محمد مسلم
أفريقيا برس – الجزائر. لم يظهر أي أثر لوزير الداخلية الفرنسي السابق، برونو روتايو، منذ مدة، لا تصريحات ولا تغريدات. صاحب العبارة الشهيرة “الرد التدريجي” على الجزائر، دخل في سبات عميق بسبب الصدمة التي تعرض لها منذ نهاية الأسبوع المنصرم. لم يخسر فقط حقيبة الداخلية، بل خسر أيضا حزبه “الجمهوريون”، الذي يقوده منذ شهر ماي المنصرم.
آخر ظهور له يعود إلى يوم 12 أكتوبر الجاري، في تغريدة على حسابه في منصة “إكس”، أشاد فيها بتكريم الأكاديمية البلجيكية للأدب الفرنسي، للسجين بوعلام صنصال، الذي يقضي عقوبة خمس سنوات بسبب تطاوله على الوحدة الترابية للجزائر. ومنذ ذلك التاريخ اختفى روتايو تماما.
ولم تكن لروتايو المهووس بالجزائر الجرأة للخروج بموقف، بل تبنى تغريدة للسيناتور ماكس بريسون: “لقد طعن الحزب الاشتراكي الحكومة بسيف، وبعد تعليق إصلاح نظام التقاعد، سيطالب بمكاسب إضافية أسبوعيا لتجنب تصويت بحجب الثقة. وسيكون الثمن الذي سيدفعه الشعب الفرنسي باهظًا. ماذا يمكن لستة أعضاء سابقين في حزب “الجمهوريون”، أن يفعلوا في هذه الفوضى التي ستجبرهم على الدوس على معتقداتهم؟”.
وعلى بعد نحو أسبوع، لاذ برونو روتايو بصمت حير متابعيه، وهو الذي تلقى ضربة قاصمة لمستقبله السياسي، فمن مجموع نحو أربعين نائبا ينتمون للحزب الذي يرأسه (الجمهوريون)، لم يحترم توجيهاته بالتصويت على حجب الثقة بحق حكومة لوكورنو سوى أربعة نواب فقط، فيما صوت لنيل الثقة 36 نائبا، في صدمة مدوية.
كما أن برونو روتايو عندما سقطت حكومة لوكورنو الأولى والتي حافظ فيها على حقيبة وزارة الداخلية، اتخذ قرارا بعدم المشاركة في حكومة لوكورنو الثانية، لاعتقاده بأنها تطبق برنامج الحزب الاشتراكي، غير أن دعوته للمقاطعة قوبلت أيضا بتجاهل من قبل ست شخصيات قيادية في الحزب، تقلدوا حقائب وزارية فيها وهم اليوم وزراء خارج إرادته.
وفي مطلع الشهر الجاري، عندما كان برونو روتايو وزيرا للداخلية، احتج بشدة على قرار وزارة الخارجية الفرنسية رفع عدد التأشيرات الممنوحة للطلبة الجزائريين بنحو ألف تأشيرة في السنة الجامعية الحالية مقارنة بالسنة الفارطة، وطالب بمنح صلاحية البت في ملف التأشيرات، لوزارته غير أن الطلب بقي حبرا على ورق.
قبل نحو سنة من الآن، فرض برونو روتايو شروطه على الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كوزير للداخلية بصلاحيات موسعة، ومن هذه الشروط إطلاق يديه في ملف الجزائر، على أمل أن يجعله مطية لحساباته السياسية الضيقة، تحسبا لخوض سباق الانتخابات الرئاسية المرتقبة في ربيع 2027.
خلال السنة التي قضاها روتايو على رأس وزارة الداخلية، بنى مجدا سياسيا انطلاقا من كراهيته للجزائر واستهدافه لمصالحها ولجاليتها، فقد تحول إلى نجم للبلاطوهات في المنابر والقنوات التلفزيونية اليمينية، متهجما على الجزائر، ومنازعا زميله في الحكومة وزير الخارجية، جون نويل بارو، في الصلاحيات، بل ومهددا رئيس بلاده بالاستقالة في حال لم يسايره في سياساته ومواقفها العدائية تجاه الجزائر، مستغلا هشاشة الوضع السياسي لسيد قصر الإيليزي.
غير أن هذا المجد لم يدم سوى سنة واحدة فقط، قبل أن ينهار فجأة وبشكل مثير للانتباه. فقد اقتنع صناع القرار في باريس وعلى رأسهم ماكرون ذاته، أن برونو روتايو أوصل العلاقات مع الجزائر إلى نقطة الصفر، بسبب تصريحاته الاستفزازية غير القابلة للتجسيد. وفي عهده، لم تتمكن السلطات الفرنسية من ترحيل ولو مهاجر جزائري واحد من دون الحصول على ترخيص قنصلي، بالرغم من تهديداته الفارغة من أي محتوى، من قبيل معاقبة شركة الخطوط الجوية الجزائرية، ومنع تحويل أموال الجزائريين من فرنسا..
غادر برونو روتايو الحكومة الفرنسية، ولم يتمكن من تجسيد ولو تهديد واحد، كما لم يعد الإعلام الفرنسي يتهافت عليه ليمنحه منبرا كي يشتم الجزائر في اليوم أكثر من مرة، كما جاء على لسان الوزير الأول ووزير الخارجية الفرنسي الأسبق، دومينيك دوفيلبان، بل توارى عن الأنظار كلية في تطور يؤشر على أفول نجمه السياسي وقد يكون ذلك للأبد.. فهل هي لعنة الجزائر؟
المصدر: الشروق
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس