذلك استنادا إلى ما عايشه كسفير في الجزائر، باعتباره عمل فيها على مرحلتين، الأولى من سنة 2008 إلى 2012، والثانية من سنة 2017 إلى 2020.
فخلال الحرائق التي اجتحت منطقة القبائل، منعت السلطات الجزائرية موفدا من السفارة من الذهاب إلى ولاية تيزي وزو من أجل القيام بمهمة شكر لبعثة رجال الحماية الفرنسية الذين شاركوا في عمليات الإطفاء، لأنه لم يكن يتوفر على وثيقة تسمح له بذلك. وقال أيضا إنه اضطر إلى نزع علم فرنسي تم تثبيته على باب إقامته في الأبيار، بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني الفرنسي في 14 جويلية 2020، وطلب منه تثبيته بمكان آخر داخل الإقامة بحيث لا يتم رؤيته من الخارج.
واضطر بعدها دريانكور إلى تقديم طلب من الرئيس الفرنسي لإعفائه من منصبه، لأنه لم يعد قادرا على تأدية مهامه كما يجب، في مشهد نادر الحدوث، لأن وقبل ذلك التاريخ، كان السفير الفرنسي في الجزائر شخصية نافدة لا يرد له طلب.
وفي حوار للمؤرخ الفرنسي، بنجامان ستورا، مع القناة الفرنسية الخامسة، وصف ما يحدث بين العاصمتين بالأزمة غير المسبوقة، وإن سبقتها أزمات على غرار أزمة تأميم المحروقات وزيارة الرئيس الفرنسي الأسبق للجزائر، فاليري جيسكار ديستان، في سنة 1975، بسبب قوله “فرنسا التاريخية تحيي الجزائر الفتية”، ولكن تبقى الأزمة الحالية الأخطر.
وبالنسبة للمؤرخ المختص في العلاقات الجزائرية الفرنسية، فإن استعمال القبضة الحديدية مع الجزائريين لا تجدي نفعا، ويمكن العودة إلى التاريخ القريب، في إشارة إلى ما حصل أثناء الثورة التحريرية، وحمل المسؤولية لمن يهاجمون الجزائر بشكل يومي، يقول بنجامان ستورا.
وبات الفرنسيون على اختلاف توجهاتهم بما فيهم اليمين المتطرف يتحدث عن هزيمة لفرنسا في مواجهة الجزائر، وعبرت بعض المنابر الاعلامية اليمينية عن صدمتها من تصريحات الرئيس الفرنسي، وهو يناشد الرئيس عبد المجيد تبون من أجل إطلاق سراح بوعلام صنصال.
المصدر: الشروق أونلاين
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس