أفريقيا برس – السودان. يعتمد السودان على صادرات الذهب بصورة رئيسية للحصول على النقد الأجنبي وسدّ وتغطية العجز التجاري، وتعوّل الحكومة على التنقيب عن الذهب من أجل سدّ الفجوة في الإيرادات الناتجة من فقدانها حوالي 70% من عائدات النفط، بعد انفصال دولة الجنوب. ووفقاً لتقارير صادرة في وقت سابق عن الأمم المتحدة، فإن الاقتصاد السوداني تراجع بنسبة تصل إلى 42% من جراء الاشتباكات المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو عامين.
وفي الصراع الحالي يعدّ الذهب هدفاً للحرب في السودان، ويساعد على تأجيجها، ويستمر كلٌّ من الجيش وقوات الدعم السريع في الاعتماد على إنتاج الذهب وسيلةً أساسيةً لتمويل المجهود الحربي، ويدلل على ذلك عدد من الخبراء والمحللين بقولهم إنّ قوات الدعم السريع استولت على 1273 كيلوغراماً من مصفاة الذهب في الخرطوم، كما أنّها تمكّنت من تنفيذ عملية نهب ضخمة، إذ استولت على نحو 820 مليون دولار من الذهب الخالص المخزن بمصفاة الذهب جنوب الخرطوم، وقدرت الكمية المنهوبة بحوالي ثمانية أطنان. كما أن قوات الدعم السريع عازمة على الحفاظ على السيطرة على مناجم الذهب في منطقة سونغو بولاية جنوب دارفور، ما يضمن لها السيطرةَ الكاملة على منطقة التعدين المربحة. وفي محاولة للحدّ من مصدر دخل قوات الدعم السريع، قصفت القوات الجوية السودانية المنطقة مراراً وتكراراً.
وتقول الحكومة إنّ إنتاج الذهب في مناطق سيطرة الجيش بلغ 150 مليون دولار من العائدات الشهرية، فيما قال مراقبون إن قوات الدعم السريع أنتجت ما يقدّر بنحو 240 طناً من الذهب على مدى سبع سنوات؛ من 2015 إلى 2022، بمعدل 32 طنّاً في السنة، مؤكدةً أن هذه الإيرادات هي التي ضمنت لقوات الدعم السريع تمويل العمليات العسكرية، كما تمتلك قوات الدعم السريع سوقاً جاهزة لذهبها في الإمارات، إذ جرى تهريب 2500 طن من الذهب غير المعلن من أفريقيا، بقيمة تبلغ 115 مليار دولار، بين عامي 2012 و2022، وفقاً لدراسة حديثة أجرتها منظمة المعونة السويسرية؛ وهي مجموعة تنمية.
وأعلنت الحكومة السودانية أن عائدات الذهب لعام 2024 حققت 1.9 مليار دولار، بارتفاع الإنتاج إلى 64 طناً عمّا كان عليه في السابق (42 طنّاً)، وتجاوزت حصيلة صادرات الذهب ملياراً و500 مليون دولار خلال العشرة أشهر الماضية من عام 2024، وفق ما أفاد به مدير شركة الموارد المعدنية محمد طاهر عمر.
مختصون قالوا إنّ البلد لم يصل إلى مرحلة اتخاذ الذهب ملاذاً آمناً له، رغم كثرة الإنتاج وضعف الموارد الأخرى، وأشاروا إلى أن ظروف إنتاجه معلومة للجميع، عقب انفصال دولة الجنوب وذهاب ثلثي إنتاج النفط الذي كان يُساهم مباشرةً في خزينة الدولة، في وقت يطالب فيه آخرون بضرورة إيقاف التعدين التقليدي والاعتماد فقط على الشركات الكبرى لضبط صادره حتى يصبح الذهب مورداً يمكن الاعتماد عليه، سواء كان في الميزانية العامة للدولة أو النقد الأجنبي.
ويرى الاقتصادي بابكر أحمد التوم، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنه “في حالة السودان يصعب اعتبار الذهب ملجأ آمناً، مع أنه كذلك عالمياً”، معدّداً الأسباب بأنها تعود إلى ضعف إيرادات الحكومة السودانية عامة، وهو ما يضطرها إلى بيع كامل إنتاجها من الذهب لتلبية احتياجات الاستيراد، الأمر الذي ينفي عنها تماماً صفة اتخاذ الذهب ملاذاً آمناً يُعتمد عليه في شأن التقلبات المستقبلية.
أما الخبير الاقتصادي محمد الناير فيؤكد لـ”العربي الجديد” أن “الذهب ملاذ آمن، على ضوء الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس دونالد ترامب وألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي وشركاء أميركا، إذ بدأ الجميع يذهب إلى المعدن الثمين، بل ربما تشهد الفترة المقبلة حرب عملات، فيصبح الذهب ملاذاً آمناً في كل الحالات، رغم أن أميركا تعتبر من أكبر الدول التي تعتمد على الذهب ملاذاً لاحتياطيها الكبير”.
وفي ما يتعلق بالسودان، يقول الناير إن “ظروف البلد معروفة، إذ استُبيح بنك السودان المركزي، ما أفقده أكبر احتياطي موجود من الذهب، رغم أن السودان لم يحتفظ بكلّ الإنتاج، لكن لو قدرناه بـ20% من الإنتاج فإنه سيساهم في استقرار العملة المحلية ويمنع التقلبات التي نشهدها الآن”.
ويُضيف أن على الدولة السودانية دراسةَ قرار يمنع التعدين التقليدي لمصلحة تعدين الشركات الذي تتوافر فيه ضوابط الإنتاج والتصدير، مثلما كان يحدث في قطاع النفط، و”بذلك تتحقّق المسؤولية الاجتماعية وإيرادات الدولة بنسبة معروفة، إضافة إلى المساهمة في الاستقرار الاقتصادي من جوانب متعددة”، كما أن القرار يمكّن “من الحدّ من عمليات التهريب التي تحدث في قطاع الذهب غير المنظم، إضافة إلى سلبياته الكثيرة على البيئة والمعدّنين أنفسهم، لأن 80% من الذهب السوداني يُستخرج عبر تعدين غير نظامي، وهو ما ساهم بشكل كبير في زيادة نشاط التهريب”. وقال إنّه “لا بد من عملية جراحية صعبة، لكنها تصبّ في مصلحة الاقتصاد وتُقلل من العشوائية في إنتاج الذهب”.
كما يقول محمد آدم، الخبير في مجال المعادن، لـ”العربي الجديد”، إنّه على الرغم من الإنتاج الكبير المعلن من الحكومة السودانية، فإنه لا يُستفاد منه، لأنّ أكثر من 65% من الإنتاج يُهرّب عبر طرق مختلفة من قوات الدعم السريع أو عناصر من الحكومة نفسها.
ويُعدّ السودان إحدى أكبر الدول في أفريقيا من حيث إنتاج الذهب المتوافر في 14 ولاية من أصل 18، وتتركز مناطق تعدين الذهب في ولايتي نهر النيل والشمالية، من وادي حلفا حتى عطبرة، بالإضافة إلى ولايات الشرق الثلاث، وأهمّها ولاية البحر الأحمر، حيث يُعثر عليه بمحاذاة البحر الأحمر وعلى امتداد سلسلة الجبال الممتدة، وكذلك في ولاية النيل الأزرق. كذلك تنتشر مناجم الذهب في ولايات كردفان ودارفور، التي تقع ضمن نطاق الحرب وخارج سيطرة الحكومة التابعة للجيش في بورتسودان، ولا يُعرف حتى الآن حجم التعدين هناك، أو ما إذا كان الإنتاج مستمراً كما في السابق في ظل ظروف الحرب.
ويُساهم الذهب في نحو 50% من قيمة الصادرات السودانية، بما يعادل نحو 2.3 مليار دولار، ويُصدّر بنظام الدفع المقدّم، أي يودِع المصدر القيمةَ الدولارية لصادر الذهب قبل الشحن إلى الخارج. ويقول الاقتصادي محمد بابكر إنّ “غالبية الذهب المصدَّر بصورة رسمية يذهب إلى الإمارات، نظراً لوجود مرافق التصفية والمعايرة المعتمدة دولياً في تلك الدولة، إضافة إلى وجود حسابات للمصدرين السودانيين في البنوك الإماراتية ذات الملاءة المالية القوية وغير الخاضعة لأي نوعٍ من أنواع الحظر”. إلّا أن مختصين يقولون إن الذهب السوداني يُهرّب إلى دول الجوار كافة نتيجة لشحّ المعلومات عنه، وغالباً ما تقوم الأجهزة المعنية في الدول المجاورة بتجاهل عمليات التهريب.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن السودان عبر موقع أفريقيا برس