أحمد إمبيريك
أفريقيا برس – موريتانيا. قال يعقوب ولد لمرابط، رئيس حركة “كفانا” المعارضة، في حوار مع “أفريقيا برس”، إن تعطيل قانون الأحزاب يمثل انقلابًا على الديمقراطية وخرقًا للحقوق التي يكفلها الدستور.
وأشار ولد لمرابط إلى أن اللقاء السري الذي جرى بين وزير الداخلية الموريتاني، محمد أحمد ولد احويرثي، والذي كشف عنه لاحقًا، يعد جزءًا من الانتهاكات التي تقوم بها الوزارة في مجال الحريات العامة.
يُعتبر ولد لمرابط من أبرز الوجوه السياسية الشابة التي تصدرت المشهد السياسي الموريتاني، من خلال المطالب القوية التي طرحتها حركته كفاعل سياسي في البلاد. كما شارك في الانتخابات الماضية ضمن ائتلاف سياسي حل ثانيًا بعد الرئيس محمد الشيخ الغزواني.
التقى وزير الداخلية الأيام الماضية بعدد من الأحزاب قيد الترخيص، لماذا لم تشمل الدعوة حزبكم نداء الجمهورية، وهل كنتم ترغبون في ذلك؟
أوصي بالعودة إلى السياق الذي أُقيم فيه هذا اللقاء، إذ كانت الدعوة سرية وجاءت في ظروف غير طبيعية ومخالفة لمقتضيات الأعراف الدولية التي تحترم الدول نفسها. ونعتبر هذه الدعوة جزءًا من الانتهاكات التي ترتكبها وزارة الداخلية في مجال الحريات والملفات السياسية، إذ يخضع تنظيم الأحزاب السياسية لقانون تم تعطيله من قبل وزير الداخلية الموريتاني، ولد احويرثي، وكان قد تعطل سابقًا من قبل النظام السابق أيضًا.
أعتقد أن العملية كانت مجرد لقاء شخصي بين الوزير ومقربين منه. وبعد تسريب الخبر وتداوله بواسطة الصحافة والمدونين، لجأت الوزارة إلى دعوة الأحزاب الأخرى كنوع من تفادي الحرج. فالدعوة التي وُجهت للأحزاب بعد ذلك كانت متأخرة عن اللقاء السري المذكور. ومن بين ما تذرعت به الوزارة آنذاك هو أن القاعة المخصصة للاجتماع لا تتسع لعدد المدعوين، بينما كان اللقاء الأخير قد أُقيم في قاعة مُعدة لذلك وقد بلغ عدد الحاضرين نحو أربعين حزبًا.
موقفنا الدائم هو ضرورة تطبيق القوانين والأنظمة، مع تمسكنا بحقنا الدستوري وبالقانون المُشرَّع للأحزاب، الذي يرفض الوزير الحالي تنفيذه. كما نمد يدنا للأحزاب التي منعت من الترخيص ونحن مستعدون لأية آلية تخرج البلاد من هذه الأزمة، التي نعتبرها انتهاكًا دستوريًا تشرف عليه وزارة الداخلية. وربما تصل الأمور إلى مرحلة تصفية الحسابات مع الخصوم السياسيين، وهذا ما عودنا عليه نظام ولد الغزواني منذ مأموريته الأولى وانتهاءً بمأموريته الحالية التي اتسمت بممارسات تضعف قيمة الدولة وتتجاوز القانون.
لا نرغب في أن نكون جزءًا من عملية يتم فيها تجاوز القانون والإخلال بالنصوص الدستورية. وأضيف إلى ما تقدم أن البحث عن قانون جديد يعنى بالأحزاب أولى منه تطبيق القانون الموجود سلفًا، ومن يضمن تقديم تطبيق القانون الجديد إذا ما تم وضعه، فقد يتم إلغاؤه ما دام اعتبار هيبة القانون لا يشكل أولوية لدى السلطات. لذلك، أكرر أننا ندين تعطيل القوانين المنظمة للأحزاب ونعتبر ذلك تجاوزًا قانونيًا صريحًا.
يقال في بعض الأوساط إن حركة “كفانا” على علاقة أو تحظى بدعم من بعض المعارضين في المهجر، ما صحة ذلك؟ خصوصا بعد جولتكم الأخيرة في الخارج؟
حركة “كفانا” مستقلة برأيها وقرارها، وكذلك مستقلة في آلياتها وتحركاتها وإمكانياتها. لم تتلقَ الحركة دعمًا من الداخل أو الخارج، ولها علاقات مع شركائها السياسيين والحقوقيين من الأحزاب والهيئات في الداخل، وهي نفس العلاقة التي تربطها بالشركاء السياسيين في الخارج. لقد عبرنا عن ذلك في أكثر من مناسبة سياسية.
وبخصوص الجولة الأخيرة، فإنها تدخل ضمن استراتيجية توسيع صلات الحركة وربطها بعلاقات دولية، وهذا يبدو لي حقًا مشروعًا استطعنا النجاح فيه بحمد الله. فلدينا الآن مكاتب تعمل بشكل منتظم في أوروبا وأمريكا، وقد أصبحت هيئات مرخصة قوية لها حضور ووجود وآليات ارتباط مع المنظمات الدولية.
وأعتبر هذه الجولة خطوة شجاعة وإيجابية تم العمل عليها وفق خطة استراتيجية داخلية، وجاءت في وقتها. وأظن أن القوى الوطنية من واجبها الترحيب بهذا الاتجاه بكل ترحيب، لأنه إضافة لجهد سياسي وحقوقي كبير.
يقال إن الحزب تقوده وجوه شابة تفتقد للتجربة العملية في تسيير شؤون الدولة ما مدى وجاهة ذلك؟
حزب “نداء الجمهورية” تقوده قيادات شبابية وازنة تشمل دكاترة ومهندسين وأساتذة ومختصين في عدة مجالات يخدمون الدولة الموريتانية اليوم كل من موقعه واختصاصه. لا يمكن قياس تجربة الحزب ما لم تتح له فرصة التشريع وحكم البلاد؛ بعدها يمكن الحديث عن تقييم التجربة والحكم عليها.
نعتقد بالطبع أننا تجاوزنا الكثير من العقبات، وقد تقبل الشارع الموريتاني مشروعنا الوطني وصوت له، والأدلة قائمة من خلال الانتخابات التشريعية الماضية وحتى الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
اتهمتم وزير الداخلية ولد احويرثي بتعطيل مقتضيات الدستور وإقصاء المعارضة الجادة، وأنتم في ائتلاف المعارضة شاركتكم في انتخابات منع منها غيركم، أو لم يمنح التزكية هل هذه الدعوة لها مبرر؟
اتهامنا لوزارة الداخلية مؤسس من الناحية القانونية والموضوعية، ومستند إلى الوقائع والممارسات. فقد عطل وزير الداخلية قوانين الجمهورية وانتهك الدستور الموريتاني، وتجاوز الحريات المصانة دستوريًا في أكثر من مناسبة ودور. القرائن والأدلة قائمة على ذلك، ولو أن ما تحدثنا عنه حصل في دولة تحترم نفسها، أو على الأقل في نظام يحترم القانون، لكان وزير الداخلية قدم استقالته. وقد تقدم أحد قيادات حزبنا بهذا المطلب، وواضح السياق الذي جاء فيه والأسباب والمبررات.
فيما يتعلق بالمشاركة الانتخابية، فقد شاركنا في الانتخابات الأخيرة ضمن ائتلاف قدم مرشحًا باسم المعارضة الجادة، وقد نال مرشحنا ثقة الشعب الموريتاني.
حينما اتضح للنظام أن الشعب الموريتاني قد اختارنا، تدخلت السلطة لصالح مرشحها وقامت بانقلاب على إرادة الناخب الموريتاني.
ووفقًا لتجربتنا في المعارضة الديمقراطية، فإن هذه ليست المرة الأولى التي ينقلب فيها النظام على إرادة الشعب وخياراته؛ فقد حدث تصرف مشابه خلال عام 2019، وقبل ذلك في انتخابات 18 يوليو 2009، وفي عدة انتخابات منذ بدء التجربة الديمقراطية حتى يومنا هذا.
ويكمن الخطر هنا في أن المعارضة لم تراجع حساباتها منذ 24 يناير 1992 وحتى الآن، ولم تغير أدواتها النضالية والانتخابية أيضًا؛ بل خاضت نفس التجارب بنفس الأدوات وأحيانًا بنفس الخطاب، وهذه مبررات واضحة ومسوغات مقنعة عمليًا واجتماعيًا وسياسيًا.
تتهم الحكومة ائتلافكم السياسي بنشر الفتنة وتحملكم مسؤولية حراك الانتخابات وما تبع ذلك من أحداث، ما ردكم؟ وهل ترى أن الشحن السياسي بريء في ظل مجتمع هش اجتماعيا وسياسيا؟
أعتقد أن الاتهامات الحكومية باطلة. فنحن كنا ضمن ائتلاف سياسي واضح الخريطة السياسية، وقد تشكل على أساس ذلك وخرج لتوه من تجربة انتخابية تشريعية يشهد بتزويرها الموالون قبل المعارضة. إذ إن الطيف السياسي، سواء المعارض أو الموالي، متفق على فشل التجربة الأخيرة وما شابها من تزوير، وعلى فشل اللجنة المشرفة في التصدي للتزوير ومواجهته. إلا أن النظام أصر على مواصلة السير في الاتجاه ذاته، وبنفس الآليات واللجان والأشخاص، وبالاستراتيجيات والخطط نفسها، كل ذلك من أجل أن يضمن النظام بقاءه. هذا ما توقعناه في البداية وعبرنا حينها عن استيائنا. ورأينا ضرورة المشاركة رغم الملاحظات الوجيهة والقوية، لأن التغيير متاح فقط من خلال الانتخابات، والتغيير السلمي والقانوني. لذلك شاركنا في العملية برغم علاتها.
أعطى الشعب الموريتاني صوته لهذا الائتلاف ولمرشحه، ثم وقع ما كنا نتوقعه بالفعل. وقد عبرنا عن استيائنا في ذلك الوقت واللحظة، رغم حرصنا على استقرار البلاد ووحدتها وأمنها. أما الاتهامات التي أعلنتها الوزارة، فهي تدخل في إطار تبرير أجندتها وتنفيذها، وهو ما أدى إلى قتل المتظاهرين وقمعهم، والتنكيل بهم، وقطع الإنترنت، ومتابعة واعتقال شباب أحرار رافضين لتزوير إرادتهم. نفس السيناريو نفذته المؤسسة العسكرية، ووزارة الداخلية وأجهزتها. واتهامهم مردود عليهم.
دعوتم في ذكرى الاستقلال إلى محاكمة من وصفتموهم بالمسؤولين عن أحداث 1989، والتحقيق في جميع أحداث العنف وجعلتم ذلك شرطا للمصالحة العامة، ألا ترى أن ذلك يعزز تهمة بث الفرقة وتهديد اللحمة الوطنية؟
في حركة “كفانا”، قدمنا رؤية وتصورًا شاملًا للخروج من أزمة وتبعات الإرث الإنساني، وهو الملف الذي نعتبره من أكبر الملفات العائقة أمام التنمية واستقرار البلاد. وفي نظري، هناك ملفان أساسيان يجب حلهما بشكل قطعي: الأول، ملف الإرث الإنساني، والثاني، ملف العبودية. وقد قدمنا فيهما تصورات وآليات لتجاوزهما، وأكدنا أن التجارب التي قدمها نظام الرئيس الراحل سيدي ولد عبد الله، ونظام ولد عبد العزيز بعده، كلها صالحة للاستفادة منها والاستئناس بها. كما يمكن أيضًا الاستفادة من تجارب بلدان مجاورة مثل السنغال والمغرب والغابون، فهذه التجارب متاحة وقابلة للتطبيق.
مطالبنا دائمًا تتمثل في التحقيق في الملف واللجوء إلى مصالحة وطنية يقتنع الجميع، بما في ذلك الحكومة نفسها، بضرورتها. والحقيقة أن الدولة قد قدمت خطوات ينبغي إكمالها للخروج من هذه الأزمة.
تنحدرون من قواعد النظام التقليدي القبلي وأنتم أبرز منتقديه الآن، هل هو مجرد خطاب سياسي تقتضيه اللحظة أم هي قناعة بضرورة عزل القبيلة عن الشأن العام؟
هذا السؤال يحتاج إلى تصحيح، خاصة في شقه الاجتماعي؛ فأنا من مجتمع كان هو المغذي الحقيقي للمعارضة. أنا من مجتمع فقير طالما دعا للعدالة والإنصاف، وطالب بدولة متصالحة مع ذاتها، يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان. لقد تمردت منذ اللحظة الأولى على العادات والأحكام الجاهزة والنظريات البائدة التي تصم الإنسان أو تحتقره انطلاقًا من لونه أو انتمائه العرقي أو الجهوي أو الطائفي.
وقد كنت، ولا أزال، مكفرًا بالمنطلقات القبلية والجهوية والعرقية والطائفية، وأعتبر أن التخندق والرجوع إلى الجهوية نوع من الضعف وخنق لمشروع الدولة المدنية. وأرى أن النظام الحالي هو جذر القبلية وقد أعاد الدولة إلى المربعات الأولى، وهو الشيء الذي يتقاسم خصائصه مع نظام ولد الطائع.
أنتم في حزب نداء الجمهورية، ما هي أبرز معالم رؤيتكم للإصلاح السياسي في البلاد؟
تتلخص مقاربتنا الأولية، من الناحية الحزبية، في بناء حزب سياسي قوي وجامع لكافة الطيف الموريتاني وفق معايير توافقية، ومؤسسات حقيقية، نتيجة لما نفتقده في المؤسسات التي ينتظر منها التهيئة للإصلاح السياسي الجامع. وقد انطلقنا في هذه المقاربة من أولوية المصلحة الوطنية وضرورة الاستجابة للمطالب الجوهرية الملحة للمجتمعات الهشة، التي نعتقد أنها تشكل عائقًا تنمويًا كبيرًا.
نرى أن الاهتمام بالمغبونين من شباب ونساء وضحايا الإرث الإنساني والعبودية ومخلفاتها (الأرقاء السابقون) جزءٌ أصيل من مشروعنا. وقد تبلورت رؤيتنا التنموية على هذا الأساس، إضافة إلى اعترافنا بوجود خلل كبير في الحكامة الوطنية والإصلاح، مما يعيد طرح مطلب بناء الجمهورية الثانية بشكل جديد. وما أشرت إليه ممكن، وقد قدمنا رؤية حول الموضوع يمكن الاطلاع عليها بشكل مفصل، حيث شملت جوانب التغيير وحيثياته.
النقطة الثالثة التي ننطلق منها تتعلق ببناء الإنسان والنهوض بالاقتصاد الوطني، فنحن نرى أن التنمية المستدامة تقوم على المزاوجة بين العناية بالإنسان والنهوض بالاقتصاد الوطني، وعلى ذلك أسسنا السياسة العامة التي تشكل معالم الهوية الفكرية والسياسية لحزب “نداء الجمهورية”.
نرى ضرورة التفريق بين السلطة والدولة وضرورة مراجعة السائد من استغلال مؤسسات الدولة لصالح الطرف الحاكم. ومن جهة أخرى، نميز بين معارضة السلطة ومعارضة الدولة؛ فنحن نعارض السلطة بقدر ما تقوم به من عمل يخدم الصالح العام وحرصها عليه، ونتمسك بالدولة ككيان ثابت وقائم بذاته، منفصل عن أية سلطة قد تزول وتضمحل.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن موريتانيا عبر موقع أفريقيا برس