معادلة المال والسياسة تفشل في ترتيب أطرافها بالجزائر

0
معادلة المال والسياسة تفشل في ترتيب أطرافها بالجزائر
معادلة المال والسياسة تفشل في ترتيب أطرافها بالجزائر

أفريقيا برس – الجزائر. رغم انضواء الحكم القضائي الصادم في حق سيدة الأعمال الجزائرية سعيدة نغزة، تحت لواء محاربة الفساد الانتخابي، إلا أن انحدار السيدة من عالم المال والأعمال، يكرس العلاقة المتوترة بين المال والسياسة في الجزائر، خاصة وأن المناخ بات مقلقا بعد امتداد يد القضاء للرجل الأول في أكبر مجمع اقتصادي خاص، وأول ممول للخزينة العمومية بعد شركة سوناطراك عمر ربراب، ومنعه من ممارسة أي نشاط اقتصادي أو التعامل مع المؤسسات المصرفية في البلاد، يؤكد على الطموح السياسي لملاك المجمع، اصطدم بقاعدة صلبة مفادها لا مكان للمال والسياسة معا.

أعادت الأحكام القضائية الصادرة بالجزائر في حق اثنين من أبرز رجال وسيدات المال والأعمال، علاقة المال بالسياسة الى واجهة الأحداث، وطرحت مجددا الثنائية التي ظل حالها يتراوح بين الوفاق أحيانا، وبين التنافر في أحايين أخرى، رغم امكانيات التكامل التي أفرزتها بعض التجارب في ربوع العالم، والتي أكدت أن المال والسياسة بامكانهما تحقيق الثقة والمساهمة معا في بناء النهضة المنشودة.

واذا كان الحكم بالسجن النافذ لأربع سنوات على سيدة المال والأعمال سعيدة نغزة، استند على تهمة “الفساد الانتخابي” و”توظيف المال في المرور الى استحقاق سياسي”، فان القرار القاضي بحظر أي نشاط تجاري أو اقتصادي أو اداري، للرجل الأول في مجمع “سيفيتال” الخاص عمر ربراب، استحضر العلاقة المتوترة بين ملاك المجمع وبين قيادات سياسية في البلاد طيلة العقود الأخيرة، حيث ظل نزوع ادارة المجمع الى تكوين أذرع اعلامية، وتمويل حملات انتخابية مصدر ازعاج للسلطة في أكثر من مرة.

ويرى الاعلامي المختص في الشأن السياسي محمد قديرات، بأن “مبدأ أخلقة الحياة العامة تندرج في صلب البرنامج السياسي للرئيس تبون، منذ توليه الرئاسة في 2019، وأن عودة الثقة بين الشارع والمؤسسات المنتخبة يمر حتما عبر اضفاء النزاهة والشفافية على الاستحقاقات الانتخابية، والحد من توظيف المال في الشأن السياسي”.

وأكد، لـ “أفريقيا برس”، بأن “محاكمة شخص أو مرشح ما، لا يتوجب تأويله إلى أبعاد أخرى لاخراج الأفعال عن محتواها، أو عرقلة تنفيذ القانون على الجميع، وأن الطابع العلني للمحاكمة وضمان المحاكمة العادلة، ودرجات التقاضي التي يكفلها التشريع، ولذلك فان العبرة في الدفع بالحجج والقرائن أمام المحكمة، وليس اللجوء الى التهويل السياسي والاعلامي”.

أخلقة الحياة تخضع الجميع للقانون

وتزامن الحكم القضائي في حق سيدة الأعمال الجزائرية سعيدة نغزة، رفقة مرشحين آخرين لانتخابات الرئاسة الأخيرة، بتهمة الفساد السياسي، مع حكم آخر يمنع الرجل الأول في أكبر مجمع اقتصادي خاص، وأول ممول للخزينة العمومية بعد شركة سوناطراك عمر ربراب، من ممارسة أي نشاط اقتصادي أو التعامل مع المؤسسات المصرفية في البلاد.

ويعتبر مجمع “سيفيتال” المتخصص في الصناعات الغذائية، أكبر مؤسسة اقتصادية خاصة في الجزائر، وأول ممول للخزينة العمومية بعد شركة سوناطراك الحكومية، حيث قدرت ثروة مؤسسه يسعد ربراب، بأربعة مليارات دولار، ليكون بذلك أكبر ثري في القارة الافريقية خلال السنوات الماضية.

وتواترت صدامات المجمع مع السلطات العمومية منذ العام 20014، حيث تم في البداية تعطيل مصنع سحق البذور الزيتية، وتعرض مالكه للسجن العام 2019، بدعوى مخالفة تشريعات الصرف، قبل أن يتم عزله تماما عن المجمع الذي أسسه في بداية تسعينيات القرن الماضي العام 2023، ليخلفه نجله عمر ربراب، الذي لقي نفس المصير بداية من الشهر الجاري، وتحال مأمورية المجمع الذي يشغل 18 عامل الى النجل الثاني مليك ربراب.

وتمثل حالتا سيدة الأعمال سعيدة نغزة، ومجمع “سيفيتال” الخاص، نموذجا حيا لمعادلة المال والسياسة في الجزائر، فعلى عكس التجارب المختلفة في ربوع العالم، يشكل ارتباط المال بالسياسة معادلة معقدة ومفخخة، بسبب الملابسات التي اعترت ظهور القطاع الاقتصادي الخاص في البلاد، فظهور الأثرياء يتطلب حماية النخب الرسمية، ولا يمكن لطبقة الأثرياء أن تكون من خارج النخبة المذكورة.

وانتهت الهدنات وحتى التحالفات التي أبرمت بين السلط المتداولة وبين طبقات رجال الأعمال الى صراعات وتصفية حسابات، لاسيما وأن المعادلة المعمول بها في البلاد، تنطوي على فساد سياسي ومالي، كثيرا ما استفز الشارع الجزائري وجره الى الانفجار، كما حدث في انتفاضتي أكتوبر 1988، وفبراير 2019.

ويتواجد العديد من رجال المال والأعمال، على غرار علي حداد، محي الدين طحكوت، محمد بعيري، وأحمد معزوز، في السجن، بعدما ظلوا يمثلون طيلة العقدين الماضيين، الذراع المالية والاقتصادية للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ويبدو أن آلة التطاحن بين النخب الرسمية والطبقة المذكورة، ماضية في اسقاط المزيد من الرؤوس، فبعد ابعاد يسعد ربراب عن مجمع “سيفيتال”، جاء الدور على نجله عمر، وعلى سيدة الأعمال ورئيسة كونفديرالية المؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة، التي سجنت بسبب الفساد الانتخابي.

نشأة غير طبيعية للقطاع الخاص الجزائري

ويرى الناشط السياسي محمد سعيد تاوزرت، بأن نشأة القطاع الخاص في الجزائر ارتبط بظروف وملابسات معينة، وظلت ثروات الخواص على علاقة استثنائية مع الدوائر الرسمية ولوبيات النفوذ، فعلى عكس تجارب أخرى ولد فيها النشاط وفق معايير شفافة ونزيهة، ارتبط في الجزائر بمدى الحماية والدعم التي يحظى بها، من طرف المؤثرين الفعليين في القرار السياسي والاقتصادي.

وأكد، لـ “أفريقيا برس”، بأنه “كان بالامكان أن يكون الطموح السياسي والحضور الاعلامي للقطاع الخاص مشروعا، لو كانت نشأته طبيعية، لكن أن ارتبط بعلاقات مركبة ومعقدة مع دوائر القرار السياسي، فان التحالف الذي قد يظهر الآن، يمكن أن يتحول الى صدام في آن آخر، لأن المصالح تتغير، وهو ما يتجسد الآن.

ولفت الى أن الحلف المبرم بين الرئيس بوتفليقة، مع مجموعة منتدى مسيري المؤسسات، انتهى الى صدام في حقبة الرئيس الحالي تبون، واستخلف التنظيم بمجلس التجديد الاقتصادي، وسجنت مجموعة علي حداد، وبرز كمال مولى، بينما تسجن الآن الحليفة السابقة للرئيس تبون، السيدة سعيدة نغزة، بعد خلافاتها مع محيط الرئيس، وظهور طموحها في منافسته على كرسي الرئاسة في 2024.

ويحتفظ المخيال الجزائري، بعبارة شهيرة للرئيس الجزائري هواري بومدين، ذو الهوى والعقيدة الاشتراكية، مفادها ضرورة الاختيار بين “الثروة والثورة”، ويقصد بها عدم توظيف أي من طرف المعادلة في خمة الآخر.

وعلى عكس رموز الكتلة المالية والاقتصادية المحكوم عليها، فان تجربة مجمع “سيفيتال”، تعتبر أكثر اثارة للراي العام، فبعد الحماية التي ظل يحظى بها من طرف قيادة جهاز الاستخبارات السابق في تسعينيات القرن الماضي، وجد ملاك المجمع أنفسهم في مواجهات متجددة مع السلط الأخيرة، التي تصر على ضرورة العزل بين المال والسياسة، ومارست حجرا سياسيا واعلاميا عليها.

متاعب المجمع بدأت مع رفض المالك الأساسي الانخراط في تجديد الولايات الرئاسية لبوتفليقة في 2014 و2019، واجهاض مشروع شرائه لصحيفة “الخبر” الخاصة العام 2013، ثم تم الضغط عليه لتوقيف صدور صحيفته الناطقة بالفرنسية “ليبرتي”، العام 2020، بينما لم يتوان الرجل في الجهر بموقفه الداعم لمرشحين منافسين لمرشح السلطة، على غرار تجربة المرشح علي غديري العام 2019.

وفي نفس السياق تندرج تطورات قضية سيدة الأعمال ورئيسة تنظيم مهني لرجال الأعمال ورؤساء المؤسسات الخاصة، حيث وجهت لها تهم شراء ذمم وتوقيعات منتخبين لاعداد ملف الترشح للانتخابات الرئاسية التي جرت في سبتمبر الماضي، مما يكرس التداخل بين المال والسياسة في الجزائر.

ويضيع التوظيف المختل لطرفي المعادلة، جزءا من أساسيات البناء، فعلاوة على تعزيز الانطباع السائد لدى الاستثمارات الداخلية والخارجية في المغامرة برؤوس أموالها في مناخ يستم بالشكوك والمثبطات، تفقد تدريجيا نخبها التي بامكانها تكوين ثروات الدولة والنهوض بالاقتصاد المحلي، لولا العلاقة المعقدة والمختلة بين المال والسياسة.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here