البنك الدولي يغيّر قواعد اللعبة ويخلق وظائف في إفريقيا

4
البنك الدولي يغيّر قواعد اللعبة ويخلق وظائف في إفريقيا
البنك الدولي يغيّر قواعد اللعبة ويخلق وظائف في إفريقيا

أفريقيا برس – المغرب. وفقا للبنك الدولي، يمكن للتدخلات الموجهة والإصلاحات الجريئة في القطاعات الرئيسية أن تُحدث تأثيرات سريعة وملموسة على التشغيل وسبل العيش. ولهذا، يركز البنك الدولي على زامبيا، المغرب، مدغشقر، كوت ديفوار، وغينيا-بيساو، مع التفاصيل الميدانية.

كشف مقال حديث نشره البنك الدولي عن تطور استراتيجي في مقاربته للمشروعات، سواء كانت مرتبطة بالصحة، التعليم، المناخ، أو الاقتصاد الرقمي. البيانات الجديدة في لوحة مؤشرات البنك تمكنه الآن من اعتماد نهج متكامل، حيث يُقيَّم كل مشروع وفقا لمساهمته في التشغيل.

عمليا، هذا التوجه يفرض تغييرات على عدد من الفاعلين، لا سيما في إفريقيا، ويبدأ بالحكومات. البنك الدولي يحثها الآن على تنفيذ إصلاحات هيكلية في الضرائب والتعليم والحكامة، بهدف خلق بيئة مواتية للتوظيف.

بالنسبة للمواطنين ورجال الأعمال، يعني هذا ظهور فرص ملموسة في القطاعات الخضراء، الرقمية، البنية التحتية، وريادة الأعمال النسائية، مدعومة بالتمويل والمساندة التقنية.

أما الفاعلون الاقتصاديون، فبات مطلوبا منهم تطوير «حس النتائج» في أنشطتهم، والنظر إلى مشاريعهم من منظور خلق وظائف مستدامة وسبل عيش، إذ أصبح هذا المعيار محور التمويلات وسياسات التنمية.

نشر نتائج «لوحة المؤشرات» للبنك لعام 2025 يقدم رؤية قيمة للتأثيرات العملية للمشروعات التنموية، لا سيما في أفريقيا.

تتجاوز الأرقام الإجمالية، إذ تكشف دراسات الحالات في زامبيا، المغرب، مدغشقر، كوت ديفوار، وغينيا-بيساو عن ديناميات معقدة ودروسا مهمة لجميع الفاعلين الاقتصاديين في القارة، من النتائج الملموسة إلى التحديات المستمرة.

Un jeune utilisant son smartphone, pour accéder à des services de finance mobile ou de e-commerce, fruit du boom de la pénétration numérique en Guinée-Bissau.. le360 Afrique/seck

في زامبيا، يوضح نموذج البنك الدولي فاعلية التدخلات المتكاملة الموجهة للنساء القرويات. «المنح الصغيرة» المرتبطة بالتدريب المهني والإرشاد أسفرت عن انخفاض بنسبة 30٪ في الفقر المدقع، وزيادة بنسبة 80٪ في أرباح المشاريع الصغيرة، وارتفاع الادخار بأكثر من 230٪.

هذا النهج يتجاوز المساعدات الاجتماعية التقليدية، إذ يعزز ريادة النساء القرويات ويقوي الاستقلالية الاقتصادية. للمؤسسات العاملة في التنمية القروية والحماية الاجتماعية، تثبت النتائج فاعلية استراتيجية تجمع بين التحويلات النقدية وتعزيز القدرات الإنتاجية كرافعة لخلق سبل عيش مستدامة. لذلك، يجب على الحكومات ووكالات التنمية إعطاء الأولوية لبرامج مشابهة تشمل رأس المال والمهارات والمرافقة.

القطاع الخاص المحلي يجد هنا عملاء وموردين أكثر قدرة على الدفع، بينما يجب على المنظمات غير الحكومية تكييف تدخلاتها وفق هذا المنطق لتعظيم التأثير النظامي.

في المغرب، توضح إصلاحات التغطية الصحية الشاملة مكسبا مزدوجا: تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية وخلق وظائف في القطاع الصحي. إعادة هيكلة الحوكمة الصحية تُعتبر عاملا مباشرا في تحويل التوظيف نحو القطاع الرسمي، من خلال توليد وظائف للمهنيين والموظفين الداعمين. هذا يحفز قطاعا اقتصاديا أساسيا ويعزز رأس المال البشري، وهو عنصر جوهري للإنتاجية المستقبلية.

الحكومة المغربية تقدم نموذجا عمليا يربط الإصلاحات القطاعية بسياسات التشغيل، حيث تصبح أنظمة الصحة استثمارات اقتصادية. القطاع الخاص (العيادات، الشركات الموردة للمعدات) يستفيد من الطلب المتزايد والإطار التنظيمي الواضح، بينما المواطنون يستفيدون من الرعاية وفرص العمل، ما يوضح كيف يمكن للإصلاحات أن تحقق التوازن بين الشمول الاجتماعي والنمو الاقتصادي.

في مدغشقر، تبرز العلاقة الاستراتيجية بين الانضباط المالي الكلي والتنمية الشاملة. إدارة أفضل للدين وفرت «هوامش مالية» لتمويل استثمارات تولد وظائف في البنية التحتية وسبل العيش. بهذا، يتحول التقشف المالي إلى محفز للاستثمار الإنتاجي، حيث يُحوّل كل دولار موفّر من خدمة الدين إلى مشاريع بناء وخدمات مساندة توفر وظائف رسمية وتنشط الاقتصاد المحلي.

الحكومات مطالبة بإعادة تأهيل إدارة الدين كاستثمار تمهيدي للتنمية. شركات البناء والهندسة المستفيدة الأولى، والمؤسسات المالية تقدم أدوات لإعادة الهيكلة بما يتلاءم مع السياقات الهشة. في النهاية، تصل الشعوب إلى بنية تحتية أفضل وفرص عمل مستقرة، محوّلة بذلك التقشف إلى نمو منظم.

في كوت ديفوار، يظهر أثر البنية التحتية للطاقة على الاقتصاد. دعم IFC وMIGA لتوسيع الشبكة الكهربائية يخلق عائدا مزدوجا: وظائف فورية في البناء والصيانة، وتأثير هيكلي عبر توفير الكهرباء الضرورية للأنشطة الصناعية والرقمية والخدمية. هذا يغطي عجزا تاريخيا ويعزز تنافسية الاقتصاد خارج الزراعة. القطاع الخاص يجد سوقا نشطة، والصناعات المحلية تقلل تكاليف التشغيل، والأسر تستفيد من فرص جديدة في التعليم والعمل عن بُعد وريادة الأعمال الصغيرة، ما يجعل الكهرباء عاملا لتسريع الشمول الاجتماعي والاقتصادي.

في غينيا-بيساو، يظهر التحول الرقمي تأثير الإصلاحات التنظيمية. وفق البنك الدولي، ساهمت جهود IDA وIFC وMIGA في رفع استخدام الرقميات من 12٪ إلى 36٪ خلال أربع سنوات، ما فتح المجال أمام وظائف رقمية، التمويل عبر الهاتف والأسواق الإلكترونية. هذا التحول يبني أساس اقتصاد رقمي شامل، خصوصا في المناطق القروية التي أصبحت قريبة من الأسواق الرسمية.

الحكومات مطالبة بتحديث الأطر التنظيمية لجذب الاستثمارات في الاتصالات. المشغلون والشركات التكنولوجية يجدون سوقا متنامية، بينما روّاد الأعمال يستفيدون من قنوات التسويق والتمويل الجديدة. المواطنون يحصلون على وصول موسع للخدمات الأساسية وفرص دخل إضافية، مما يقلل العزلة الجغرافية والاقتصادية.

تحليل الحالات الخمس يظهر أن التشغيل يعتمد على روافع مترابطة: الصحة، التعليم، المالية العامة، الرقمنة، الطاقة والمساواة بين الجنسين، ما يؤكد تعدد مسارات الوصول إلى الوظائف، ويستلزم قياسها ودعمها. هذه التعددية تلزم الحكومات والمؤسسات التنموية باعتماد استراتيجيات متعددة القطاعات، فيما يكتشف القطاع الخاص فرصا تتجاوز القطاعات التقليدية، خصوصا في الاقتصاد الرقمي والأخضر.

النهج الجديد للبنك الدولي يتجاوز عدّ الوظائف إلى التركيز على جودة العمل، وهو مطلب للمساءلة يدفع الدول والمجتمع المدني للمطالبة بالشفافية حول الأثر الحقيقي للتمويل العام.

النجاحات المحلية — خفض الفقر في زامبيا، التحول الرقمي في غينيا-بيساو، الوظائف الصحية في المغرب، الاستثمارات بعد التقشف في مدغشقر، الأثر المضاعف للطاقة في كوت ديفوار — تُظهر إمكانية تحقيق تغيير سريع، لكن التحديات مستمرة: ملايين الأسر الفقيرة خارج شبكات الحماية، عدد كبير من الأطفال يغادر المدرسة بلا مهارات أساسية، 56 دولة تحقق إيرادات ضريبية أقل من 15٪ من الناتج المحلي، وفجوات كبيرة في الوصول إلى البنية التحتية والرقمنة.

هذه الثغرات تستدعي تركيز الجهود على ثلاثة محاور: رأس المال البشري (الصحة، التعليم، المهارات) كركيزة لا يمكن الاستغناء عنها، إصلاحات هيكلية وتعبئة رأس المال الخاص كما تظهر التجارب في كوت ديفوار وغينيا-بيساو، وإدارة فعّالة للضرائب والدين لضمان تمويل التحول الأخضر. التعاون بين القطاعين العام والخاص ضروري لتحويل النجاحات الجزئية إلى ديناميات قارية مستدامة.

لوحة مؤشرات البنك الدولي ليست مجرد أداة تقرير، بل تهدف إلى ترسيخ «حس النتائج»: الاهتمام بالنتائج في كل قرار، وليس بعد فوات الأوان. للاقتصادات الأفريقية وفاعليها — حكومات، قطاع خاص، مؤسسات مالية، مجتمع مدني، مواطنون — الدروس واضحة: التدخلات المستهدفة والإصلاحات الجريئة يمكن أن تولّد تأثيرًا ملموسًا على التشغيل وسبل العيش.

التحول الحقيقي يكمن في تبني السؤال الأساسي: «كيف يتحول ذلك إلى سبل عيش؟»؛ أي أن النتائج الملموسة على حياة الناس وخلق وظائف لائقة يجب أن تصبح محور تصميم السياسات والاستثمارات في إفريقيا. التقدم حقيقي لكنه متجزئ، والتحديات ضخمة لكنها ليست مستعصية. الطريق واضح: قياس دقيق، عمل متكامل على الروافع المتعددة، ووضع التشغيل والكرامة في قلب كل قرار.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن المغرب عبر موقع أفريقيا برس