أفريقيا برس – الجزائر. تتعاطى السلطات الفرنسية مع قضية الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال، بنوع من التعالي والكبر وهي تطالب نظيرتها الجزائرية بإطلاق سراحه، كأن الجنسية الفرنسية التي حملها صنصال لمدة سنة فقط، تختزل كل السنوات الـ74 التي قضاها حاملا للجنسية الجزائرية.
بل أكثر من ذلك، فإن التساؤل يفرض نفسه في هذا الاتجاه: هناك 2297 سجين فرنسي بالخارج: فهل أضحى صنصال، المُجنّس حديثًا، هو الوحيد الذي يهمّ الفرنسيين؟ أم أن هناك خفايا أخرى غير مصرح بها في هذا الملف؟
ولليوم الثاني على التوالي، يستمر جنون السياسيين والإعلاميين الفرنسيين، فقد خرجت صوفي بريما، الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية، لتشكّك مجدّدا في مصداقية العدالة الجزائرية، وهي تتحدث عن “تهم غير مؤسسة”، تلك التي أدين بسببها الكاتب الفرانكو جزائري، كما أنها لا تجد حرجا في تهديد الجزائر بما يسمونه “الرد التدريجي”، الذي يتبناه وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، في حال رفض الإفراج عن صنصال.
وعلى الرغم من ذلك، لا يجد الفرنسيون، ومنهم صوفي بريما حرجا، في طلب العفو من الرئيس، عبد المجيد تبون، كما قالت في تصريحات للقناة الفرنسية اليمينية المتطرفة “سي نيوز” صبيحة الأربعاء: “فرنسا تعتمد الوسائل الدبلوماسية في مطالبة الرئيس عبد المجيد تبون، بإقرار عفو إنساني على مواطننا بوعلام صنصال، وإيقاف التصعيد، لأن الشعبين الفرنسي والجزائري لهما تاريخ مشترك”.
وتتجاهل السلطات الفرنسية كافة المطالب الجزائرية المتعلقة بترحيل مطلوبين للعدالة، وقد قدّرها مصدر خاص بـ”51 إنابة” لمتهمين تورطوا في الإضرار بالوحدة الترابية وبالاقتصاد الوطني، لم تبد باريس أي نية لتسليمهم للجزائر، بالرغم من وجود اتفاقيات تعاون في مجال القضاء.
ومنذ تثبيت الحكم الصادر بحق بوعلام صنصال بخمس سنوات سجنا نافذا، دخل الفرنسيون في حالة من الهيستيريا، تجاوزوا خلالها كل الخطوط الحمراء، من خلال التشكيك في قانونية ومصداقية قرار إدانة بوعلام صنصال، في تدخل سافر في الشؤون الداخلية للجزائر، وبصورة أدق ضرب مصداقية القضاء الجزائري، السيّد، كما أكد على ذلك الرئيس، عبد المجيد تبون في أكثر من مناسبة.
غير أن الطرح الذي تتبناه فرنسا الرسمية، لا تتقاسمه معها أطراف سياسية فرنسية أخرى، ومنها حزب “فرنسا الأبية”، برئاسة جون لوك ميلونشون وغيره من أبناء التيار اليساري، الذي يحمّلون المسؤولية لقصر الإيليزي ومحيطه السياسي، بالتسبّب في توتير الأجواء وتسميم العلاقات الثنائية، ثم الاستمرار في استفزاز السلطات الجزائرية انطلاقا من مؤسسات سيادية على مستوى البرلمانين الفرنسي والأوروبي.
وقد عبّرت عن هذا النائب في البرلمان الأوروبي، مانون أوبري، عن حزب “فرنسا الأبية”، والتي حمّلت مسؤولية تعقيد ملف بوعلام صنصال لأطراف فرنسية، حيث اتهمت مانون أوبري تلك الأوساط بتجاهل جميع الرهائن الفرنسيين الموزعين في العالم (مثل إيران وأذربيجان وغزة)، وبالمقابل، التركيز على الجزائر، في مشهد يبقى غير مفهوم وغير مبرر.
وتساءلت مانون أوبري: “لماذا تركّزون على صنصال فقط مع أن هناك العديد من المساجين الفرنسيين في العديد من الدول؟”، ودافعت عن عدم وقوف حزب “فرنسا الأبية” مع مشاريع لوائح وقوانين لدعم صنصال في البرلمانين الفرنسي والأوروبي، وقالت إن الهدف من تلك اللوائح، ليس الإفراج عن صنصال وإنما استفزاز الجزائر.
للإشارة، فإن الإحصاءات الفرنسية الرسمية بهذا الصدد تؤكد تواجد 2297 سجين فرنسي في الخارج: فلماذا التركيز فقط على صنصال، المُجنّس حديثًا، من دون باقي الفرنسيين؟ ما يثبت أن النية مبيّتة سلفًا صوب الجزائر، وليس المعني سوى حسان طروادة في هذه الزوبعة.
وخاطبت النائب الأوروبي، الصحفية من أصل تونسي صونيا مبروك العاملة بقناة “سي نيوز”: “أيهما أفضل التهدئة مع الجزائر وتفضيل الحوار والحلول السياسية أم التصعيد؟ أنتم تريدون رفع منسوب التوتر مع الجزائر، وتحاولون حتى الضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل إلغاء اتفاق الشراكة مع الجزائر”. وأضافت: “إذا أردتم إطلاق سراح صنصال، عليكم بالحوار والهدوء وتجنّب التصعيد”.
وقالت أوبري، إنها لم تصوّت على لائحة البرلمان الأوروبي لأن “الهدف لم يكن من أجل إطلاق سراح صنصال، وإنما من أجل التصعيد مع الجزائر، وهذه أسوأ إستراتيجية في طريق الإفراج عن الكاتب”.
النقاش حول قضية صنصال غزا بقوة شبكات التواصل الاجتماعي، ودخل المرشّح السابق للانتخابات الرئاسية في كل من فرنسا والجزائر، رشيد نكاز على الخط، وقال في فيديو على منصة “يوتيوب”، إنه يدعو الرئيس، عبد المجيد تبون، إلى عدم التجاوب مع مطالب العفو عن الكاتب الفرانكو جزائري.
وهاجم نكاز الوزير الأول الفرنسي، فرانسوا بايرو بسبب استهدافه القضاء الجزائري على خلفية هذه القضية، وقال: “بايرو يصرح وكأنه يتحدث مع الحاكم العام للجزائر في عهد الاستعمار.. لا أحد يستطيع تهديد الجزائر.. هل نسيتم وضع قنصل جزائري في الحبس في 13 أفريل 2025، أم أن العدالة الفرنسية حرة والجزائرية غير حرة؟”.
الفرنسيون على وقع صدمة وباتوا يتحدثون عن ضعف حكومتهم أمام الجزائر، وهذا كلام الفيلسوف باسكال بروكنر، العضو بلجنة دعم صنصال: “الجزائر تقود حربا ضد فرنسا. الحكومة الفرنسية ضعيفة، هي عاجزة عن إطلاق سراح صنصال”، ودعا ماكرون للخروج عن صمته والاستنجاد بالاتحاد الأوروبي.
وسخر الكاتب والسياسي الفرنسي، جيلبار كولار، من إيمانويل ماكرون وحكومته بعد إدانة صنصال، وكتب في تغريدة على حسابه في منصة “إكس” قائلا: “ماكرون وجون نويل بارو (وزير الخارجية)، اللذان لا يستطيعان حتى الحصول على إطلاق سراح بوعلام صنصال، يريدان التفاوض على السلام بين إسرائيل وإيران، من خلال التحدث مع الحرس الثوري: هذان الرخويان الدوليان متعجرفان بشكل مثير للشفقة!”.
مثل هذه التغريدات، وإن كان ظاهرها انتقاد سلطة ماكرون وأعوانه وتعرية ضعفهم، فإنها في باطنها تحريض لأجل مزيد من التصعيد والتوتير مع الجزائر، لكن هذه الأخيرة لن ترضخ في كل الأحوال للمساومات والابتزاز فيما يخص أي محاولة للمساس بوحدتها وأمنها ومصالحها.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس