ربيع متوتر بين مصر وإيطاليا: الأعين على جلسة ريجيني

11
ربيع متوتر بين مصر وإيطاليا: الأعين على جلسة ريجيني
ربيع متوتر بين مصر وإيطاليا: الأعين على جلسة ريجيني

افريقيا برسمصر. تُقبل العلاقات بين مصر وإيطاليا على فترة مشحونة، إذ حفلت الساعات الأخيرة بعدد من المستجدات في الملفات المأزومة بين البلدين، مع تحديد جلسة في 29 من الشهر الحالي للاستماع إلى ثلاثة شهود جدد في قضية مقتل جوليو ريجيني، وموافقة مجلس الشيوخ الإيطالي بأغلبية كبيرة، الأول، على مقترح بمنح الطالب المصري باتريك جورج الجنسية الإيطالية لإنقاذه من الاعتقال المستمر في سجن طرة منذ 14 شهراً. كما طفت على السطح واقعة تحرش أحد الضباط المصريين -الذين سافروا إلى إيطاليا لتسلم الفرقاطة برنيس من طراز فريم- بفتاة إيطالية، وتقديم بعض السياسيين تساؤلات عن ملابسات اختفائه أو تهريبه.

تبحث مصر تقديم ملف جديد للادعاء الإيطالي تتبنى فيه فكرة المؤامرة وبينما أعلن المتحدث العسكري المصري الأول استقبال ميناء الإسكندرية للفرقاطة الثانية التي تشتريها مصر من روما خلال عام واحد، بقيمة إجمالية للاثنتين تبلغ ملياراً و100 مليون دولار، في رسالة صريحة من الجانبين لتأكيد مضي العلاقات العسكرية بينهما دون تأثر بالسلبيات، قالت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة على الاتصالات بإيطاليا، إن واقعة الاتهام بالتحرش سيتم احتواؤها سريعاً، وإنها ظهرت في وسائل الإعلام بقصد التأثير على صانع القرار في روما، من قبل الدوائر والقوى اليسارية المعارضة لتطوير العلاقات مع القاهرة.

وأضافت المصادر، لـ”العربي الجديد”، أن الأعين حالياً مركزة على جلسة الاستماع المقبلة في قضية ريجيني، والتي أُبلغت بها رسمياً السفارة المصرية في روما، لأنه قد يترتب عليها توسيع قائمة الاتهام التي تشمل حالياً أربعة من ضباط الشرطة المصريين، كما قد تبدأ بعدها مباشرة المحاكمة الغيابية لهم.

وكشفت المصادر أن مصر تبحث حالياً الفرص القانونية لتقديم ملف جديد للادعاء وقاضي تحريك الدعوى، تتبنى فيه سردية مغايرة للوقائع التي تستقر عليها التحقيقات الإيطالية، وتتبنى فكرة المؤامرة، وتعرّض ريجيني للخطف والقتل على يد مجموعة من معارضي النظام المصري المحليين، أو التابعين لجهات أجنبية، بالتزامن مع زيارة وفد إيطالي كبير للقاهرة ولقاء وزيرة الصناعة الإيطالية فيديريكا جويدي برئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي.

وكان النائب العام المصري عبر عن هذا الأمر في بيان غلق القضية ضد مجهول بقوله: “سلوك المجني عليه وتحركاته غير المألوفة لم تكن خافية على أحد من عوام الناس، بل باتت معلومة للكافة، وذاع نبأ البلاغ المقدم ضده، ما يكون قد استغله مجهول وعزم على ارتكاب جُرمه قبل المجني عليه، متخيرا يوم الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2016 لارتكاب جرمه فيه، لعلمه بانشغال الأمن المصري يومئذ بتأمين المنشآت الحيوية. فخطف المجني عليه واحتجزه وعذبه بدنيًّا ليُلصق التهمة بعناصر من الأمن المصري. وبالتزامن مع مجيء وفد اقتصادي لزيارة البلاد قتل المجني عليه وألقى جثمانه بموقع حيوي بالقرب من منشآت هامة يتبع بعضها جهات شرطية، كأنما أراد إعلام الكافة بقتله ولفت الانتباه إليه، ما أكد للنيابة العامة وجود أطراف معادية لمصر وإيطاليا تسعى لاستغلال الحادث للوقيعة بينهما في ضوء التطور الإيجابي في علاقاتهما خلال الفترة الأخيرة. ويسايرها في ذلك بعض من وسائل الإعلام المعروفة بإثارة الفتن لإحداث تلك الوقيعة، مما انتهت معه النيابة العامة إلى أن ظروف وملابسات الواقعة على هذا النحو لها صورة أخرى لم تكشف التحقيقات بعدُ عنها، أو عن هوية مرتكبها”.

وأضافت المصادر أنه بينما يتشبث الادعاء الإيطالي بالمضي قدماً في إجراءات المحاكمة، مدعوماً من القوى اليسارية، فإن مصر توثق اتصالاتها حالياً باليمين المتطرف وشخصيات حكومية وبرلمانية من يسار الوسط لترويج رواية “المؤامرة”، والتأكيد أن القاهرة لديها دلائل دامغة عليها، وأن المحاكمة -وإن كانت غيابية- قد تضر بالعلاقات الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية بين البلدين.

والضباط الأربعة المتهمون هم اللواء طارق صابر، والعقيد آسر كمال، والعقيد هشام حلمي، والمقدم مجدي عبدالعال شريف. وبحسب القانون الإيطالي يمكنهم جميعاً مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع، كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمام الادعاء للإدلاء بأقوالهم. واللواء طارق صابر، أصبح حالياً مساعد وزير الداخلية للأحوال المدنية. وكان خلال الواقعة يعمل مدير قطاع في جهاز الأمن الوطني، وهو الذي أصدر تعليماته بمتابعة ريجيني بناء على تقرير رفع إليه من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين، بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر. تتبنى قيادات بارزة في الحكومة الإيطالية اتجاهاً برفض منح الجنسية لباتريك جورج

أمّا الضابط الثاني، وهو العقيد آسر كمال، فكان يعمل رئيساً لمباحث المرافق بالعاصمة، وتوجد دلائل على أنه هو الذي أشرف على رسم خطة تعقّب ريجيني في إطار التنسيق بين الأمن الوطني والأمن العام، وقد تمّ نقله بعد الحادث بأشهر عدة للعمل بمحافظة أخرى. أما المقدم مجدي شريف فقد سبق ونشر ادعاء روما اسماً رباعياً تقريبياً له، هو “مجدي إبراهيم عبدالعال شريف”، وهو الضابط الذي أبلغ عنه ضابط أفريقي بأنه سمع منه حديثاً عفوياً أثناء تدريب للضباط الأفارقة في كينيا عام 2017، اعترف فيه بتورطه في قتل ريجيني، أو “الشاب الإيطالي” كما وصفه، إلى حد القول بأنه “لكمه عدة مرات” بسبب “الاشتباه في كونه جاسوساً بريطانياً”. وتتجه التحقيقات الإيطالية إلى أن الضابط مجدي شريف شارك ثلاثة ضباط آخرين، غير الخمسة المشتبه فيهم، أو خلفهم في إدارة ملف ريجيني، وأنهم جميعاً قاموا بتكوين شبكة من المخبرين حول ريجيني، والتي تضم -حسب السيناريو الإيطالي- كلاً من زميلة ريجيني المقربة الباحثة نورا وهبي، وشريكه في السكن محمد الصياد ونقيب الباعة الجائلين.

وبالتزامن مع هذه التطورات التي ستعيد قضية ريجيني للواجهة، وستتصاعد معها مطالبات وقف بيع الأسلحة لمصر، وتطبيق القانون المحلي رقم 185 لسنة 1990 الذي يمنع توريد أسلحة إيطالية الصنع إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، جاءت موافقة مجلس الشيوخ على منح باتريك جورج زكي الجنسية، لتثبت أكثر من أي شيء آخر، قدرة المعارضة الحقوقية المصرية على تشكيل رأي عام سياسي في بعض الدوائر للضغط على نظام السيسي، كما حدث من قبل بإصدار بيان البرلمان الأوروبي، وبيان الإحدى والثلاثين دولة في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الشهر الماضي.

وقالت المصادر عن هذا التطور إن “ملف باتريك جورج معقد، لأنه أصبح مرتبطاً في نظر الاستخبارات والأمن المصريين بملف ريجيني، وهناك اتجاه لعدم تحريكه إلا إذا قدمت إيطاليا تنازلات في ملف ريجيني”، حيث يستغل النظام المصري اهتمام القوى اليسارية والطلابية الإيطالية بوضع باتريك كورقة تفاوضية مع روما، متجاهلاً حقيقة وضعه كمواطن مصري. وأضافت المصادر، في هذا السياق، أنه إذا حصل باتريك جورج على الجنسية الإيطالية بقرار حكومي استثنائي وتنازل عن الجنسية المصرية، فلن تتردد القاهرة في الإفراج عنه وترحيله، لأن هذا النموذج كان وما زال من الأساليب المفضلة لعمل النظام مع القضايا الحساسة، واستخدمه سابقاً عدة مرات، كان أبرزها مع الناشط محمد سلطان، فضلاً عن حرصه على توجيه رسالة للمعارضة الحقوقية اليسارية المصرية بأنه لا مكان لهم على أرض مصر مستقبلاً، إلا بالشروط التي تضعها الدولة وداخل حدود صارمة ترسمها. ملف باتريك جورج معقد، لأنه أصبح مرتبطاً في نظر الاستخبارات والأمن المصريين بملف ريجيني

لكن في المقابل، كشفت المصادر أن قيادات بارزة في الحكومة ووزارتي الخارجية والداخلية الإيطاليتين تتبنى اتجاهاً برفض مقترح مجلس الشيوخ -وهو غير ملزم- باعتبار أن منح الجنسية لباتريك جورج سيؤثر بالسلب على التعاون الثنائي بين البلدين في عدد من الملفات، كما سيغلق تماماً إمكانية التعاون ولو مستقبلاً في قضية ريجيني. ولا يتأثر القرار السياسي الإيطالي تجاه مصر فقط بصفقات التسليح والتعاون في ليبيا والتنسيق في منتدى غاز شرق المتوسط، بل تلعب الدور المؤثر الأكبر فيه شركة الغاز الإيطالية العملاقة “إيني” التي رسخت أعمالها في مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة في مجال حقول الغاز، وحصلت أخيراً على تراخيص تمكنها من المنافسة في سوق الطاقة الداخلية بمصر بافتتاح محطات للغاز والوقود، وتحرص على تزويد الحكومة المصرية بالمساعدات في مجالات مختلفة، كان آخرها 20 جهاز تنفس صناعي أهدتها إلى وزارة الصحة الأسبوع الماضي.

وألقي القبض على جورج لدى عودته إلى مصر مطلع فبراير/شباط 2021، ويواجه اتهامات باستخدام صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في التحريض على قلب نظام الحكم والتظاهر وتكدير السلم العام، وغيرها من الاتهامات المطاطة، التي باتت توجه للنشطاء والباحثين باستخدام صفحاتهم الشخصية أو حتى صفحات منسوبة لهم كذباً، بهدف ملاحقتهم وتخويف دوائرهم السياسية والبحثية. وطالبت مراراً الدول الأوروبية ومنظمات حقوقية محلية وعالمية بالإفراج عن باتريك، كما نظمت تظاهرات خاصة في إيطاليا تضامناً معه، على خلفية تورط النظام المصري الذي يحاكمه في قتل ريجيني منذ خمسة أعوام. وبلغت قيمة صفقات التسليح الإيطالية لمصر في العام 2019 ثلاثة أمثال قيمتها في 2018، لتكون الأعلى في تاريخ العلاقات بين البلدين، وتجاوز بعشرات الملايين القيمة الإجمالية للمشتريات خلال العقد الأخير كاملاً، بواقع إجمالي بلغ 238 مليونا و55 ألفا و472 يورو، مقابل 69.1 مليون يورو تقريباً في 2018. وتنوعت المشتريات بين أسلحة جديدة بقيمة تجاوز 97 مليون يورو، وقطع غيار للمعدات وبرمجيات وتراكيب وإضافات بقيمة 141 مليون يورو، حيث جاءت مصر في المركز الرابع عالمياً بين مستوردي الأسلحة الإيطالية، خلف الكويت وقطر وألمانيا.

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here