الجزائر – افريقيا برس. يصف مبعوث رئيس حكومة الوفاق الليبية لبلدان المغرب العربي، جمعة القماطي، التصعيد المصري الأخير، وإمكانية تنفيذ الجيش المصري لعل عسكري في الداخل الليبي، إنه “مجرد تصعيد وضغط سياسي وإعلامي لا أكثر، ولا نية حقيقية لتدخُّل عسكري مصري واسع في ليبيا”. ويقول القماطي في هذا الحوار مع الشروق، إن الجيش المصري غير قادر على مواجهة عسكرية مع الجيش التركي، مع ترجيحه لتدخل أمريكي لوقف أي عمل عسكري مصري، على اعتبار أن تركيا عضو في الحلف الأطلسي.
ويدين القماطي، عدوان حفتر على العاصمة طرابلس، والتآمر الأجنبي على بلاده، ويخص بالذكر مصر والإمارات، والاستعانة بالمرتزقة والمليشيات، في جانب آخر، يثني على الدور الجزائري لإحلال السلام في ليبيا.
السيسي حصل على تزكية من برلمان بلاده لتنفيذ عمل عسكري وتسليح القبائل الليبية، هل بإمكان مصر تنفيذ هذا المخطط، وهي المثقلة بمشاكلها الداخلية وخلافها مع إثيوبيا بشأن سدِّ النهضة؟
التصعيد المصري الأخير ومن ضمنه إنه ما قيل لنا إنه تفويض من البرلمان المصري للسيسي للتدخل العسكري في ليبيا، يمكن تصنيفه أنه مجرد تصعيد وضغط سياسي وإعلامي لا أكثر، ولا نية حقيقية لتدخُّل عسكري مصري واسع في ليبيا.
وأعتقد أن الانزعاج المصري هو بالدرجة الأولى من التغلغل الروسي الجديد في شرق ليبيا، إذ أصبحت روسيا هي اللاعب الرئيسي والأول الذي يحرِّك حفتر، ويسيطر على المناطق التي يتواجد فيها حفتر في شرق ليبيا، وفي الهلال النفطي وفي بعض الحقول النفطية كحقل الشرارة.
حيث نجد أنه في الأشهر القليلة الماضية، أصبحت روسيا هي التي تملك أوراق التحكم في حفتر، والنفوذ الكبير عليه، وأصبح دور مصر هامشيا، وتم تهميشها في هذا الاتجاه، ولهذا هي منزعجة كون أن استثمارها في حفتر طيلة 6 سنوات ربما يذهب هباءً، وأنها لن تحقق أيَّ مصالح في ليبيا من خلال رهان خاسر على حفتر.
الأمر الآخر أن الظروف الاقتصادية المصرية حاليا والرأي العام المصري ومشاكلها السياسية مع إثيوبيا، تشير كلها إلى أن النظام المصري لن يستطيع التورُّط العسكري الواسع في ليبيا، لأن هذا التدخل وإن عرفت القاهرة بدايته ولكنها لن تعرف نهايته وكيف ستخرج منه.
هذا التدخل العسكري الواسع في ليبيا سيجر على مصر كلفة اقتصادية باهظة جدا وتكلفة سياسية واصطدام مع القوات التركية وخاصة سلاح الجو التركي الأمر الذي يشير إلى اشتعال كل منطقة شرق المتوسط وتوسع الصراع بطريقة فجائية، ولا اعتقد أن القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلف النيتو سيسمح بذلك وخاصة وأن تركيا دولة مهمة في الحلف.
ولهذا نفهم أن التصعيد السياسي والإعلامي المصري هو من باب الضغط، والقول إن مصر لا تزال موجودة ولا يمكن تجاهلها في أية تسوية سياسية قادمة، ولا يجب أن يتم تجاهل المصالح المصرية ولا أتوقع دخول بري مصري واسع يورطها لاحقا.
أما التدخل غير المباشر عبر القصف الجوي أو الدعم اللوجيستي والتدريب والمستشارين ودور المخابرات المصرية في شرق ليبيا وتحريكها لحفتر هذا أمر موجود منذ 6 سنوات ولا يمكن إنكاره من الجانب المصري، أما التصعيد والتهديد بالتدخل العسكري فلن يكون سهلا وستكون عواقبه وخيمة على مصر.
مصر تقول إنها تعمل على تحجيم ما تسميه “خطر المليشيات” والمقصود هنا قوات “بركان الغضب”، هل من مسوغ لتبريرات مصر، علما أن الجيش المصري نفذ قصفا جويا في العمق الليبي، بعد إعدام تنظيم داعش عددا من الرعايا المصريين؟
النظام المصري يستخدم ورقة الإرهاب وقضية المليشيات وخطرهما على مصر كشمّاعة وفزاعة مبالغٌ فيها جدا.
لمّا ننظر إلى الواقع لم تحصل أيُّ عمليات إرهابية داخل مصر بالقرب من الحدود الليبية مقارنة بالعمليات الإرهابية التي تتم في صحراء سيناء، الأمر الآخر أنه في 2016 عندما قتل الدواعش 15 مواطنا مصريا في سرت، لم تقم مصر بإعلان سرت خطا أحمر، وأن تلك المنطقة تهدد الأمن القومي المصري.
لماذا لم تتحرَّك مصر حينها حمايةً لأمنها القومي كما تدَّعي الآن؟ هذا أمرٌ غريب ويثبت أن ما تفعله مصر فزاعات وشماعات لا أكثر، وتدعي أن الجماعات الإرهابية والمليشيات تهدد الأمن القومي المصري، مع العلم أن من تكفَّل بالقضاء على أكبر تجمُّع للإرهابيين وخاصة من داعش خارج سوريا والعراق، وإنهاء تواجد إمارة سرت هي حكومة الوفاق الوطني، من خلال قوات البنيان المرصوص والتي على مدى ستة أشهر في سنة 2016، تمكنت من القضاء على التنظيم واجتثاثه من سرت وتحييد أكثر من 3 آلاف عنصر داعشي، وقدَّمت حكومة الوفاق 742 شهيدا في هذه العملية البطولية، وحكومة الوفاق إلى حد الساعة لا تزال تواصل محاربة فلول داعش والقاعدة وجميع العناصر الإرهابية.
أما شماعة المليشيات الذي تلوكه القاهرة، فهو كلامٌ مردود على مصر، لأن حليفها حفتر هو رأس المليشيات بامتياز، ولا بأس أن نذكِّر مصر، بأن مليشيات حفتر تتكون من عناصر أجنبية كالجنجويد من السودان، وعناصر تشادية ومرتزقة فاغنر الروسية، ومرتزقة سوريين تم نقلهم عبر شركة فاغنر، دون إغفال المليشيات المحلية التي ليست لها علاقة بالجيش النظامي المحترف.
في المقابل، قوات حكومة الوفاق الوطني ومنها قوات بركان الغضب، جميع قياداتها ومن يقودوا محاور القتال وغرف العلميات العسكرية هم ضباطٌ في الجيش الليبي متواجدون في الجيش منذ عشرات السنين ولهم رتبٌ عالية.
وبالتالي الادِّعاء أن كل من يقاتل إلى جانب قوات الوفاق هم مليشياتٌ، هو ادِّعاءٌ كاذب، نعم هنالك مدنيون كثَّر تطوعوا من المدن المختلفة للمشاركة في عملية الدفاع عن العاصمة طرابلس، وتحرير مناطق في غرب وجنوب البلاد، والآن يشاركون في عملية تحرير سرت والجفرة، لكن القادة الذين يخططون للمعارك ويديرون المعركة هم ضباط عسكريون تابعون لحكومة الوفاق، وهذا دليل على أن حكومة الوفاق لا تتكون من مليشيات وإرهابيين كما يدّعي النظامُ المصري ومحور الدول الداعمة لحفتر، وهذا من باب الدعاية المغرضة وشيْطنة الآخر، وتجدهم بالمقابل يتغاضون عن المليشيات والمرتزقة متعددة الجنسيات التي تقاتل وتحارب مع حفتر.
وماذا عن باقي مبرّرات المصريين للتدخّل في ليبيا؟
أحد المبررات من الجانب المصري هو شعورهم أنه تم تهميشها من قبل روسيا، وأن روسيا المتحكم في أوراق اللعبة من جانب حفتر والمنطقة الشرقية، والأمر الآخر دخول تركيا، علما أن تركيا لم تكن متواجدة طيلة السنوات الست الماضية، فكانت الساحة الليبية لمتدخلين آخرين كمصر والإمارات والسعودية وفرنسا وروسيا إلى جانب حفتر.
دخول تركيا كدولة قوية في المنطقة وعضو في الحلف الأطلسي بكل ما تملكه من جيش قوي وتقنية عسكرية متطوِّرة جدا، أزعج المصريين وأدركوا أن هذا التطور غيّر المعادلة وميزان القوى، وأفشل مشروع حفتر في السيطرة على ليبيا بالكامل، وهو المشروع الذي راهن عليه النظام المصري، وراهنت عليه دول المحور التي دعمت حفتر، ومن ذلك الإمارات والسعودية وفرنسا وروسيا.
حكومة الوفاق وقَّعت اتفاقية أمنية مع تركيا، هل بالإمكان حصول مواجهة عسكرية مصرية تركية؟
لا أتصور أن مصر ستغامر بدخول ومواجهة مع الجيش التركي لأنه لا توجد مقارنة بين قدرات الطرفين، تركيا أقوى بكثير وهي عضوٌ في حلف الأطلسي، والطائرات المصرية من طراز” أف 16″ هي أسلحة أميركية، وأمريكا شريكة لتركيا في حلف الناتو، ولهذا لا نتصور أن واشنطن ستسمح باستخدام أسحلتها ضد أحد أعضاء حلف النيتو.
سبق للجزائر تأكيد أن طرابلس خط أحمر في ذروة هجوم حفتر، ماذا تنتظرون منها في هذا الظرف الحساس؟
قالت الجزائر في أفريل 2019 على لسان وزير خارجيته صبري بوقادوم من تونس، إن طرابلس عاصمة مغاربية وأنها خط أحمر، ولذلك كان أملنا أن الجزائر وبقية الدول المغاربية ستدافع عن العاصمة المغاربية، ولا تسمح لها بالسقوط أمام حملة عسكرية شرسة ومؤامرة تقودها دولة عربية أخرى تبعد عن الفضاء المغاربي بأكثر من 5 آلاف كم.
نقدِّر أن للجزائر خصوصية وأن دستورها يمنع تنفيذ الجيش مهامّ قتالية خارج الحدود، ولكن يمكن للجزائر أن تؤدّي دورا سياسيا قويا في دعم الشرعية في ليبيا، ودعم حكومة الوفاق الوطني التي يعترف بها المجتمع الدولي والأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن، وتتمسّك بأن تبقى طرابلس عاصمة للحكومة الشرعية، وتدعم الجزائر تطلُّعات الشعب الليبي في بناء دولة مدنية دستورية، وأن الشعب الليبي يرفض بالكامل مشروع الانقلاب العسكري الذي يقوده خليفة حفتر، وأن تقف الجزائر ضد عسكرة ليبيا وفرض أمر عسكري من خارج حدودها.
وأعتقد أن الجزائر، ضمنيا وبلغة دبلوماسية متوازنة نتفهمها، تفعل ذلك وتقول ذلك وتدافع عن الشرعية وتحترمها، ولا نتصور أن الجزائر تعترف بأيِّ شرعية سياسية لحفتر، ولا نتوقع أنها ستمنحه الشرعية السياسية كما فعلت فرنسا ودول أخرى لما منحت حفتر شرعية سياسية وجعلت منه لاعبا سياسيا رئيسا في الملف الليبي على المستوى الدولي.
متوقعٌ من الجزائر أن تحقق خطوات عملية في مجال جمع الأطراف الليبية المختلفة في ملتقى أو ملتقيات، تقود إلى مصالحة وطنية، مسعى المصالحة الوطنية هو مطلبٌ مهمّ وهدف أساسي لاستقرار ليبيا، ستكون رافدا وداعما لأي اتفاق سياسي يمكن أن نصل إليه في الفترة القادمة، ولكن نعلم أن هنالك مسارا سياسيا تشرف عليه بعثة الأمم المتحدة وأن إتفاق الصخيرات 2015 مازال يشكل الإطار والأرضية التي يمكن البناء عليها للوصول إلى اتفاق سياسي جديد ونهائي.
جهود الجزائر وتونس يمكن أن تكون في مسار موازي لمسار الاتفاق السياسي، ويمكن أن تعمل على مسار تحقيق المصالحة الوطنية كما نجحت في تحقيقه بمالي، هذه المصالحة ستكون رافدا قويا يدعم ويقوي ويزيد من فرص نجاح أيِّ اتفاق سياسي يصل إليه الليبيون في المرحلة القادمة.
تحدث الرئيس عبد المجيد تبون عن مبادرة مع تونس، هل تم إطلاعكم على تفاصيل المبادرة، وهل يمكن لها تحقيق السلم، خاصة أن مخرجات مؤتمر برلين، لم تجد سبيلا للتحقيق؟
بخصوص وجود مبادرة سياسية جديدة، فهذا الأمر لم يتم الكشف عن تفاصليه بعد، وننتظر الرئاسة الجزائرية والدبلوماسية الجزائرية لكي تفصح عن المبادرة وإمكانية نجاحها على أرض الواقع، مع العلم أننا نراقب ونتابع النشاط الدبلوماسي القوي للجزائر وتواصلها مع عدة أطراف كإيطاليا وروسيا وتركيا وفرنسا، ودول أخرى بشأن الملف الليبي، وهذا الجهد الدبلوماسي محل تقدير كبير ومؤشر على أن الجزائر أصبحت تولي الملف الليبي أهمية قصوى، وتسعى جاهدة في العمل لحلحلة الأزمة الليبية وتحقيق السلم والاستقرار الدائم.
تأكد أنَّ للجزائر مسعى قويا لتحقيق السلم، في الجانب الآخر من يعمل على إطالة عمر الأزمة، ماذا يريد؟
من يعمل على إطالة الصراع واستمرار الانقسام هي الدول والمحور الذي دعم مشروع حفتر العسكري الانقلابي، هي الدول التي دعمت المجرم حفتر في هجومه على طرابلس العاصمة، والهجوم على حكومة معترف بها من كل العالم، ومحاولة القضاء عليها والسيطرة على السلطة بالقوة، وإعادتنا إلى حكم الفرد المطلق.
هذه الدول وهذا المحور وخاصة الإمارات هي التي تعمل على إطالة حالة عدم الاستقرار والاقتتال، ولا بد أن تصل رسائل قوية من جيران ليبيا وخاصة من دولة محورية ومركزية كالجزائر إلى هذه الدول التي تصرُّ على عدم الاستقرار في ليبيا، كما سمعنا رسالة من الرئيس تبون أن قضية تسليح القبائل هو أمرٌ خطير ومرفوض.
نريد كذلك رسائل سياسية قوية إلى الدول التي تبعد عن ليبيا آلاف الكيلوميترات، وهي دولٌ عربية للأسف تعمل على زعزعة استقرار ليبيا وبالتالي تهديد استقرار الفضاء المغاربي، وعلى هذه الدول أن تتراجع وتنسحب وأن توقف هذا التدخل السلبي المدمر في ليبيا.
نتمنى من الجزائر بثقلها ومحوريتها في العالم العربي والجامعة العربية أن توصل هذه الرسالة بقوة إلى أيِّ طرف عربي أو غير عربي يصرُّ على الاستمرار في تعميق الانقسام والصراع في ليبيا.
كان لافتا تصريح الرئيس التونسي بشأن شرعية حكومة الوفاق، هل هنالك تراجع في المواقف منذ وصول الرئيس سعيد إلى الحكم؟
عندما تكلم الرئيس التونسي قيس سعيد في باريس بجوار ماكرون، أن حكومة الوفاق تملك شرعية مؤقتة، فإننا نحسن الظن ونقول إنه قصد إن هذه الحكومة مؤقتة وليست دائمة ولم تنبثق عن دستور دائم ولا عن انتخابات مباشرة من الشعب وهي حكومة جاءت في مرحلة صراع وانقسام ونتاج لاتفاق سياسي وأن لا بد لهذه الحكومة أن تسلم السلطة قريبا لحكومة أخرى منتخبة من الشعب أو حكومة أخرى يعيِّنها برلمانٌ انتخبه الليبيون، بعد أن يُقرَّ الليبيون دستورهم الدائم.
نختلف مع الرئيس قيس سعيد لما قال إنه يمكن لمجموعة من القبائل أن يضعوا دستورا جديدا، لقد شعرنا أن الرئيس التونسي مغيَّبٌ تماما عن الوضع في ليبيا، فلو كان متابِعا بدقة لأدرك أن هنالك مسودة للدستور جاهزة أنجزتها هيئة لصياغة الدستور من 60 شخصية انتخبها الشعب الليبي سنة 2014، وأنهت مهمَّتها بصياغة مسودة كاملة لدستور دائم، ولكن المسودة تنتظر شرطا أساسيا وهو عرضها على الشعب الليبي على استفتاء عام ليصوت عليها بثلثي الأصوات حتى تصبح دستورا دائما، وهذا الدستور يحدد ملامح الفترة الدائمة، وهي انتخاباتٌ رئاسية وبرلمانية لفترات محددة ينص عليها هذا الدستور.
التدخلات الخارجية هي التي تعمِّق الصراع وهي التي منعتنا من الوصول إلى هذه المرحلة الدائمة لتكون انتخابات وفق دستور دائم وحكومة لها شرعية دائمة وليس حكومة لها شرعية مؤقتة كما قال الرئيس التونسي.