أفريقيا برس – الجزائر. في سياق تجاوز البعد الاجتماعي إلى حسابات مالية وسياسية واضحة، عادت بعض الدوائر الفرنسية إلى إثارة ملف معاشات التقاعد، في محاولة للضغط على الجزائر من أجل دفع متقاعدين جزائريين عملوا واشتغلوا طيلة حياتهم داخل الوطن وساهموا في صندوق التقاعد الوطني، وتحويلها بالعملة الصعبة نحو فرنسا بعد اختيارهم الإقامة هناك.
وجاء هذا الطلب الغريب، من خلال سؤال كتابي وجهه النائب كريستيان جيرار، عضو الجمعية الوطنية الفرنسية وهي الغرفة السفلى للبرلمان، عن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف المعروف بعدائه الشديد للجزائر والجزائريين، موجه إلى وزير أوروبا والشؤون الخارجية، ومؤرخ في 12 ديسمبر 2025.
وفي تفاصيل المطلب الغريب، يتهم النائب الفرنسي الجزائر بعدم تطبيق الاتفاقية العامة للضمان الاجتماعي الموقعة بين البلدين في 1 أكتوبر 1980، مدعيا أن الصندوق الوطني للتقاعد يرفض تحويل معاشات متقاعدين جزائريين وحاملي الجنسية المزدوجة يقيمون في فرنسا، رغم أنهم خضعوا للنظام التقاعدي الجزائري وساهموا فيه داخل الجزائر.
ويستند السؤال إلى قراءة فرنسية تعتبر أن رفض تحويل هذه المعاشات يحرم المعنيين من مواردهم ويدفعهم للاستفادة من مساعدات اجتماعية فرنسية غير مساهمة، على غرار منحة التضامن لكبار السن، ما يشكل عبءا ماليا على الخزينة الفرنسية.
كما يطرح النائب أرقاما تتحدث عن قيام فرنسا سنويا بدفع ما يقارب مليار يورو لفائدة متقاعدين يقيمون في الجزائر، في محاولة لإظهار غياب “المعاملة بالمثل”، متناسيا أن الأمر يتعلق هنا بمهاجرين عملوا في فرنسا، ثم قرروا العودة إلى بلادهم وليس العكس.
غير أن هذا الطرح يتجاهل مبدأ السيادة التشريعية الجزائرية، وقاعدة إقليمية القوانين الاجتماعية، فضلا عن كون المعنيين تقاعدوا وعملوا داخل الجزائر وليسوا عمالا مهاجرين في فرنسا، ما يجعل تحويل معاشاتهم بالدوفيز مطلبا سياسيا وماليا أكثر منه حقا قانونيا ثابتا، خاصة في ظل غياب أي اتفاق صريح يلزم الجزائر بتحويل معاشات داخلية بالعملة الصعبة إلى الخارج.
ويضيف المطلب الفرنسي أن عدم تحويل المعاشات يضر بمبدأ العدالة الاجتماعية، حسب قراءة وزعم النائب جيرار، ويضع حسبه فرنسا في موقع “خسارة مالية واضحة”، في حين يرى مراقبون جزائريون أن هذا الطرح يفتقد إلى أي سند قانوني داخلي يبرر إجبار الجزائر على تحويل أموال تقاعدية مكتسبة داخل أراضيها إلى دولة أخرى، خاصة وأن المعاشات هي نتيجة مساهمة المواطنين في صندوقهم الوطني، وليس أموالا دولية قابلة للتصرف وفق الطلب الخارجي.
ويشير السؤال الفرنسي كذلك إلى ما يزعم أنه “غياب المعاملة بالمثل”، موضحا أن فرنسا تدفع سنويا ما يقارب مليار يورو لمتقاعدين فرنسيين يقيمون في الجزائر، بينما لا تحصل على تحويل مماثل لمتقاعدين جزائريين يقيمون في فرنسا، لتبرير الضغط السياسي على الجزائر.
ويظهر جليا من وراء هذه المطالب وجود توجه لدى جزء من الطبقة السياسية الفرنسية نحو استقطاب العملة الصعبة الجزائرية والضغط المالي والسياسي، وليس حماية حقوق المتقاعدين الجزائريين، ما يضع باريس في موقع المطالب الخارجي الذي يتجاهل السيادة الوطنية الجزائرية ومبادئ العدالة الداخلية.
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس





