بين الصمت الرسمي والحسابات الاقليمية الجزائر تتصدر لائحة “الحراقة”

بين الصمت الرسمي والحسابات الاقليمية الجزائر تتصدر لائحة
بين الصمت الرسمي والحسابات الاقليمية الجزائر تتصدر لائحة "الحراقة"

أفريقيا برس – الجزائر. أمام تحول حوض المتوسط الى مقبرة للمهاجرين السريين من الضفة الجنوبية، تصدرت الجزائر لائحة جنسيات الهجرة غير النظامية نحو اسبانيا، وسط صمت رسمي عن تفاقم ظاهرة “الحرقة” الى أوروبا، وتجاهل غير مفهوم لأزمة اجتماعية عميقة، وباستثناء نقاشات بعض النخب والمختصين على شبكات التواصل الاجتماعي، تبقى الآلة الأمنية هي المقاربة الوحيدة لمعالجة الظاهرة، التي أخذت طابعا نوعيا في الآونة الأخيرة، ورغم بعدها العابر للحدود، تكتفي حكومات المنطقة بدور المتفرج، في ظل تضارب المصالح والأبعاد الجيوسياسية.

يحصي برنامج “مهاجرون مفقودون” التابع لمنظمة الهجرة الدولية، فقدان نحو 28 ألف مهاجر غير نظامي في حوض المتوسط منذ العام 2014، منهم 2200 خلال العام الماضي، ليكون بذلك أعلى رقم منذ بداية الاحصائية، الأمر الذي يشي الى أن الحوض تحول الى مزرعة لتغذية الأسماك بالأجسام البشرية، بينما لا زالت المسؤولية محل تقاذف حكومات المنطقة، حيث غالبا ما تدخل الحسابات الجيوسياسية على خط الظاهرة، بما في ذلك توظيفها كورقة ضغط متبادل.

واذا كانت الهشاشة الأمنية قد كانت وراء تفاقم الظاهرة في السنوات الأخيرة، كما هو الشأن في ليبيا وبدرجة أقل تونس، نتيجة الظروف الأمنية والسياسية التي يمر بها البلدان، إلا أن الحوادث التي عاشها المغرب العام 2022 وأدت الى مقتل نحو 40 مهاجرا أفريقيا بعد محاولة حوالي 2000 مهاجر اجتياز الحاجز الحدودي، وتفاقم أرقام الجزائريين على قوارب “الحرقة” إلى إسبانيا خلال السنوات الأخيرة، يوحي إلى أن أزمات عميقة تنخر المجتمعين على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، الأمر الذي أفقد الآلاف الأمل في العيش ببلدانهم، ويدفعهم إلى المغامرة بحياتهم واختصارها في تحقيق الحلم الأوروبي، أو الانتهاء بغذاء للسمك المتوسطي، وخلفهم مآسي وقصص انسانية وعائلية مؤلمة.

ويرى المختص في علم الاجتماع كمال بوزيد، في تصريح لـ “أفريقيا برس”، بأن “استمرار تجاهل المؤسسات الرسمية للظاهرة، والاكتفاء بالمقاربة الأمنية الردعية، دون فتح نقاش حقيقي حول تفاقم الظاهرة في السنوات الأخيرة، يجعل الحلول بعيدة ومفتوحة على جميع الاحتمالات، خاصة بعدما أخذت الحرقة بعدا نوعيا، فلم تعد تقتصر على الشباب اليائس بل امتدات الى العئلات والنخب والمراهقين”.

معالجة الظاهرة يقوم على مقاربة محلية وأخرى اقليمية

يرى بوزيد أن: “ظاهرة الهجرة السرية، يمكن معالجتها على محوران: أولها محلي داخلي بفتح نقاش شامل وبلورة حلول ذاتية، أما ثانيها، فهو اقليمي جهوي، على اعتبار أن الظاهرة تمس ضفتي حوض المتوسط، واذا كانت دول الوجهة معروفة، فان دول الاستقبال تشمل كل الشمال الافريقي، ودول الساحل وما تحت الصحراء، مما يعني المقاربة يتوجب أن تكون مشتركة بين الحكومات المعنية”.

واللافت في آخر تقرير لمنظمة “هيروز ديل مار” الاسبانية، أن الجزائر باتت تتصدر أعداد المهاجرين غير النظاميين إلى إسبانيا في النصف الأول من العام الجاري، حيث تجاوز عدد الجزائريين الذين وصلوا إلى شبه الجزيرة الإيبيرية وجزر البليار مجموع جميع الجنسيات الأخرى.

وقال: “يبلغ عدد الجزائريين سبعة أضعاف عدد المغاربة، الذين كانوا في كثير من الأحيان في الصدارة قبل سنوات”.

ولا تفصّل وزارة الداخلية الإسبانية على موقعها الإلكتروني، هوية الوافدين حسب الجنسية لأسباب سياسية، كونها لا تريد ازعاج دول المغرب العربي التي يأتي منها المهاجرين. لكن وثيقة سرية صادرة عن الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، حول طريق البحر الأبيض المتوسط الغربي، ” فرونتكس” تفصل تدفق المهاجرين حسب بلدانهم الأصلية.

ولفت التقرير الى أنه “من يناير إلى جويلية العام 2025، وصل 4099 جزائريا إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، وخاصة إلى جزر البليار، وأنهم الأكثر عددًا بفارق كبير، يليهم، بشكل غريب، الصوماليون 1190 مهاجر، وهم من بلد يقع في الطرف الآخر من أفريقيا. وقد وصل إلى إسبانيا هذا العام أربعة أضعاف عدد الجزائريين الذين وصلوا إلى إيطاليا 1014”.

وتبقى الهجرة السرية تشكل ورقة ضغط وتجاذب بين حكومات ضفتي المتوسط، رغم المآسي الانسانية المنحوتة في أعماق المتوسط، ففيما تضغط الدول الأوروبية المستقبلة خاصة اسبانيا وايطاليا وفرنسا، على نظيرتها في الضفة الجنوبية لتؤدي دور الدركي بغية حماية سواحلها، تصر الأخيرة على ضرورة مساهمة الأوروبيين في مساعدات جادة واستثمارات ملموسة من أجل استقرار المهاجرين في أوطانهم، وتنظيم حركة هجرة وتنقل للأشخاص أكثر مرونة.

الاحباط في صدارة أسباب “الحرقة”

ويرى الباحث في علم الاجتماع ناصر جابي، بأن دوافع مغادرة الجزائر، التي تعد ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا والغنية بالموارد الطبيعية والبالغ عدد سكانها 47 مليون نسمة، لا تقتصر على المشاكل الاقتصادية، بل إن عاملا آخر يتمثل في كون الشباب الآن يرون الحدود بمنظور مختلف: فهم أكثر عولمة من الأجيال السابقة بفعل شبكات التواصل الاجتماعي.

وأكد على أن الإحباطات السياسية بعد قمع احتجاجات الحراك السلمي في العام 2019، ومطالبة البعض بمزيد من الحرية الاجتماعية في بلد محافظ، ساهمت في بلورة تحقيق الحلم في الضفة الأخرى.

ولفت إلى أن الهجرة السرية، لم تعد تقتصر على الشباب المهمش، فهناك بين “الحراقة” الذين يعبرون المتوسط إلى أوروبا موظفون حكوميون وعائلات كاملة، وفتيات وحيدات.

أما الباحثة في شؤون الهجرة الأوروبية أحلام شملالي، فترى أنها “ظاهرة معقدة مدفوعة بعوامل متعددة مثل قلة الفرص، المظالم السياسية، وقيود التنقل مع فرض تأشيرات نحو كل الدول الأوروبية.

وأكدت على أن “الإحباطات في كل أنحاء المغرب العربي بسبب الجمود السياسي وخيبة الأمل، خصوصا بعد الربيع العربي. يشعر الناس أن التغير الموعود لم يتحقق أبدا، والهجرة يمكن أن تكون ببساطة من أجل كسب الاستقلالية… الشباب يريدون حياة جديدة، فهم يبحثون أحيانا عن التحدي والهروب والمغامرة”.

ويرجح مختصون تزايد هجرة الجزائريين، الى ملاءمة الجغرافية البحرية الرابطة بين الضفتين، خاصة نحو اسبانيا، فالجزائريون ومعهم الأفارقة من مناطق يبدو أنها بعيدة كالصومال، توحي الى جغرافية بحرية ملائمة أكثر من المحاور الأخرى، خاصة بينها وبين اسبانيا.

أحلام مكبوتة وسرديات متكلسة

وأنه من أسباب انتعاش “الحرقة” من الجزائر نحو اسبانيا، هو النجاح النسبي لحكومة جيورجيا ميلوني في إيطاليا، في خفضها بنسبة 67 بالمائة (من 132907 إلى 49438) خلال العامين الأخيرين، ولذلك فان أولئك الذين لا يستطيعون الإبحار من ليبيا وتونس يحاولون الآن القيام بذلك من الجزائر.

ويطرح هؤلاء، فرضية أخرى تتمثل في ظهور شبكات جديدة تستغل الفوضى في البلاد المرتبطة بعدم الاستقرار السياسي، والتي كانت آخر تجلياتها، الاضطراب الذي رافق هجرة سبعة مراهقين من سواحل العاصمة الى ايبيزا الاسبانية، ثم فرار الجنرال عبد القادر حداد، الذي كان يشغل ادارة دائرة الأمن الداخلي (المخابرات الداخلية) بدوره الى اسبانيا، وسط جدل صاخب وموجة من الشائعات والاجراءات الأمنية التي كرست صراع عصب السلطة.

ولا تستبعد من أسباب تفاقم الظاهرة، غياب مشروع سياسي ومجتمعي، وعدم ملامسة الشباب لأي تغييرات في الأفق، مما يدفعهم إلى المغادرة، خاصة في ظل تردد أساطير كثيرة حول الهجرة غير الشرعية في الأوساط الشعبية والعائلية، فقد تمكن سبعة مراهقين من صناعة قصة تحدي بالصوت والصورة على شبكات التواصل الاجتماعي، فألغت معها كل السرديات والخطب السياسية الخشبية.

كما كان الشأن لمجلة “الجيش” لسان حال المؤسسة العسكرية، التي انتقدت ما أسمته، بـ “المبالغة الإعلامية في تغطية هروب المراهقين السبعة إلى إيبيزا، وأن التركيز على القضية خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي أبانت بوضوح عن وجود أجندات إعلامية خبيثة تسعى إلى إضعاف صورة وسمعة الجزائر، رغم أنها حالة معزولة”.

وأكدت في عددها الأخير، على أن “الضجة الإعلامية لبعض الأبواق الناعقة، هدفها المساس بالجزائر رغم أن مشاريع كبرى انعكست ايجابا على الوضع الاقتصادي وساهمت في خلق آلاف الوظائف للشباب”.

ويشير تقرير البرنامج، الى أن موجة الهجرة تضمن جنسيات غير معتادة مثل البنغاليين (48) والباكستانيين (18). وأن جزر البليار سجلت حتى نهاية شهر أوت أرقامًا قياسية، حيث وصل إلى مايوركا وإيبيزا وفورمينتيرا 5503 مهاجرا، معظمهم من الجزائر، على متن 296 قاربا أو زورقًا، بزيادة 70 بالمائة عن نفس الفترة من العام الماضي، ولم يتم القبض إلا على ثلث قباطنة القوارب.

احصائية لعدد المهاجرين السريين (يناير- جويلية)

الجزائر 4.099

الصومال 1.190

المغرب 593

مالي 474

غينيا كوناكري 227

بوركينا فاسو 93

ساحل العاج 63

نيجيريا 47

الكاميرون 41

السودان 40

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here