أفريقيا برس – الجزائر. لم يؤثر اللقاء الصحفي الأخير للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحديثه عن عدم نيته الاعتذار للجزائر حول الماضي الاستعماري، في وتيرة العلاقات بين البلدين التي تبدو في أحسن حالاتها، بدليل المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين والاتفاق بينهما رسميا، على موعد زيارة الرئيس عبد المجيد تبون لباريس.
وذكرت الرئاسة الجزائرية، في بيان لها أن الرئيس تبون، تلقى مكالمة هاتفية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تبادلا فيها التهاني، بمناسبة السنة الميلادية الجديدة متمنيين للشعبين دوام التقدم والازدهار. وتناول الرئيسان بالمناسبة، قضايا تهم العلاقات الثنائية، وتطرقا إلى زيارة الدولة التي سيؤديها السيد رئيس الجمهورية إلى فرنسا، حيث اتفقا على أن تكون خلال شهر أيار/مايو المقبل.
وتأتي هذه المكالمة الهاتفية، بعد أيام فقط من الحوار الذي أجراه الرئيس ماكرون مع الكاتب والروائي كمال داود حول العلاقات الجزائرية الفرنسية على مجلة لوبوان، والذي أثار جدلا واسعا بعد أن حسم ماكرون في مسألة الاعتذار عن جرائم الاستعمار التي ظلت مطروحة في ملف الذاكرة، بالرفض القاطع مبررا ذلك بأن هذه الكلمة لن تقدم شيئا في مسار العلاقات ولن تصلح الماضي، بل على العكس ستكون لها أضرار عليه، على حد وصفه.
وأبرز ماكرون أن خياره بعدم الاعتذار، يعود لتعقيدات الاستعمار والآلام التي تسبب بها لكل الأطراف، مفضلا بدلا عن ذلك خيار الاعتراف ومواصلة جهود تهدئة الذاكرة، قائلا: “استعمرت فرنسا الجزائر بخيارات عسكرية. بعد ذلك، بطريقة غير نمطية للغاية من منظور الضم والاستيطان. وتصرفت بشكل مختلف عما فعلته في أماكن أخرى، وكانت هناك الحرب التي خلقت عددًا كبيرًا من الأعمال الدرامية مع قصص لا يمكن التوفيق بينها في كثير من الأحيان. ثم جاء أخيرا الصمت بعد إنهاء الاستعمار. يجب أن نُذكّر بأنه خلال العقود الماضية، شارك جيل كامل من السياسيين الفرنسيين في النسيان”.
ولم يأت ماكرون بالجديد في حديثه عن عدم الاعتذار على الأقل في المعنى، فقد سبق له أن ردد نفس الشيء عندما زار الجزائر في آب/أغسطس الماضي، فقال إنه يرفض أن يكون محاصرا باستمرار للاختيار بين الكبرياء والتوبة. وأبرز “أنا، أريد الحقيقة، الاعتراف، لأننا إذا بقينا هكذا لن نتحرك أبدًا إلى الأمام. أنا لم أشهد حرب الجزائر وحتى عائلتي”. وأشار الرئيس الفرنسي إلى أنه يريد بناء المستقبل دون التعتيم على أي شيء من الماضي الاستعماري، متعهدا بمواصلة العمل على كشف الحقائق.
وحتى من الجانب الجزائري، لم يعد مطلب الاعتذار بارزا بقوة، فالرئيس تبون يفضل بدلا عنه الحديث عن الاعتراف أيضا. وذكر قبل سنتين في حوار مع صحيفة لوبينيون الفرنسية، أن “الجزائريين مهتمون باعتراف الدولة الفرنسية بأفعالها أكثر من التعويض المادي. التعويض الوحيد الممكن هو عن التجارب النووية، إذ لا تزال الآثار تلاحق السكان إلى اليوم وهناك من يعاني من تشوهات، كما أن بعض الأماكن لم يتم تنظيفها بعد”.
وشدد الرئيس الجزائري مرة أخرى قبل أسابيع في حوار مع لوفيغارو، على مسألة الاعتراف، ساردا مختلف المجازر التي تعرض لها الجزائريون حتى قبل بدء الثورة التحريرية.
وقد تكون زيارة الرئيس تبون، مناسبة للمشاركة في مراسم تكريم أمام نصب الأمير عبد القادر ببلدة أمبواز (المكان الذي احتجز فيه قائد المقاومة الجزائرية) قرب باريس، وهي دعوة وجهها له ماكرون في حواره، حيث قال إن “مثل هكذا أمر سيكون لحظة جميلة جدًا وقوية جداً”.
وتأتي الزيارة المنتظرة في إطار ديناميكية تعرفها العلاقات بعد أزمة تصريحات ماكرون في أيلول/سبتمبر 2021، والتي هاجم فيها بضراوة طبيعة النظام الجزائري وأساء فيها لتاريخ الأمة الجزائرية. واعترف ماكرون لأول مرة بخطأ تلك التصريحات، قائلًا: “قد تكون عبارة خرقاء وقد تكون جرحت مشاعر الجزائريين”، واعتبر في الوقت نفسه أن “لحظات التوتّر هذه تعلّمنا. عليك أن تعرف كيف تمد يدك مجددًا”.
اضغط على الرابط لمشاهدة التفاصيل
يمكنكم متابعة المزيد من أخبار و تحليلات عن الجزائر اليوم عبر موقع أفريقيا برس