أفريقيا برس – الجزائر. ينتظر أن يصل، ظهيرة الخميس، في حدود الثالثة زوالا، جثمان الراحل “لوصيف حماني”، إلى مطار “هواري بومدين”، قادما من فرنسا، حيث وافته المنية في الـ9 من شهر نوفمبر الجاري، بعد صراع مع المرض، على أن يتم الترحم عليه في القاعة الشرفية، قبل تحويله إلى ولاية تيزي وزو، لإلقاء النظرة الأخيرة عليه بالقاعة متعددة الرياضات، بملعب أول نوفمبر، لتكون قرية أقوفاف آخر محطة لجثمان الراحل، في انتظار تشييع جنازته ونقله إلى مثواه الأخير، ظهيرة غد الجمعة، بمسقط رأسه بآيت يحيى أعالي عين الحمام.
“لوصيف حماني”، أسطورة الملاكمة الجزائرية، صانع أمجادها، رحل عن عمر يناهز الـ71 سنة، بعد صراع مع المرض، إثر سكتة قلبية تعرض لها لأكثر من ثلاث مرات، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ليلة الـ9 نوفمبر.
ولد المرحوم بتاريخ 15 ماي 1950 بقرية ايقوفاف ايت يحيى بعين الحمام، وكان الطفل التاسع لوالدته، الوحيد الذي عاش لها وشقيقتيه بعد فقدان 8 أطفال.
الحديث عن “لوصيف” الملاكم لا يكتمل دون الحديث عن والدته “نا سمينة” التي كانت مصدر قوته وجمهوره وسنده طيلة حياتها وطيلة مشواره الرياضي.
أصدقاء الراحل وأبناؤه تحدثوا مطوّلا، خلال لقاءات تلفزيونية، عن العلاقة الوطيدة والفريدة بين المرأة الحديدية، الأم المجاهدة وابنها الرياضي، “نا سمينة”، بالإضافة إلى كونها أما ثكلى فقدت 8 أطفال لم يعيشوا طويلا، كانت مجاهدة من الرعيل الأول سجنها المستعمر الفرنسي عدة مرات وعذبها في زنزاناته، قبل أن تعاند الزمن وتجعل من ابنها الوحيد بطلا صنع أمجاد الملاكمة الجزائرية وعصرها الذهبي سنوات السبعينيات والثمانينيات، ليكون أول رياضي جزائري يحمل الراية الوطنية في المحافل الدولية، وتكون أول امرأة جزائرية تكسر طابو تواجد الجنس اللطيف في الفضاءات الرياضية عامة وقاعات الملاكمة على وجه الخصوص.
صور العجوز الجميلة بلباسها التقليدي ومجوهراتها الفضية ملأت صفحات الجرائد والمجلات، رافقت فريق شبيبة القبائل مع ابنها في مواعيد قارية هامة ورفعت كأس الجمهورية عاليا.
“نا سمينة” التي كانت أنثى في جسدها النحيف، ومصدر قوة وسند لابنها منذ نعومة أظافره، سهرت على تربيته وحمايته، ورافقته طيلة مشواره الرياضي وفي جميع مبارزاته داخل وخارج الوطن، ومن بين المباريات الـ27 الأهم في مساره اللامع، ضيع ثلاثا منها وكان السبب الرئيس غيابها عن المدرجات، الدعم النفسي الذي كانت تمثله له لم يكن تواجد الآلاف من العشاق والجماهير يضمنه لـ”لوصيف” يقول أحد أصدقائه، تواجدها كان يجبره على الفوز، فلا مجال للتراجع ولا حق له في خذلانها.. مثلت محور الحياة لابنها، الذي فقد طعم العيش بعد رحيلها وتقاعس في العناية بنفسه وصحته، وكان يقول: “أنا أنطفئ تدريجيا كالشمعة منذ وفاة والدتي”، ورغم كونه أبا لـ6 أطفال بقي وجوده مرتبطا بوالدته.
سطع نجمه في فترة السبعينيات ومطلع الثمانينيات، كانت فيها الرياضة الجزائرية فتية، عرضت عليه الجنسية الفرنسية ليمثل فرنسا رياضيا، لكنه كان رجل مبادئ محبا لوطنه واحتراما لوالدته المجاهدة، فضل اعتزال الملاكمة في أوج عطائه سنة 1983.
ومثّل “لوصيف حماني” الجزائر في الألعاب الأولمبية الصيفية لسنة 1972، وتوّج بعدها بسنة بالمدالية الذهبية للألعاب الإفريقية التي نظمت في لاغوس بنيجيريا.
وبداية من سنة 1975 دخل عالم الاحتراف، وتمكن من نيل لقب بطل إفريقيا سنة 1976، وحافظ على لقبه في السنة الموالية، فاز بسبع بطولات للجزائر، ويعد بطل إفريقي لمرتين وبطلا مغاربيا، كما فاز بذهبية في الألعاب الإفريقية.
أنهى “لوصيف حماني” مشواره الرياضي الاحترافي سنة 1983 وهو الذي تمكن من تحقيق إنجازات كبيرة، وصنع لنفسه اسما لامعا في عالم الملاكمة حينها.
وعن ممارسته الملاكمة، قال أحد أصدقائه إنه كان كثير الشجار في صغره، لاحظه أستاذ رياضة ونصحه بممارسة الملاكمة التي كان يمارسها ويتدرب فيها خفية عن والده الذي أراده متعلما، واكتشف الأمر صدفه في أحد المقاهي حين اطلع على جريدة تناولت في عددها ذاك مقالا عن فوز ابنه بمنافسة وطنية، وبخه وطالبه بالتوقف إلا أنّ الأم كانت في نجدة ابنها ومشواره الساطع رغم قصره.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس