تراجع الزواج وانخفاض الخصوبة.. المجتمع الجزائري نحو الشيخوخة

1
تراجع الزواج وانخفاض الخصوبة.. المجتمع الجزائري نحو الشيخوخة
تراجع الزواج وانخفاض الخصوبة.. المجتمع الجزائري نحو الشيخوخة

أفريقيا برس – الجزائر. دفعت التحديات الاقتصادية والاجتماعية، والمستجدات التكنولوجية، بالشباب الجزائري إلى إعادة التفكير في دخول الحياة الزوجية.. وهي التحديات التي أدت إلى انخفاض عدد الزيجات سنة 2024 إلى 282 ألف زيجة، بعدما وصلت سنة 2014 إلى 387 ألف زيجة، والأمر ذاته أدى إلى انخفاض الإنجاب دون المليون ولادة سنويا.

وسجلت اللجنة الوطنية للسكان بوزارة الصحة، تراجعا مستمرا في الجزائر، لعدد الزيجات منذ السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يكشف عن تغير في أولويات الأفراد، إذ باتت الحياة المهنية والتكوين الذاتي والاستقلالية في السكن، من بين أهم هذه الأولويات.

وفي الوقت الذي ارتفع فيه عدد سكان الجزائر مع الفاتح جويلية الجاري إلى 47.99 مليون نسمة، تشير الأرقام إلى أن نسبة الزواج عند الشباب تراجعت مقارنة بسنوات أخرى بحيث سجلت سنة 2014، 387 ألف حالة زواج بينما لم يتعد عدد زيجات سنة 2024، 282 ألف حالة، الأمر الذي يثير مخاوف بعض المختصين، الذين يؤكدون أن أسباب ذلك لا تتعلق بمسائل اقتصادية فقط.

ارتفاع معدلات الشيخوخة وتراجع الإنجاب

وبحسب الأرقام التي كشفت عنها اللجنة الوطنية للسكان، خلال الاحتفال باليوم العالمي للسكان تحت شعار “إعطاء الشباب الوسائل لتكوين أسرة جزائرية مزدهرة ومليئة بالأمل”، فإن عدد الجزائريين الذين تتجاوز سنهم الستين، ارتفع سنة 2025 إلى 11.3 بالمائة، بعد أن كان سنة 2024 يمثل 10.5 بالمائة، في حين إن عدد الأطفال الأقل من 15 سنة تراجع إلى 29.3 بالمائة، بعد أن كان خلال السنة الماضية يمثل 30.3 بالمائة، وهذه مؤشرات تؤكد أن هناك تغيرات حدثت في المجتمع الجزائري، خاصة أن نسبة المواليد في سنوات ماضية، وبحسب معطيات وزارة الصحة والسكان، تراجعت منذ 2020، فبعد أن كانت تمثل مليون ولادة سنويا، أصبحت تمثل 800 ألف ولادة.

ويتقاطع التراجع في معدلات الزواج مع ارتفاع متوسط السن الذي أصبح لدى الإناث، 27 سنة، و34 سنة لدى الذكور، وفي مقابل ذلك، تشهد الجزائر ارتفاعا ملحوظا في معدلات الطلاق التي تصل بحسب معطيات رسمية، 86 ألف طلاق سنويا.

تراجع الزواج ومشاكل في الخصوبة

وبحسب أرقام وزارة الصحة، خلال احتفالية اليوم العالمي للسكان، فإن نسبة الأطفال الأقل من 15 سنة، كانت سنة 2000، تمثل 34 بالمائة وتراجعت سنة 2024 إلى 29.9 بالمائة، ولتصبح السنة الحالية 29.3 بالمائة، بينما نسبة الشيوخ وصلت خلال هذه السنة 11.3، بينما كانت سنة 2000، لا تتعدى 6.7 بالمائة.

تراجح حظوظ الإنجاب لدى النساء

وتشير توقعات وزارة الصحة، إلى أن معدل الخصوبة في الجزائر لعام 2025، يمثل 2.1 طفل لكل امرأة، بعد أن شهد في السنوات الأخيرة انخفاضا ملحوظا وصل إلى سنة 2022، إلى 2.83 طفل لكل امرأة.

وفي هذا السياق، أكد البروفسور فريد بن عيبوش، خبير في طب التوليد والخصوبة، أن حظوظ الإنجاب تتراجع عند النساء الجزائريات، إذ أضحت بحسبه، حتى الفتيات دون الـ 35 سنة، تعاني مشاكل الخصوبة، ومسببات العقم، موضحا أن الأمر يتعلق أيضا بالرجال.

وعن أسباب ذلك، أوضح بن عيبوش، أن الخصوبة في الغالب تتعلق بالسن، ولكن إلى جانب ذلك، هناك عوامل إضافية قد تقلل من حظوظ الإنجاب حتى عند شباب لا تتعدى سنهم 30 سنة، كالتلوث البيئي، وتغير طبيعة الغذاء، والإفراط في استعمال الهواتف النقالة، وقلة الحركة والسمنة والأمراض المزمنة التي باتت منتشرة وتصيب هذه الفئة، الضغوطات النفسية جراء عوامل اجتماعية.

وقال بن عيبوش، إن الخصوبة باتت مهددة أيضا بالمخدرات، والمهلوسات والسجائر والكحول، مبديا تخوفهم من زيادة حالات العقم التي تؤدي مستقبلا إلى شيخوخة المجتمع الجزائري، واندماج أجناس أخرى بعد هجرتها إلى بلادنا.

وبحسب رأي خبير التوليد والخصوبة، البروفسور فريد بن عيبوش، فإن نحو 4 ملايين جزائري يعانون العقم أو صعوبة الإنجاب، ونسبة 40 بالمائة من هؤلاء هم رجال، مشيرا إلى أن التأخر في الزواج يفاقم مشكل الخصوبة في ظل عوامل أخرى مؤثرة.

وبحسب المسح الوطني المتعددة المؤشرات لسنة 2019، فإن عدد الأطفال المرغوب فيهم لفئة من الجزائريات تتراوح أعمارهن بين 15 سنة و49 سنة، لا يتعدى 3 أطفال كعدد كاف لأسرة جزائرية، بينما كشف ذات المسح، أن السن المثالية، عند نساء ما بين 15 إلى 49 سنة، هو 24 سنة، وأما الرجال من نفس الفئة العمرية، فإن الزواج المفضل يكون في الـ 30 سنة.

وفي ما يتعلق باستعمال وسائل الحمل عند النساء المتزوجات، فإن الوسائل الحديثة تمثل 44.7 بالمائة عند فئة عمرية 15 سنة إلى 29 سنة بينما عند الفئة ما بين 15 إلى 49 سنة، فتمثل 44.9 بالمائة.

تحديات لابد منها

وحول إشكالية تأخر الزواج في الجزائر، أكدت نصيرة بوخاري، مديرة فرعية بوزارة الصحة والسكان، أن التحديات التي تواجه الشباب الجزائري اليوم، من تكوين عائلة بعد التعليم والتكوين والحصول على العمل، هي اقتصادية واجتماعية، بحيث هناك أشياء كثيرة حصلت في الجزائر بحسبها، لكن هناك بحسبها، حلول تتعلق بالبطالة وتوفير السكن.

وقالت بوخاري، إن التكوين هو الأهم في مجالات معينة، خاصة أن نسبة شباب ما بين 15 سنة و29 سنة تمثل 10 بالمائة من تعداد السكان، وإن العزوف عن الزواج يجب أن توضع له حلول بناء على استراتيجية معينة، مع تقديم تسهيلات تستفيد منها العائلة.

وأشارت إلى أن المناقشات المتعلقة باليوم العالمي للسكان، تدور حول انخفاض الخصوبة مع التركيز بشكل خاص عن غياب الاستقلالية الإنجابية لدى الشباب مما يمنعهم من تحقيق تطلعاتهم في مجال الخصوبة، وعن مخاوفهم بشأن مستقبلهم والتي تعيق مشاريعهم في تكوين أسرة.

وبحسب تقرير حالة السكان العالمي لسنة 2025، فإن الكوارث الطبيعية المناخية والاضطرابات الاقتصادية والصراعات العالمية تعتبر عوامل تثير لدى الشباب الخوف من عالم أقل أملا مقارنة بعالم آبائهم، بحيث يشعر العديد منهم بأنهم محرمون من مستقبلهم ولا يؤخذون بعين الاعتبار من قبل السياسات التي يرون أنها تتجاهل تطلعاتهم وواقعهم اليومي.

بحث أسباب تراجع معدلات الزواج

وأكد في هذا السياق، نصر الدين حمودة، خبير سابق في الإحصاء بالديوان الوطني للإحصاء، أن العزوف عن الزواج من طرف الشباب الجزائري، يثير الكثير من المخاوف، إذ أصبح من الضروري القيام بدراسة هذه الظاهرة الاجتماعية وتفسيرها من خلال بحوث ميدانية متخصصة في مجال العائلة وتكوين الأسرة.

وقال إن العوائق التي تقف في وجه الشباب، وتعيقهم عن تكوين الأسرة غالبا ما تكون اقتصادية، وتتعلق بالفقر، وهي مشابهة في الكثير من البلدان، وهناك عوامل اجتماعية، فيها التميز ونقص الدعم وضعف جودة الرعاية الصحية الإنجابية، والتشاؤم بشأن المستقبل.

ومن جهته، أفاد مستشار وزير الصحة، الحاج محمد، أن الجهود متواصلة لتحسين خدمات رعاية الأطفال والصحة الإنجابية، مع توفير بعض احتياجات الأفراد في ظل تزايد النمو الديمغرافي، كضمان وصول الجميع إلى الخدمات الصحية، وتقديم الدعم المستدام للأمهات والآباء ومعالجة قضايا العنف داخل الأسرة.

وترى عبلة بن خبزي، مكلفة بإعداد النصوص التشريعية والتنظيمية للضمان الاجتماعي بوزارة العمل، أن الاعتراف بالطاقة الهائلة التي يشكلها الشباب الجزائري وبتطلعاته وإصراره على رفع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الجزائر، تبدأ بتشجيع المشاريع المصغرة وإدماجها في الاقتصاد الوطني، مؤكدة أن هناك مؤشرات إيجابية تكشف عن الخطوة الجادة والكبيرة التي قام بها بعض الشباب في تحقيق مشاريعهم على أرض الواقع.

واعتبرت المتحدثة، أن من بين العوامل الرئيسية في التنمية التي تلعب دورا حاسما في تعزيز ومشاركة الشباب في بناء الجزائر، عامل العمل وتنفيذ المشاريع وبناء الأسرة بطريقة استقلالية، وهذا بعد توفر الصحة والتعليم والتكوين والسكن والثقافة والترفيه، وتحقيق المساواة والعدالة.

شبكات تستغل الوسائط الإلكترونية للتشويش على الشباب

ودعا الأستاذ عبد الحميد قشادي، مدير المسابقات القرآنية في وزارة الشؤون الدينية، في سياق موضوع العزوف عن الزواج، إلى ضرورة إخضاع الشباب قبل الزواج لدورة تأهيلية، يشرف عليها مختصون في العلاقات الزوجية، قائلا إن الشباب الذي يخضع للدورة التأهيلية، يعرف كيفية اختيار الشريك وكيفية التعامل معه قبل وبعد الزواج.

ويرى أن الحياة الزوجية ليست وردية دائما، فهناك مشاكل لابد من أن يتقاسمها الزوجان، مشيرا في ذات السياق، إلى الثقافة الجنسية المبنية على أخلاق إسلامية، التي يجب أن تدرس في إطارها التربوي، خاصة في ظل انتشار مواقع إباحية عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وأكد الأستاذ قشادي، أن وزارة الشؤون الدينية تعتمد المعاهد المتخصصة لتوعية الشباب في المساجد، مضيفا أن التحديات التي أصبحت تواجه شبابنا ليست فقط مادية، بل هناك تحديات فكرية فلسفة إعلامية، ووسائط تشوش على الشباب وراءها لوبيات ضد المحافظة على الأسرة والنسل البشري.

وحذر من تلك الخطط الأجنبية التي تسطر لأجل الخروج بالإنسان من الفطرة إلى غير فطرته، بحيث أكد على ضرورة اعتماد صندوق للزواج لتيسير الأمر على بعض الجزائريين من أجل تكوين أسرة وإنجاب أطفال.

يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر عبر موقع أفريقيا برس

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here