ترامب يقلص المساعدات الخارجية ويضر بملايين الأطفال

4
ترامب يقلص المساعدات الخارجية ويضر بملايين الأطفال
ترامب يقلص المساعدات الخارجية ويضر بملايين الأطفال

أفريقيا برس – السودان. يحلم أحمد ابن الأعوام الخمسة بأن يصبح “مثل سبايدرمان” حين يكبر، لكنّ حلم هذا الطفل الأردني الذي يعاني من إعاقة جسدية كبيرة يصطدم بواقع مرير مع حرمانه من رعاية طبية هو في حاجة ماسة إليها، نتيجة الاقتطاع الحاد في المساعدات الأميركية الخارجية، بحسب أوامر الرئيس دونالد ترامب التنفيذية المتّخذة منذ عودته إلى البيت الأبيض في بداية العام الجاري.

ويعاني ملايين الأطفال حول العالم من تراجع التمويل الأميركي منذ تسلّم ترامب ولايته الرئاسية الثانية في 20 يناير/كانون الثاني 2025، وهو أمر حذّرت منه الأمم المتحدة بمختلف وكالاتها وكذلك منظمات دولية عديدة، مع العلم أنّ القاسم المشترك بين جميع هؤلاء الأطفال هو وضعهم الهشّ نتيجة الحروب أو الاحترار المناخي أو الفقر أو الأمراض أو ظروف قاهرة أخرى.

وأحمد مصاب بتشوّه في العمود الفقري يمنعه من تقويم جذعه، وبشلل في ساقيه وتشوّه في قدمَيه، كذلك هو يعاني من استسقاء دماغي. ويخبر والده محمود إبراهيم عبد الرحمن، عامل مياوم ثلاثيني يعجز عن تأمين الرعاية لابنه بأجره الهزيل، أنّ أحمد كان يخضع، بفضل منظمة “هانديكاب إنترناشونال” غير الحكومية، لجلسات علاج فيزيائي مع “نيّة بعد العلاج بشهرَين أو ثلاثة أشهر” بتوفير أجهزة تجعله قادراً على “الاعتماد على نفسه فينهض وحده من سريره”. لكنّ هذا لن يحصل بعدما أوقفت إدارة ترامب في نهاية يناير الماضي كلّ المساعدات الإنسانية “غير المنقذة للحياة”، ثمّ أعلنت وقف برامج مختلفة، الأمر الذي أرغم منظمة “هانديكاب إنترناشونال” على إغلاق مركز إعادة التأهيل الذي كان أحمد يقصده في العاصمة الأردنية عمّان.

قرار ترامب “كارثي”

ولا يخفي محمود لوكالة فرانس برس أنّ الأمر أثّر على صحة ابنه نفسياً. ويوضح أنّ حين علم أحمد بأنّ علاجه سوف يتوقّف، “تعبت نفسيّته، وتأثّر أكله وشربه وحياته (عموماً). صار يفكّر بأنّه لن يتمكّن من المشي”. يتابع أنّ ابنه صار “ينظر إلى الأطفال وهم يلعبون ويركضون، ويقول إنّه يريد أن يمشي مثلهم وينهض مثلهم”.

ولا تُعَدّ حالة أحمد معزولة، فقد حُرم أكثر من 600 طفل بين ليلة وضحاها من الرعاية الطبية، ومنع أمر صادر عن واشنطن من تسليم أطراف اصطناعية مصمّمة خصيصاً لنحو ثلاثين منهم، بالإضافة إلى كراسيّ متحرّكة. في هذا الإطار، يقول الطبيب عبد الله حمود، في المركز سابقاً، إنّ قرار وقف المساعدات الأميركية أتى “كارثياً”، إذ إنّ الأطفال “سوف ينسون كلّ ما تعلّموه مثل السير أو المحافظة على التوازن”.

وتنقل منظمات إنسانية كثيرة عدداً كبيراً من القصص المؤلمة، مذ أعلنت إدارة ترامب إلغاء 83% من مساعداتها الخارجية المخصّصة لمشاريع وحملات وبرامج إنسانية، صحية وغير ذلك. يُذكر أنّ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (يو إس إيد) التي فكّكها ترامب كذلك، كانت توفّر وحدها 42% من المساعدات عبر العالم بميزانية تصل إلى 42.8 مليار دولار أميركي.

في سياق متصل، حذّر المفوّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، في خلال كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، من أنّ هذه الاقتطاعات “كاسحة”، لافتاً خصوصاً إلى “مخاطر” متزايدة بوقوع الأطفال ضحايا “العمل القسري والاتّجار بالبشر والزواج المبكر”. وأقرّ بأنّ مفوضيته قد تضطرّ إلى تخفيض نشاطاتها بواقع الثلث في مختلف أنحاء العالم، بسبب الاقتطاعات في المساعدات الدولية.

وفي جنوب السودان، أفادت منظمة “سيف ذا تشيلدرن” (أنقذوا الأطفال) غير الحكومية بوفاة أطفال مصابين بالكوليرا في أثناء نقلهم إلى عيادات بعيدة جداً عن أماكن وجودهم، وذلك بعدما أدّى قطع المساعدات الأميركية إلى إغلاق مراكز صحية كثيرة تُعَدّ حيويّة.

إلى جانب ذلك، فإنّ حالات سوء التغذية التي تطاول حالياً 150 مليون طفل في العالم قد تشهد زيادة حادّة. ويوضح مدير منظمة “سوليداريتيه إنترناشونال” (تضامن الدولي) كيفن غولبرغ أنّ “ملايين الأطفال (الإضافيين) سوف يعانون للأسف من تأخّر في النموّ”، الأمر الذي من شأنه أن يؤثّر على قدراتهم العقلية وأهليّتهم لعيش حياة طبيعية. ويشير، على سبيل المثال، متحدّثاً لوكالة فرانس برس، إلى وقف برنامج تشرف عليه منظمته غير الحكومية في موزمبيق، يؤمّن المياه والطعام لعشرات الآلاف من الأطفال، من بينهم نحو 240 ألف نازح.

وفي ملاوي، تلفت منظمة غير حكومية، فضّلت عدم الكشف عن هويتها خشية التعرّض لإجراءات “انتقامية” من قبل إدارة ترامب، إلى أنّ عشرات الآلاف من الأطفال حُرموا من وجبات الطعام في المدارس التي كانت تؤمَّن بتمويل أميركي، موضحة أنّ “كثيرين من هؤلاء سوف يضطرون إلى وقف دراستهم”.

الفتيات “يسقطن” ضحايا اقتطاعات المساعدات الأميركية

ومن بين أوّلى ضحايا وقف المساعدات الفتيات اللواتي يُحرمنَ تقليداً من التعلّم لفائدة تعلّم الفتيان. وتقول موظفة في المنظمة التي لم تشأ الكشف عن هويتها لوكالة فرانس برس “كأن البساط قد سُحب من تحت أقدامهنّ.. لا يسعهنّ سوى السقوط”.

بدوره، يأسف المجلس النرويجي للاجئين لاضطراره إلى “الحدّ بصورة كبيرة من مساعدته” التي كان يقدّمها للنساء والفتيات في أفغانستان، مشيراً إلى أنّ قطع التمويل الأميركي أرغمه على التخلّي عن قسم من موظفاته اللواتي كنّ يتولّينَ التواصل مع النساء والفتيات الأفغانيات. وأوضحت المسؤولة في المنظمة كاميلا فاجينك أنّ في بلد يسوده بحسب الأمم المتحدة “الفصل العنصري على أساس الجنس الاجتماعي، سُحبت أطواق النجاة الأخيرة من أعداد كبيرة من النساء والفتيات”.

وفي ضربة إضافية تُسدَّد إلى أطفال العالم، تعتزم إدارة ترامب الحدّ بصورة أكبر من دعمها المالي لحملات التطعيم في الدول الفقيرة، علماً أنّ مناشدات كثيرة كانت قد أُطلقت منذ بدء الاقتطاعات، ولا سيّما أنّ ذلك يؤثّر بجهود مكافحة شلل الأطفال والسلّ وغيرها من الأمراض التي من الممكن الوقاية منها من خلال التحصين ضدّها. وتقول المديرة العامة للتحالف العالمي للقاحات والتمنيع (غافي) لوكالة فرانس برس إنّه في حال تأكدت هذه الاقتطاعات الأخيرة، يعني ذلك أنّ “نحو 1.3 مليون طفل سوف يموتون من جرّاء أمراض يمكن تفاديها بواسطة اللقاحات”.

(فرانس برس، العربي الجديد)

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here