شيخ الأزهر يتحصن بأنصاره في مواجهة السيسي

42

لا تزال تداعيات أزمة الخلاف حول تجديد الخطاب الديني، بين شيخ الأزهر، أحمد الطيب من جهة، والرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، من جهة ثانية، تتصاعد منذ ظهور الخلاف على السطح خلال الاحتفال الذي نظمته وزارة الأوقاف في ذكرى احتفال المولد النبوي الشريف.

وكان الطيب هاجم خلال كلمته في الاحتفال الذي نظم قبل أيام «الداعين والمشككين في قيمة السنة النبوية وفي ثبوتها وحجيتها، والطعن في رواتها من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم، والمطالبة باستبعاد السنة جملة وتفصيلا من دائرة التشريع والأحكام، والاعتماد على القرآن الكريم فحسب»، واعتبرهم «موالين للاستعمار على مر العصور».

وتوافد الآلاف من أبناء الأقصر وقنا والمحافظات المجاورة، لأداء صلاة الجمعة، في مسجد وساحة الشيخ الطيب، مسقط رأس شيخ الأزهر في مدينة القرنة، غرب الأقصر في صعيد مصر، وذلك دعماً للطيب في مواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة التي استهدفته عقب خلافه مع السيسي.

وكان ائتلافا «دعم الأزهر» و«قبائل الصعيد»، وجهوا دعوة لصلاة الجمعة في ساحة الطيب، لمواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها المؤسسة الدينية الأعرق في العالم الإسلامي، ورموزها وشيوخها. وأكدا على الخروج في تظاهرة حاشدة عقب صلاة الجمعة تأييدا للطيب، إلا أن الشيخ محمد الطيب، شيخ الطريقة الخلوتية، والشقيق الأكبر لشيخ الأزهر، رفض دعوات القبائل.

المستشار محمد عبد المحسن منصور، رئيس نادي قضاة مصر، نائب رئيس محكمة النقض، وجه رسالة عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إلى شيخ الأزهر، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، أثنى خلالها على «جهوده التي يبذلها من أجل نشر وسطية الإسلام». وقال : «تحية واجبة لفضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر، الذي يؤكد دوما وسطية الإسلام، دون إفراط أو تفريط». واعتبر أن «مصر ستظل بأزهرها الشريف منارة الإسلام الوسطى المعتدل».

ونشر شيخ الأزهر مقالا في صحيفة «صوت الأزهر» حمل عنوان «نعم للتجديد.. لا للتبديد». قال فيها إن «التجديد وضرورته للمسلمين في كل زمان ومكان، لم يعد أمرًا قابلًا للأخذ والرد، فهو حقيقة شديدة الوضوح في الإسلام: نصًّا وشريعة وتاريخًا، وربما تفرد القرآن الكريم من بين سائر الكتب السماوية بالإشارة إليه، وألهمت إشاراته علماء المسلمين من المتكلمين والفلاسفة، وأمدتهم بأنظار فلسفية جديدة لم يُسبقوا إليها من قبل، فأئمة الفقه والأصول منذ عهد الصحابة مارسوا الاجتهاد في تجديد أحكام الشريعة كلما مست حاجة التجديد إلى ذلك».

خطان متوازنان

وأوضح أن «التجديد الذي ينتظره المسلمون، يجيب أن يسير في خطين متوازيين، الأول ينطلق من القرآن والسنة، وبشكل أساسي، ثم ما يتناسب ومفاهيم العصر من كنوز التراث بعد ذلك». وتابع: «ليس المطلوب بطبيعة الحال خطابًا شموليًا لا تتعدد فيه الآراء ولا وجهات النظر، فمثل هذا الخطاب لم يعرفه الإسلام في أي عصر من عصور الازدهار أو الضعف، وإنما المطلوب خطاب خالٍ من «الصراع» ونفي الآخر واحتكار الحقيقة في مذهب، ومصادرتها عن مذهب آخر مماثل».

أما الخط الثاني، حسب ما جاء في المقال، «يجري فيه الانفتاح فيه على الآخرين بهدف استكشاف عناصر التقاء يمكن توظيفها في تشكيل إطار ثقافي عام يتصالح فيه الجميع، ويبحثون فيه معًا عن صيغة وسطى للتغلب على المرض المزمن الذي يستنزف طاقة أي تجديد واعد، ويقف لنجاحه بالمرصاد، بمعنى الانقسام التقليدي إزاء «التراث والحداثة» إلى تيار متشبث بالتراث كما هو، وتيار متغرب يدير ظهره للتراث، ثم تيارٍ إصلاحي خافت الصوت لا يكاد يبين».

وتابع: «من جديد نقول إننا نحسب أن التيار الإصلاحي الوَسَطي هو المؤهل لحمل الأمانة، والجدير بمهمة التجديد الحقيقي، الذي تتطلع إليه الأمة، وهو وحده القادر على تجديد الدين بعيدًا عن إلغائه أو تشويهه، ليكون تجديدًا وليس تبديدًا، ولكن شريطة أن يتفادى الصراع الذي يستنزف طاقته من اليمين ومن اليسار».

محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، أصدر بيانا صحافيا، أكد خلاله على «حجية السنة المطهرة في مواجهة أعدائها من الجهلاء والمتاجرين بها»، قائلا: «سنواصل مسيرة الاجتهاد والتجديد وتفكيك الفكر المتطرف، ومواجهة قوى الشر والظلام، لندحض ظلمات الجهل وغلو المتطرفين وضلالات الإرهابيين والمتاجرين بالدِّين، ولا ترهبنا ولا تنال من عزيمتنا حربهم التشويهية أو كتائبهم الإلكترونية، بل إن حربهم هذه لا تزيدنا إلا قوة وصلابة في الحق وبذل المزيد من الجهد في عملية التنوير ونشر الفكر الوسطي المستنير».

وأضاف: «أجمع علماء الأمة وفقهاؤها على حجية السنة المشرفة، وأنها المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله عز وجل وأن طاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من طاعة الله عز وجل، ما ندين به لله عز وجل، كما أن السنة النبوية المشرفة مكملة ومتممة وشارحة ومفسرة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم، ويجب أن نفهمها فهما صحيحا من خلال مقاصدها ومراميها، وألا نجمد أو نتحجر عند ظواهر النصوص دون فهم أبعادها ومقاصدها».
وتابع أن «أعداء السنة وأكثر الناس صدا عنها صنفان: الأول المتاجرون بدين الله عز وجل والمحرفون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين يلوون أعناق النصوص لخدمة إرهابهم وتطرفهم، فيقتلون ويحرقون ويسفكون الدماء ويخربون العمران باسم الدين، والدين منهم براء».

وأشار إلى أن «الصنف الثاني، هم الجهلة الذين لم يأخذوا أنفسهم بنور العلم وأدواته ولم يجهدوا أنفسهم في تحصيله ولم يستجمعوا أدوات فهم السنة النبوية المشرفة ولم يعملوا عقولهم في فهم مراميها ولم يدركوا أو يتعلموا أن هناك ما يسمى بفقه المقاصد، وأن هناك قاعدة كلية تؤصل لاعتبار العرف والعادة وأن العادة محكمة، وأنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والأحوال، وذلك بإجماع من يعتد برأيه من العلماء والفقهاء، ولا عزاء للجهلاء، فدين الله يؤخذ من العلماء المتقنين وليس الجهلة ولا المتاجرين بالدِّين».

جوهر الخلاف

وأوضح أن «لا خلاف حول ثبوت النصوص الصحيحة وإنما الخلاف كل الخلاف مع أصحاب الأفهام السقيمة الذين لا يفرقون بين النص الثابت والفكر البشري المتغير الناتج عن فهم النص، إذ نجزم أن هذا الفهم وذاك التطبيق فيما يتصل بالمتغيرات والمستجدات ليس قرآنا ولا نصا مقدسا، إنما هو فهم أو تطبيق ناسب عصره وزمانه، وعلينا أن ننظر في هذه الآراء، فما وافق منها عصره وزمانه وكان صالحا لزماننا أيضا أخذنا به، وما كان صالحا لزمانه وظرفه، وثبت بالقرائن أن تطبيقه على هذا النحو كان لظروف عصره لم نحمله قسرا على عصرنا وظروفنا مع عدم مناسبته لهما، إنما علينا أن نعيد النظر والاستنباط بما يناسب طبيعة عصرنا وظروفه، ولا يقول بخلاف ذلك إلا جاهل أو معاند أو متاجر بدين الله عامد إلى تشويهه أو توظيفه لعنفه وتطرفه بل وخدمة أعدائه».

وأكد أن «الوزارة ستواصل مسيرة الاجتهاد والتجديد، وتفكيك الفكر المتطرف، ومواجهة قوى الشر والظلام، لندحض ظلمات الجهل وغلو المتطرفين وضلالات الإرهابيين والمتاجرين بالدِّين، لا ترهبنا ولا تنال من عزيمتنا حربهم التشويهية أو كتائبهم الإلكترونية، بل إن حربهم هذه لا تزيدنا إلا قوة وصلابة في الحق وبذل المزيد من الجهد في عملية التنوير ونشر الفكر الوسطي المستنير، لا تؤخذنا في بيان وجه الحق لومة لائم».

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي موقع إفريقيا برس وإنما تعبر عن رأي أصحابها

Please enter your comment!
Please enter your name here