هل حان موعد فضّ الجزائر للشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟

0
هل حان موعد فضّ الجزائر للشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟
هل حان موعد فضّ الجزائر للشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟

أفريقيا برس – الجزائر. خلق توجه الطرف الأوروبي إلى التحكيم مع الجزائر، فيما يتعلق بالخلافات الدائرة حول ملف الشراكة، رأيا عاما لدى المختصين يدفع بقوة إلى الخروج من هذا الاتفاق، لكونه لم يعد يقدم أي إضافة للطرف الجزائري، عكس ما تم عليه الاتفاق في الوثيقة الموقعة بالأحرف الأولى في سنة 2002، قبل أن تدخل حيز التنفيذ في سنة 2005.

ويستند أصحاب هذا الطرح الذي ألمح إليه الرئيس عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة، على بنود الاتفاق ذاته، الذي يتيح للطرف المتضرر إبداء نيته في ذلك في مدة لا تتعدى الستة أشهر.

ويبرر القائلون بهذا التوجه موقفهم بعدم التزام الطرف الأوروبي بما وقع عليه، من قبيل الالتزام بنقل التكنولوجيا، والمساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني عن طريق استثمارات منتجة وفعالة، وليس الاستثمار في قطاع الخدمات، ولاسيما ما تعلق منه بالبنوك وشركات التأمين، وليس أدل من ذلك على عجز الأوروبيين في إرساء صناعة سيارات مندمجة في الاقتصاد الوطني، كما في حالة شركة “رونو”، التي لم تتمكن من رفع نسبة الاندماج بعد سبع سنوات إلى 5 بالمائة، في حين أن دفتر الشروط، تحدث عن ثلاثين بالمائة، وهذا مجرد مثال فقط على غياب النية لدى الطرف الأوروبي في تعزيز شراكتهم مع الجزائر. فهل هذا الخيار جاد ومفيد للجزائر؟ وهل هناك من شركاء يمكنهم تعويض الشريك الأوروبي؟ ومن المتضرر في حال حصلت القطيعة؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول الملف السياسي الإجابة عليها.

الوزير السابق والخبير الاقتصادي فرحات آيت علي: طلب الجزائر يصطدم بغياب آليات صريحة للمراجعة في الاتفاق

لطالما رفعت الجزائر مطلب مراجعة اتفاق الشراكة طبقا لنصوص الاتفاق بحكم أنها تعرضت لأضرار. لماذا تأخرت المراجعة وهل للطرف الأوروبي دور في ذلك؟

هذا المطلب المنطقي سياسيا واقتصاديا من وجهة النظر الجزائرية، يصطدم كل مرة بإرادة أوروبية بالإبقاء على كل بنود الاتفاق قائمة وسارية المفعول، نظرا لانتفاء الفائدة منه بالنسبة لهم إذا سمحوا للطرف الشريك باتخاذ إجراءات تقلص حصصهم من السوق الجزائرية، لفائدة المؤسسات المحلية أو غيرها الأجنبية بحكم تنافسيتها، أو لدوافع أخرى.

ويصطدم الطلب الجزائري حاليا وفي المستقبل، بحكم انعدام وجود آليات صريحة في مواد الاتفاق، تسمح بالمراجعة، وتحدد مجالات المراجعة وكيفياتها. والعرف في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، أنه يمنع استحداث أي آلية أو حق جديد لم يكن محددا في الاتفاقية الأصلية، إلا بإبرام اتفاقية جديدة تصبح إطارا جديدا للتعاقد.

– حمّلت الجزائر في وقت سابق تأخر اجتماع لجنة الشراكة للطرف الأوروبي والإسباني خصوصا.. لماذا؟ وماذا يريد الأوروبيون من وراء تعطيل الاجتماع؟

لجنة الشراكة المستحدثة بموجب المادة 95 من اتفاق الشراكة، والتي هي جزء من مجلس الشراكة الموجود بموجب المادة، 92 لا تجتمع لفض النزاعات أو للتحكيم المشار إليه في الفقرة الثانية من المادة 100 من الاتفاقية، لذلك لا أظن أن إسبانيا التي ترى نفسها متضررة من بعض الإجراءات التجارية ما بين 2022 و2023، سعت إلى تعطيل اجتماع اللجنة أو حتى التحكيم، بل على العكس أراها سعت إلى تفعيل آليات التحكيم لصالحها في ما تراه إخلالا بمواد الاتفاقية المتعلقة بحرية التجارة والاستثمار.

والأوروبيون حريصون على إقامة اتفاقيات تخدم مصالحهم قبل إمضائها، كما هم حريصون على احترام كل بنودها حرفيا، ما دامت تخدمهم، لذلك في رأيي كانوا ينتظرون عزوف الجزائر عن تطبيق الإجراءات المخلة بحقوقهم التجارية في الاتفاقية، قبل المرور إلى التحكيم مباشرة، مع العلم أن التحكيم خطر على الجزائر إذا قبلت به، وإخلال بالاتفاقية إذا رفضت التحكيم أو نتائجه المرتقبة إن جرى كما يعد له.

– كيف تلقيتم خبر توجه الاتحاد الأوروبي نحو التحكيم الدولي بخصوص قضية اتفاق الشراكة؟

التحكيم المنصوص عليه في المادة 100 فقرة 2 من اتفاقية الشراكة، ليس تحكيما دوليا بالمعنى المتعارف عليه، بل تحكيم بين طرفي الشراكة، ضمن اختصاص مجلس الشراكة المشترك المذكور في المادة 92. وبذلك سيكون التحكيم بثلاثة حكام أحدهم يمثل الاتحاد الأوروبي المشتكي، الثاني الجزائر كمشتكى منها، وثالث يمثل مجلس الشراكة الذي هو مكون من طرفي الاتفاقية في نفس الوقت.

والتحكيم سيكون على الالتزام ببنود الاتفاقية من عدمه، وليس على الأضرار التي لحقت بكل طرف بموجب الاتفاقية، لن يحكم على الاتفاقية بل على درجة الامتثال إلى بنودها والإخلال بتلك البنود. وفي هذا المنظور أرى أن التحكيم إن قبلته الجزائر، سيكون لفائدة الطرف الأوروبي حصريا، نظرا لعدم امتثالنا للمواد التي أصبحت محل نزاع بين الطرفين، وليس له أن يحكم على مصلحة أي طرف من بند أمضى عليه رغم ضرر البند على مصالحه.

– سبق أن هددت الجزائر بالخروج من الاتفاق إذا واصل الطرف الأوروبي هروبه إلى الأمام. هل من مصلحة الجزائر الخروج من الاتفاق أم الاكتفاء بمراجعته فقط؟

نعم، سبق ذلك في عدة مرات، وكنت أحد المهددين بذلك في وقته في اجتماع أراد الاتحاد الأوروبي عبر مجلس الشراكة، دفعنا إلى إلغاء رسم استثنائي استحدثناه للتعويض عن الخسارة الجبائية التي أحدثها الوصول إلى انعدام الرسوم الجمركية تماما على السلع الأوروبية في سنة 2020 تطبيقا لمواد الاتفاق من المادة 01 إلى 24، وما زلت متمسكا بضرورة وصواب الخروج من الاتفاقية جملة وتفصيلا، عوض انتظار مراجعة لن يقبلها الطرف الأوروبي، وحتى إن قبلها ستكون طفيفة ولا تمس بمزاياه في السوق الجزائرية ولا بحقوقه في التدخل في بعض الأمور الداخلية عندنا.

أما الهروب إلى الأمام، فهم لا يرون الأمر كذلك، وهم على حق قانونيا في ذلك، لأن الاتفاقيات تنفذ وتفسخ لا أكثر ولا أقل، ولا يهم من تخدمه ومن تضره، ما دام الخيار هو بين الامتثال أو الخروج، وليس بين البقاء في اتفاقية والمطالبة بتغييرها. إلا إذا كنا في مركز قوة في نظر كل البلدان المعنية بالاتفاقية، أو ذوي منفعة لا يمكن الاستغناء عنها للجميع وليس لأطراف بعينها في أوروبا.

– يشتكي الأوروبيون من تفضيل الجزائر لشراكات مع الصين وبدرجة اقل تركيا، على حساب الأوروبيين. هل لمستم هذا، وهل الإجراءات الأخيرة المتعلق بالسيارات المستوردة من آسيا ولاسيما الصين يندرج في ذلك السياق؟

هذه الشكوى لا يعللها دليل قانوني، لأن قانون الصفقات العمومية واضح ويتيح لكل الأطراف المنافسة على قاعدة مدونة في نفس دفاتر الشروط التي تعرض على كل الأطراف، وإن كانت شركاتهم تستوفي شروط النجاح في المنافسة، سيكون لها ذلك، أما إذا طعنت في نزاهة وشفافية المنافسات فذلك أمر آخر يطعن مباشرة في نوايا الجزائر كشروط.

وأغلب الظن أن الشركات والسلطات الأوروبية تبني شكواها على سند المادة 46 من الاتفاقية والتي تعتبر مادة كارثية، بحكم أنها تتعارض والقوانين الوطنية، بنصها الذي كان يعتبر وعدا بفتح سوق المشاريع العمومية على مصراعيه لشركاتهم، بموجب تحريره. ما لا يوجد عندهم ولا حتى بينهم في الاتحاد الاوروبي، لكنهم استطاعوا فرضه كمادة في اتفاقية الشراكة معنا.

أما ملف السيارات فذلك ملف آخر، ولا أرى أي توجه إلى أي بقعة أخرى من الأرض، على حساب الشركات الأوروبية والدليل مصنع “فيات” الوحيد تقريبا في التركيب حاليا، والاتفاقية تمنع تلك التجاوزات في حق الشركاء ولم تقم الجزائر بأي إجراء من هذا القبيل.

– كيف تتوقعون المخرج من الأزمة الراهنة بين الجزائر وبروكسل؟

أرى أن من الوجهة السياسية والضرر الاقتصادي نحن على حق في الطلب بمراجعة الاتفاقية، إلا أنه على الجانب القانوني هم على حق في المطالبة باحترام بنود الاتفاق حرفيا. وبما أن التحكيم يقوم على الجانب القانوني وليس على دفوع الطرفين في عدم الامتثال لبنوده، فلن يقبلوا بشروطنا إلا إذا كان موقعنا قويا مع كل المجموعة وليس بعضها، وأن التحكيم سيكون في صالحهم.

لذلك لن يبقى إلا التهديد بالخروج قبل التحكيم، والخروج بعده إن كان التحكيم ضدنا، لأن عكس الخروج سيكون الخضوع للتحكيم، وليس البقاء برفض التحكيم.

الناشط الجمعوي والباحث في العلوم السياسية جمال قسوم: باريس تجرّ بروكسل نحو نزاع عقيم.. وإيطاليا مؤهلة للوساطة

قال الباحث والناشط السياسي والجمعوي الجزائري المقيم في فرنسا، جمال قسوم، إن إيطاليا وبحكم موقعها كثالث قوة اقتصادية في الاتحاد الأوروبي، وكذا علاقاتها المتينة والقوية مع الجزائر، قادرة على لعب دور الوسيط بين الجزائر وبروكسل، كما ألمح إلى دور فرنسي من وراء الستار، يستهدف جر الاتحاد إلى نزاع قانوني وسياسي مع شريك بحجم الجزائر من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.

وأوضح قسوم أن روما، باعتبارها من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، قادرة على لعب دور الوسيط بين الجزائر وبروكسل، مؤكدا أن تصريحات وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، خلال زيارة الرئيس عبد المجيد تبون الأخيرة لروما، تعكس رغبة حقيقية لدى إيطاليا في تخفيف التوتر والعمل على التهدئة.

وأشار الباحث في العلوم الاجتماعية والسياسية، إلى أن اتفاق الشراكة الساري المفعول منذ عام 2005 بين الجزائر والاتحاد الأوروبي يتضمن بنودا سياسية لا مكان لها في اتفاقات اقتصادية، مثل تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية التعبير، مؤكدا أن إدراج مثل هذه الشروط “يؤسس لعلاقات غير متوازنة ويمس بسيادة الجزائر”، داعيا إلى مراجعة شاملة لهذا الاتفاق الذي لم يعد يخدم مصالح الجزائر.

وألمح قسوم، إلى أن الإجراءات التحكيمية التي باشرتها المفوضية الأوروبية ضد الجزائر، لا تعكس موقفا جماعيا داخل الاتحاد الأوروبي، بل تعبر عن تحرك فرنسي من وراء الستار، يسعى للضغط على الجزائر من أجل إعادة فتح سوقها أمام المنتجات الفرنسية، التي باتت محاصرة بشكل غير مسبوق.

وأوضح الباحث قسوم الذي يعتبر من المؤسسين للمعهد الوطني للتدريب والوساطة في باريس، أن “فرنسا تلعب الدور الرئيسي في هذه الأزمة، أما بروكسل فهي مجرد منفذ لخطة فرنسية تستهدف معاقبة الجزائر بسبب توجهاتها السيادية”، مشددا على أن بقية دول الاتحاد لم تتضرر من السياسات الاقتصادية الجزائرية، ما يجعل من الحديث عن خلاف أوروبي جزائري أمرا بعيدًا عن الواقع.

وكما هو معلوم فقد لجأت المفوضية الأوروبية قبل أسابيع إلى إجراءات تحكيمية ضد الجزائر، بسبب ما زعمت أنها قيود فرضها الطرف الجزائري على التجارة والاستثمار. وردت الجزائر عبر بيان لوزارة الخارجية عبرت فيه عن استغرابها تجاه قرار بروكسل الذي وصفته بـ”المتسرع” والأحادي الجانب، ورأت بأن هذا الإجراء يعد مخالفة لاتفاق الشراكة الذي يربط الطرفين، وأن تقييم نتائج المشاورات بين الطرفين من صلاحيات مجلس الشراكة، الذي لم ينعقد منذ 5 سنوات رغم الطلبات الملحة والمتكررة للطرف الجزائري.

وأكد جمال قسوم أن الجزائر لم تغلق سوقها أمام أوروبا بشكل عام، بل طبقت قيودا غير رسمية تجاه فرنسا فقط، وهو ما يجعل من الصعب على هذه الأخيرة تبرير أي إجراء قانوني ضد الجزائر، خاصة أن إسبانيا نفسها لم تدخل في أي نزاع بعد التوصل إلى تفاهم مع الجزائر.

وأضاف المحلل السياسي أن فرنسا فقدت امتيازاتها في السوق الجزائرية في قطاعات استراتيجية كالحبوب، واللحوم، ومشتقات الألبان، ومنتجات صناعية أخرى مثل قطاع السيارات، ما يفسر تصعيدها ومحاولاتها إلباس الأزمة بعدا أوروبيا. وذكّر قسوم أن الجزائر طالبت في عدة مرات بعقد اجتماع لمجلس الشراكة دون أن تتلقى أي رد من الجانب الأوروبي، وهو ما يعكس حسبه، غياب الإرادة لدى بروكسل في فتح حوار متكافئ.

وقال في هذا الصدد “من غير المفهوم أن الجزائر، وهي شريك مهم، لا تجد آذانا صاغية من الطرف الأوروبي، رغم أنها تحترم التزاماتها وتطالب فقط بعلاقات متوازنة”. وفي نظر قسوم، تملك الجزائر كل المقومات التي تخولها الخروج من هذا الاتفاق، عبر تفعيل بند الإنهاء المسبق الذي يتطلب فقط إشعارا مسبقا يدوم ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، ثم التفاوض على اتفاق جديد مبني على أسس عادلة ومتوازنة.

وتابع بالقول: “الوضع الحالي لا يخدم الجزائر، فكل دولار تصدره الجزائر إلى أوروبا، يقابله تدفق سلع أوروبية بنحو 10 دولارات نحو السوق الجزائرية، وهذا اختلال صارخ لا يمكن القبول به”. وانتقد قسوم التغييرات العميقة التي عرفتها أوروبا منذ معاهدة ماستريخت، والتي أفرغت المشروع الأوروبي من مضامينه الاجتماعية، مشيرا إلى أن صعود اليمين المتطرف في عدة دول أوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، قضى على ما تبقى من البعد التضامني داخل الاتحاد.

وقال المتحدث “لم تعد أوروبا اليوم تحمل مشروعا اجتماعيا، بل أصبحت تحكمها قوانين السوق فقط، دون اعتبار للعدالة الاجتماعية أو التوازن بين الشركاء”. وخلص قسوم إلى التأكيد على أن الجزائر تملك أوراق قوة حقيقية على الساحة الأوروبية، وأن تعزيز علاقاتها مع قوى فاعلة مثل إيطاليا، إسبانيا، وألمانيا، خاصة بعد دعوة الرئيس الألماني لنظيره الجزائري، من شأنه أن يمنح الجزائر ثقلا جديدا داخل أوروبا، ويكرس نهج الشراكات المتوازنة بدل الخضوع للابتزاز السياسي.

ولاحظ جمال قسوم أن “ما يروج له من تضامن أوروبي ليس سوى وهم، بدليل تباين المواقف داخل الاتحاد نفسه، وغياب أي دفاع أوروبي موحد أو موقف مشترك وفعال”.

المصدر: الشروق

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here