حوار: سحر جمال
أفريقيا برس – مصر. أكد خطاب للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً على موقف مصر الثابت حول قضية سد النهضة والرافض للتعنت الأثيوبي المستمر منذ بداية القضية وحتى الآن، حيث ترفض اديس ابابا التقيد بأي اتفاق ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، الأمر الذي يسبب المزيد من التوتر في الشارعين المصري والسوداني خاصة بعد فشل كافة الحلول في إنهاء تلك الأزمة.

ويتحدث إلى “أفريقيا برس” حول هذا الأمر المحلل السياسي أحمد سلطان في هذا الحوار الصحفي:
السيسي دعى إلى ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة فهل يمكن حدوث ذلك خلال المفاوضات القادمة؟
مصر أثبتت خلال أكثر من عشر سنوات رغبتها في التفاوض الجدي والوصول إلى حل يناسب جميع الدول ويضمن حقوقها المائية في نهر النيل على اعتباره نهراً دوليا ويخضع للقوانين الدولية المنظمة للانتفاع من الأنهار الدولية والعابرة الحدود الوطنية، لكن الجانب الأثيوبي مازال يتعنت ويرواغ بشكل كبير جداً، وهذا برز أكثر من مرة، فالبرغم أن الجانب الأثيوبي يعلن في الإعلام استعداده للتفاوض إلا أنه يرواغ مرات ومرات عديدة حتى يستنفذ الوقت ولا تصل الدول الثلاث إلى حل مقنع، ويبدو أن تعنت الجانب الأثيوبي مدفوع باتجاهات سياسية ومعتقدات أيديولوجية متعلقة بملكية الأثيوبي لنهر النيل ورؤيتهم لمصر كخصم جيوسياسي وربما هذا هو العامل الأساسي الذي يحدد الموقف الحالي في المفاوضات.
ولا نقول أنه غير ممكن التوصل لاتفاق ملزم ويحفظ حقوق الدول الثلاث في الفترة المقبلة ولكن هذا الاتفاق يستلزم وجود إرادة سياسية لدى قادة إثيوبيا بشكل أساسي باعتبارها الدولة التي تتعنت على مدار السنوات الماضية، وفي حال كانت هناك إرادة سياسية لدى الجانب الأثيوبي فإن التوصل إلى اتفاق سيكون أمرا قريبا.
هل تحمل رسائل السيسي حول سد النهضة صيغة مختلفة عن سابقتيها خاصة مع استمرار التعنت الأثيوبي؟
مصر لديها موقف ثابت من هذه القضية والرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن في أكثر من مناسبة أنه يريد اتفاقا يحفظ حقوق الدول التي تتشارك نهر النيل ويعظم مكاسب جميع الأطراف دون أن يضر أي منها، لكن الجانب الأثيوبي لا يبدو أنه يريد التوصل إلى اتفاق، حتى أن رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد قال إنه سيتم استئناف المفاوضات في اكتوبر الجاري وايضا دعا مجلس الأمن في البيان الرئاسي الصادر عن رئيس مجلس الأمن لاستئناف المفاوضات وتحديد إطار زمني محدد تحت مظلة منظمة الاتحاد الأفريقي لكن إلى الآن لا يبدو أن الجانب الأثيوبي يريد التوصل لحل حقيقي وهو فقط يضيع الوقت ويريد أن يفوت الفرصة على مصر حتى يتم استكمال بناء السد وملء الخزان في مدة قصيرة جداً ليتمكن بعدها من التحكم في تدفقات نهر النيل بشكل دوري إلى دولتي المصب مصر والسودان.
والرئيس السيسي يدرك تعقيدات هذا الموقف ويدرك أن الجانب الأثيوبي ربما يكون مدفوعا من بعض القوى الإقليمية والدولية ولديه أيضا مصالح خاصة في التصعيد مع مصر، والسيسي لن ينجر إلى هذا التصعيد الأثيوبي وظهر ذلك بشكل واضح في خطابه الأخير وقال “لا يليق بنا أن نقلق”، رغم أن الرأي العام على وسائل التواصل الاجتماعي كان مشتعلا ومتوجساً من القلق بخصوص السد الأثيوبي والملء الذي كان يتم للسد ولكن يبدو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لديه تقدير جيد للموقف.
إثيوبيا مازالت ترفض الالتزام باتفاق قانوني فهل هناك خيارات أمام مصر والسودان لتحقيق خطوات إيجابية في المفاوضات القادمة؟
الجانبان المصري والسوداني لديهما العديد من الخيارات للرد على التعنت الأثيوبي لكن تلتزم الدولتان بموقف متوازن ووجهة نظر موضوعية اتجاه هذه القضية الحساسة ولا يريدان الدفع إلى جانب التصعيد مع الجانب الأثيوبي على اعتبار أن الروابط التي تجمع الأشقاء الأفارقة ومصر بالطبع من تلك الدول ودولة محورية في شمال أفريقيا وعلى اعتبار أن الروابط التي تجمعنا أكثر من المسائل التي تفرقنا، وفي النهاية القيادة المصرية وكذلك نظيرتها السودانية تدركان أن القيادة الحالية ممثلة في شخص رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد؛ تريد إحراز آنتصارات دعائية تعبوية للشعب الأثيوبي بالعزف على وتر المؤامرة المصرية السودانية على إثيوبيا وهذا غير صحيح تماما، وبالتالي لم يتم الانجرار لتلك المهاترات التي يروجها بعض الوزراء والمسئولين التنفيذين في إثيوبيا، ومصر تستمر في التفاوض تحت مبدأ حسن النية وبموجب هذا التفاوض صعدت الأمر لمجلس الأمن وهي الآن في طور التجهيز لمفاوضات جديدة تحت مظلة منظمة الاتحاد الأفريقي لكن بإطار زمني محدد ليتم التوصل لإتفاق.
وفي حال لم يتم التوصل إلى إتفاق فمصر لديها خيارات أخرى للتصعيد و بالطبع لا يمكن استبعاد الخيار العسكري ولكن كخيار أخير وغير محبذ، ولا تسعى له القيادة المصرية حتى تستنفذ جميع الخيارات.
هل يمكن التأثير على أثيوبيا لتغيير موقفها المتنعت من خلال فرض ضغوط دولية واقتصادية عليها؟
بالطبع فرض عقوبات دولية على إثيوبيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الكبرى او تحت مظلة منظمة الأمم المتحدة بالطبع يمثل ذلك فارقا بالنسبة للشعب الأثيوبي والقيادة الإثيوبية، واثيوبيا دولة ضعيفة إقتصاديا ويتركز جزء كبير جدا من إقتصادها على المعونات التي تقدم من الدول خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقدر بحوالي مليار دولار سنويا، حتى أن الولايات المتحدة عندما لوحت بملف العقوبات وإيقاف المساعدات المقدمة لإثيوبيا ابدى الجانب الأثيوبي انزعاجا شديدا وخرج متظاهرون إثيوبيون في أديس أبابا يرفعون صور الرئيس الروسي فلادمير بوتين فيما يوحي بأن هناك اتجاه للتحالف مع روسيا لكن مازال الجانب الروسي حليفا غير استراتيجي خاصة في الجانب الاقتصادي.
والقدرات الاقتصادية لروسيا تمنعها من تعويض المعونات التي تقدم للدول الأفريقية وخاصة إثيوبيا وبالتالي لا يمكن التعويل على الجانب الروسي كحليف موثوق لإثيوبيا، وأظن أن ملف العقوبات الاقتصادية ملف حساس وحاسم وقد يؤدي إلى تحقيق تطورات إيجابية في هذا الصدد.
مازالت الاجتماعات المصرية السودانية تعقد للوصول إلى حلول أمام التعنت الأثيوبي، فما هي توقعاتك حول إمكانيةاإتجاه البلدين نحو استخدام القوى العسكرية لحل الأزمة؟
الحل العسكري مطروح لكن على اعتباره آخر الحلول في حال استمرت الأوضاع الحالية ولم يتم تحقيق أي إنجاز إيجابي في الملف، ومصر والسودان تدركان أن الخيار العسكري غير محبذ فالجميع يسعى لتجنب الخيار العسكري رغم إمكانية تطبيقه من قبل الجيش المصري، فالقوات المصرية قادرة على الحفاظ على الأمن القومي المصري والعربي وهذا الأمر غير بعيد عن حدود القدرات العسكرية المصرية التي تطورت بشكل واضح خلال السنوات الثمانية الماضية ولكن الرئيس السيسي والقيادة المصرية لا ترغبان في عسكرة الأزمة وهناك العديد من الخيارات والخطوات التي تسبق الحل العسكري ومع ذلك لا يمكن استبعاده بشكل كامل لكن يتم تأجيله وتأجيله حتى تأخذ المفاوضات مسارها، ونأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق الدول الثلاث ولا تضار بسبه أي دولة وتسود العلاقات القائمة على الأخوة والمنفعة المشتركة بين دول حوض النيل.