اتحاد المغرب العربي… موت سريري غير معلن

2
اتحاد المغرب العربي... موت سريري غير معلن
اتحاد المغرب العربي... موت سريري غير معلن


المهدي مبروك

أفريقيا برس – الجزائر. تمرّ بعد أيام ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي، لن تحييها الأنظمة أو حتى الشعوب. لم تعد هذه الذكرى تُستحضر حتى في مستواها الفولكلوري، وقد جرت أحداث عديدة في المنطقة، ولكن المياه لم تتجدّد وظلت آسنة. لا يصدّق الناس، بعد مضي ما يناهز 35 عاما، أن قادة المنطقة اجتمعوا في 6 يونيو/ حزيران 1988 في زيرالدة الجزائرية، واتفقوا على تأسيس تكتل إقليمي موحد، وهو ما جرى في مراكش يوم 17 فبراير/ شباط 1989، فقد جرى إعلان اتحاد المغرب العربي، حتى ولو كان ذلك من باب المجاملة والتقاط صور للاستهلاك الإعلامي وتبرئة الذمة أمام محكمة التاريخ. كانت المنطقة ترزح تحت جبال قضاياها الشائكة والأبدية: الإرث الاستعماري، الاستبداد، الخلافات الحدودية، التجاذبات الإقليمية والدولية، وخصوصا قضية الصحراء الغربية، ومع ذلك، اجتمع قادة المغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا، وأعلنوا عن تأسيس هذا التجمّع الإقليمي. لا تصدّق الأجيال الحالية أن ذلك حدَث فعلا، بل هناك من يذهب إلى اعتبار ما جرى عجيبةً، تُستحسن إضافتها إلى العجائب السبع.

لا يمكن أن نواصل إثارة تلك الثنائيّة التي تريحنا، نحن التوّاقون لوحدة المغرب العربي، أن الأنظمة تتلذّد في بناء المغرب العربي، وهي في مواجهة مهجة شعبية واسعة تهفو إلى وحدة مغاربية. كان ذلك ادّعاؤنا، نحن جيل الثمانينيات، حين كنّا نصرُخ بين جدران الجامعة، ونطالب بوحدةٍ عربيةٍ يكون أدناها وحدة المغرب العربي، استجابةً لنداء الضمير ووفاءً لنضالات أجيال متتالية، بدت، منذ عشرينيات القرن الماضي، وقد وحّد الاستعمار، من دون وعيٍ منه، كفاحها.

كان البناء متعثّرا منذ بداياته، خصوصا أنه كان مرتهنا تقريبا بقمّة ظلت هي العلامة النابضة في جسد هذا الكيان، حتى إذا اختلف الزعماء، لسبب أو لآخر، تأجلت تلك القمم إلى أجل غير مسمّى، معلنة عن شلل مستمرّ. لم تنعقد القمم المغاربية منذ سنة 1994، وقد كان يفترض أن تنعقد القمة التالية في الجزائر التي ترأسّت الاتحاد بعد تونس، ولكن لا شيء أٌنجز، وظلت معلقة إلى أجل غير مسمّى. رحل الزعماء الذين أسّسوا هذا الاتحاد: الحسن الثاني، بن علي، بن جديد، القذافي، ولد الطايع.

كثيرة هي المعوّقات التي حالت دون تفعيل هذا التجمّع، ولعل أهم عامل هو الهوس السياسي وانعدام الثقة بين القادة، خصوصا حين يستحضرون قضية الصحراء. رحل الزعماء، غير أن ورثتهم كانوا أكثر هوسا منهم. حالة التوتّر الدائمة بين المغرب والجزائر تحديدا ظلّت تغذّي كل تلك المخاوف المتبادلة، بل جرّت الأعضاء الآخرين إلى حالات استقطاب لهذا الطرف أو ذاك: تونس، ليبيا، موريتانيا، فهذه البلدان تجد أحيانا نفسها بين قطبين لا يرضيان بالحياد، وهو حقيقةُ أمر صعب. كانت تونس، مثلا، قد حافظت على حياد إيجابي بين كل من الجزائر والمغرب، رغم صعوبة ذلك الموقف. وحافظت على هذا الموقف خلال عشرية الانتقال الديمقراطي على تعثّره، غير أن الرئيس قيس سعيّد يخرج عن هذه السنّة التاريخية، ويختار، في نزوةٍ سياسيةٍ، لا زال بعضهم لم يفهم أسبابها، استقبال زعيم “بوليساريو”، إبراهيم غالي، استقبال الرؤساء في مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية الذي عقد في تونس. كان ذلك خروجا عن سنن الدبلوماسية التونسية في هذا الملفّ الشائك تحديدا. وبقطع النظر عن الاجتهادات الفردية للرئيس سعيّد، لا يمكن أن يُفهم بعيدا عن التأثيرات الجزائرية في السياسة الخارجية التونسية، في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمرّ بها، والتعويل على الجزائر في حل بعضها. ويتجلّى هذا الأمر خصوصا في تغير المواقف الرسمية التونسية أيضا من حكومة عبد الحميد الدبيبة في ليبيا، التي يبدو فيها التأثير الجزائري واضحا أيضا. كانت النتيجة سحب السفير المغربي من تونس، وما تلاها من حربٍ إعلاميةٍ سمّمت الأجواء، وحولت هذا الخلاف الى شبكات التواصل الاجتماعي التي أجّجت مشاهر العداء بين شعبين شقيقين.

ومع ذلك، ظلّت الأخطاء تتوالى بنسقٍ حثيث، فها هي السلطات التونسية ترحّل الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي إلى فرنسا، وهي التي تسلّلت إلى التراب التونسي. تؤكّد صحيفة لوموند أن الأمر جرى بإذن شخصي من الرئيس سعيّد، بعد ضغوط شديدة مارستها السلطات الفرنسية. كان رد الفعل الجزائري بعد يوم واحد حادّاً، إذ شهدت حركة المعابر الحدودية تضييقا كثيرا على حركة المارّين منها، فضلا عن ممارساتٍ لا تليق بالشعبين: حجز أمتعة المسافرين، منعهم من العبور ساعات مطولة، غير أن السلطات الجزائرية سرعان ما عالجت كل هذه التجاوزات، حين نشرت بلاغا (بيانا) أكّد حرص الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبّون، على أن تظل المعابر بين البلدين مفتوحة من دون أي إجراءاتٍ تمييزية. حدث هذا والسلطات الجزائرية تعمد إلى إصدار منشورٍ يمنع على الجامعيين هناك كل أشكال التعامل الأكاديمي مع مؤسّسات مغربية أو باحثين مغاربة؟

لقد مرّ المغرب العربي من حالة التوتّر الناجمة عن مشكل واحد تقريبا، وهو الصحراء الغربية، إلى حالة تشتّت، هي أقرب إلى حالة الحرب الباردة، ولكن هذه المرّة تحت ضغط مشكلات عديدة، سواء التي تحدُث داخل دولة عضو على غرار الانقسام الداخلي في ليبيا، الانقلاب في تونس، أو تحدُث تحت ضغط الخلافات الثنائية البينية.

ستمرّ ذكرى تأسيس المغرب العربي من دون أن يذكرها الإعلام الرسمي في أكثر من بلد مغاربي، وربما لن تستحضرها أجيالٌ شابّة لم تسمع به أصلاً.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here