أفريقيا برس – الجزائر. في الآونة الأخيرة، راحت تبرز في الجزائر جهود حكومية، ترتكز في الأساس على هيئات مجتمعية ومؤسسات مستقلة، الهدف منها استعادة الكفاءات العلمية وأصحاب المشاريع المبتكرة في مختلف المجالات من الخارج… من المهجر. وتترافق الجهود الآيلة إلى إعادة توطين الجزائريين المهاجرين مع توفير تسهيلات لهؤلاء الذين يُعَدّون ذوي قيمة مضافة.
وكانت مجموعة من الشبّان المهاجرين، أصحاب المشاريع الصغيرة، قد وصلت إلى الجزائر قبل مدّة، في إطار برنامج “72 ساعة من المقاولاتية في الجزائر” الذي تنفّذه القافلة الوطنية “شاب فكرة”، وذلك بهدف استطلاع الإمكانيات المتاحة لهم من أجل العمل في الوطن وتنفيذ طموحاتهم فيه. فالتقى هؤلاء الشبّان المهاجرون مسؤولين في قطاعات مختلفة، في أعقاب لقاءات سابقة نُظّمت لمصلحة الكفاءات في الخارج، بهدف السماح لأفراد الجاليات الجزائرية بالتواصل المباشر مع كلّ الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في المجال الشبابي وكذلك المقاولاتي، إلى جانب تجسيد الأفكار العلمية والاقتصادية في البلاد، والتعرّف إلى كلّ الفرص والمحفّزات التي تقدّمها الجزائر للشبّان من أجل الاستثمار وتأسيس شركات.
ونُظّمت لقاءات لمصلحة الكفاءات وأصحاب المشاريع من الشبّان المهاجرين، جرى في خلالها شرح تصوّرات الجزائر الجديدة لإعادة استقطاب هذه الكفاءات والقدرات العلمية والعملية. وركّز أحد هذه اللقاءات على فرص الاستثمار وعالم الأعمال، بمشاركة الوكالة الجزائرية لترقية لاستثمار، ودار نقاش حول التحديات والفرص بمشاركة خبراء في تطوير الأعمال والاستشارات الاستراتيجية. وفي لقاء آخر، كان نقاش حول تمويل المشاريع ودعم المقاولات وتنميتها، شهد تفاعلاً لافتاً من قبل الشبّان الجزائريين المهاجرين، فطرحوا أسئلة وشاركوا بأفكار مبتكرة.
يقول رئيس القافلة الوطنية “شاب فكرة” أنيس بن طيب، وهو شاب بدوره، إنّ “هذه المبادرة ملهمة وتوفّر المساعدة للكفاءات في المهجر، من خلال نقل صورة واضحة إلى هؤلاء الشبّان عن ديناميكية الجزائر”. يضيف: “قبل فترة، كنت في بلجيكا، واستمعتُ إلى ما يشغل بال تلك الكفاءات المهاجرة، التي تحتاج الى تعزيز ثقتها وتيسير المسارات لمصلحتها، لجهة رفع كلّ الإكراهات الإدارية من أجل إنشاء المشاريع وتحسين الخدمات”. ويشدّد بن طيب على أنّ “بحسب ما أعتقد، نحن في حاجة الى زرع الأمل واسترجاع الثقة وتحسين الآليات التي تشجّع الكفاءات على خلق أفكارها ومشاريعها وتنفيذها في الجزائر”.
لكنّ الشبّان المهاجرين من الكفاءات وأصحاب الأفكار والمشاريع يظلّون في حاجة الى الاقتناع بتوفّر بيئة سليمة وداعمة في الجزائر، تسمح لهم بإنفاذ الأفكار والمشاريع المبتكرة في مختلف المجالات.
وفي خلال اللقاء الأخير الذي جرى بين وفد من المهاجرين ولجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، طرح هؤلاء جملة من التساؤلات تتعلّق خصوصاً برقمنة عمل القنصليات، ولا سيّما في ما يتعلّق باستخراج الوثائق الرسمية، مع ضرورة تخصيص حصص سكنية لأبناء الجاليات من أجل تشجيع قدومهم إلى الجزائر واستقرارهم فيها، تُضاف إلى ذلك ضرورة إنشاء مكاتب خاصة لمرافقة أبناء الجاليات في الوطن وفي بلدان الاغتراب، وتكييف برامج خاصة بالتحاق أبناء الجاليات بالتعليم، ووضع آليات تسهيل عودة الأطباء وأهل الاختصاص المقيمين في الخارج، واستحداث تصوّر أكثر وضوحاً في ما يخصّ التسهيلات المرتبطة بآليات توطين استثمارات الجاليات وضمانات التمويل المصرفي وغيرها.
ومنذ عام 2019، أولى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اهتماماً لافتاً بكوادر الجاليات الجزائرية في الاغتراب، فيما سعت السياسات الحكومية إلى دفعهم للمشاركة حيوياً في الخطط التنموية والمجتمعية الجديدة. وفي هذا الإطار، اتّخذ سلسلة إجراءات وقدّم محفّزات تهدف إلى تسهيل اندماج المهاجرين في الديناميكية الوطنية.
في سياق متصل، يرى النائب عن الجالية الجزائرية في فرنسا عبد الوهاب يعقوبي أنّ “الكفاءات الجزائرية في الخارج تحرّكها رغبة كبيرة للمساهمة في توطين مشاريع علمية ومهنية بالبلاد”. ويقول يعقوبي إنّ “الذين حضروا مبادرة شاب فكرة يمثّلون نموذجاً مشرّفاً للجاليات الجزائرية في فرنسا وبلجيكا وسويسرا ولوكسمبورغ. هم شبّان طموحون يحملون في قلوبهم حبّ الوطن، وفي عقولهم مشاريع تنموية تبني جزائر الغد”. يضيف اليعقوبي “من موقعي، بوصفي نائباً يمثّل الجالية الجزائرية، يتوجّب عليّ نقل كلّ المقترحات والانشغالات التي طرحها هؤلاء إلى السلطات المعنيّة، من أجل تحويل أفكار الجاليات إلى مشاريع ملموسة في داخل الوطن”.
ومن اللافت أنّ الحكومة الجزائرية، التي فشلت في السابق في إقناع الكفاءات من بين المهاجرين بالعودة إلى الوطن، تعمل اليوم لإفساح المجال أمام مبادرات مستقلة صادرة عن المجتمع المدني أو المؤسسات المستقلة، إذ هي أكثر قدرة على إقناع الكفاءات. فضلاً عن مبادرة القافلة الوطنية “شاب فكرة” التي تأتي تحت عنوان “72 ساعة مقاولاتية في الجزائر”، كانت جمعية الأطباء الجزائريين في ألمانيا برئاسة عبد الرحيم شنوف قد بادرت، قبل فترة قصيرة، إلى عقد لقاء في فرانكفورت الألمانية بين كوادر طبية مهاجرة ومسؤولين في الحكومة الجزائرية، من أجل مناقشة فكرة مقاولات طبية في الجزائر لمصلحة الكوادر الطبية الجزائرية في الخارج، والسعي إلى إقناع هذه الكوادر بالفرص الممكنة لنقل مشاريعها إلى الجزائر والمساعدة في نقل التكنولوجيات الجديدة المستخدمة في العلاج. وقد قُدّم، في خلال ذلك اللقاء، نموذج لمشروع ناجح نفّذه طبيب أسنان يُدعى إيدير مريجي عاد إلى الجزائر بعد 20 عاماً من ممارسة المهنة في فرنسا، وأسّس أكبر عيادة أسنان خاصة في ولاية تيزي وزو بالقرب من العاصمة الجزائرية.
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





