أفريقيا برس – الجزائر. أفرغ السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر، كزافييي دريانكور، ما في جعبته من أسرار لم يسبق له أن تحدث عنها بشأن الجزائر، في حوار مطول امتد لنحو ساعتين، كشف من خلاله عن خصوصية الجزائر بالنسبة لفرنسا، استنادا إلى شهادات شخصيات سياسية فرنسية نافذة عمل معها، كانت تدير دفة العلاقات مع الجزائر من خلف الستار.
وأبان دريانكور الذي عمل سفيرا في الجزائر لنحو ثماني سنوات موزعة على عهدتين، عن حقد دفين للجزائر، من خلال تقديم وقائع ومحاولة تغليفها بتحليلات مضللة، كما أكدت القرارات التي قال إنه اتخذها عندما كان سفيرا بها، أن الرجل مهووس باستهداف الجزائر وجاليتها ومصالحها.
يقول السفير الفرنسي في برنامج “المحافظ الجديد”، الذي يعده السياسي والنائب السابق، بول ماري كوتو، بحر الأسبوع المنصرم، إنه لما ترك منصبه كسفير في الجزائر في سنة 2012، كانت القنصليات الثلاث (العاصمة وهران عنابة)، تسلم 220 ألف تأشيرة للجزائريين، ولما عاد إلى المنصب ذاته بعد خمس سنوات من ذلك (في سنة 2017) تفاجأ بارتفاع العدد إلى الضعف 430 ألف، وكان يومها بيرنار إيميي هو السفير.
ويؤكد دريانكور أنه لما عاد إلى العمل كسفير في الجزائر باقتراح من سلفه بيرنار باجولي، طلب توجيهات من كل من وزير الخارجية حينها (2017) جون ايف لودريان، ووزير الداخلية جيرار كولومب، بشأن التعاطي مع ملف التأشيرة، “فقيل لي أفعل الأفضل، وحينها أقدمت بالتنسيق مع الوزارتين، على خفض العدد من سنة إلى أخرى. في السنة الأولى خفضتها من 430 ألف تأشيرة إلى 270 ألف، وواصلت التخفيض إلى 250 ألف في السنة الموالية”، وقد ألمح إلى أنه يقوم بذلك بحرص شخصي منه.
وكشف الدبلوماسي المتقاعد بالمناسبة، أن القنصليات الفرنسية الثلاث تسلم حاليا 200 تأشيرة في اليوم الواحد، مقابل 900 تأشيرة بالنسبة لإسبانيا، وهو يعلم كما جاء على لسانه، أن الحاصلين على التأشيرات من قنصليات إسبانيا كلهم يأتون إلى فرنسا، على حد زعمه.
وفي خضم الحوار، أورد دريانكور شهادة لمسؤول بارز في الخارجية الفرنسية، هو الأمين العام الأسبق للكيدورسي، أندري روس، قال فيها إن الجزائر تعتبر بلدا ينطوي على قدر كبير من الأهمية بالنسبة لفرنسا، إلى جانب العملاق الأوروبي، ألمانيا، وهو المعطى الذي يساهم في تسهيل فهم المتابعين للسعار الذي انتاب الكثير من السياسيين في باريس، منذ أن قررت الجزائر بلورة سياسة خارجية قائمة على الندية مع المستعمر السابق.
واعترف الدبلوماسي المخضرم بأن الجزائر استطاعت أن تقلب الطاولة على فرنسا في الأزمة غير المسبوقة التي تعصف بالعلاقات الثنائية، وقال إن “الجزائر باتت مسيطرة علينا ( L’Agerie nous tient) “، وشبه الرئيس تبون بتعامله مع فرنسا، بنظيره التركي رجب الطيب أردوغان مع ألمانيا، وأرجع ذلك إلى الـ6 أو 7 ملايين جزائري يقيمون في فرنسا، حيث أصبحوا ورقة ضغط ضد السلطات الفرنسية، مستشهدا في الوقت ذاته بقضية الكاتب الفرانكو جزائري، بوعلام صنصال.
وفي مغالطة كبيرة، قال إن فرنسا تركت في الجزائر مؤسسات قائمة، ومع ذلك لم تستغل كما يجب، محاولا تبييض صورة الاستعمار الفرنسي، مقارنة بنظيره الانجليزي، وضرب مثلا بدولة مثل ماليزيا التي كانت خاضعة للاستعمار البريطاني، وسبق له أن عمل بها سفيرا أيضا.
وقال: “فرنسا تركت مؤسسات في الجزائر، نظام ضرائب ونظام خزينة وتقسيم إداري، في حين أن الاستعمار البريطاني ترك في الهند وماليزيا وبعض الدول الإفريقية واستراليا ونيوزيلندا “طريقة تفكير”، بمعنى أنهم يحكمون من خلف الستار ويتركون السلطان أو الملك في الواجهة، باستثناء المغرب الذي كان مجرد محمية فرنسية”.
ولكنه تجاهل أن الاستعمار الفرنسي هو أغبى استعمار، فقد حكم البلدان المستعمرة بقوة الحديد والنار، وتبنى سياسة استيطانية وحشية، كما في الحالة الجزائرية، قائمة على حرمان الجزائريين من التعليم ومن الثروة ومن تسيير شؤونهم، وكان يستهدف من وراء ذلك توطين شعوب وافدة استأثرت بكل ثروات السكان الأصليين، ثم بعد ذلك يتهم الجزائريين بالفشل في النهوض ببلادهم.
وباعتباره أحد رموز الأوساط الحالمة بالجزائر الفرنسية، فقد أعاد ترديد أسطوانة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في سنة 2021، والتي قال فيها إن الجزائر لم تكن موجودة قبل سنة 1830، “كانت مجرد مركز أو ميناء تجاري (Comptoir) كانت هناك إيالة (تابعة للدولة العثمانية)، وذلك تبرير الاحتلال وتبييض ممارساتها الإجرامية.
وزعم دريانكور بوجود نية لدى السلطات الجزائرية في اجتثاث اللغة الفرنسية كثقافة ولغة واقتصاد لصالح اللغة الانجليزية، بتواطؤ من قبل الأمريكان والإنجليز، الذين أصبحوا يقدمون منحا للطلبة للدراسة، واستغرب وجود ثانوية فرنسية واحدة في الجزائر مقابل 45 في المملكة المغربية.
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس