دكتورة من قسنطينة تحرّر وصفاتها باللغة العربية

17
دكتورة من قسنطينة تحرّر وصفاتها باللغة العربية
دكتورة من قسنطينة تحرّر وصفاتها باللغة العربية

افريقيا برسالجزائر. أثلجت الدكتورة، نجاة بن لطرش، وهي طبيبة عامة، قلوب الكثير من مرضاها الذين يزورون عيادتها ببلدية الخروب بولاية قسنطينة، عندما تقابلهم بترحاب وتشخيص حالتهم باللغة العربية الفصحى، التي تؤكد ثقافة طبيبة تخرجت منذ أكثر من عشرين سنة، واقتنعت مع مرور السنوات بأن اللغة الفرنسية لغة ميتة، لا علاقة لها بالعلم والمعارف الحديثة، خاصة في مجال الطب. والحوار الراقي والصريح بين الطبيب والمريض هو الذي يمكن من خلاله بلوغ التشخيص الدقيق للمرض الذي يمكّن من العلاج السليم.

أما المفاجأة، فهي كون الطبيبة تكتب وصفاتها أيضا باللغة العربية، بالرغم من كون كل الأدوية الموجودة في السوق بل وفي العالم، ذات نطق أجنبي وليس عربيا، ومع ذلك تجد الدكتورة نجاة للعربية مكانا في الوصفة كأن تكتب قنينة أو علبة أو صباحا أو مساء أو حقنة أو قطرات، حتى يتمكن المريض من فهم الوصفة التي ظلّت لعقود أشبه بالألغاز في الجزائر، خاصة وأن خط غالبية الأطباء لا يكاد يفهمه سوى الصيادلة أو بعضهم.

وجرّت الدكتورة نجاة عددا من الصيادلة الذين ساروا على نهجها وصاروا لا يتفاجؤون عندما تصلهم وصفاتها المعرّبة، يكتبون على علبة الدواء باللغة العربية مثل: “ثلاث جرعات في اليوم، وحقنة كل ثلاثة أيام وثلاث قطرات يوميا في العين اليسرى”، كما انتقل إلى السير على خطاها عدد من الأطباء وجراحي الأسنان عبر العديد من الولايات.

“الشروق”، سألت الدكتورة نجاة عن سرّ هذا التوجه العربي في تعاملها مع مرضاها، عكس آلاف الأطباء في الجزائر، فقالت: “ما قمت به هو أمر بديهي، فبعد الاستقلال لا بدّ من استرجاع الهوية وتحطيم كل القيود بما فيها اللغة، وصراحة أنا لست قومية ولا أدافع عن العربية وإنما ضد اللغة الفرنسية، فهي في الحضيض شأنها شأن اللغة العربية، وما دامتا سويا متأخرتين، فالأحسن أن أتحدث بالعربية التي أفهمها ويفهمها المرضى”.

وعن المشكل المطروح من خلال استيراد الأدوية وأسماءها الأجنبية، فتراه مبرر غير منطقي: “كل الشركات الطبية المورّدة للأدوية تكتب الوصفات باللغة الإنجليزية ولغة البلد المستقبل للدواء، الأمر سهل وبسيط ومن يقول غير ذلك فهو مخطئ”.

ثم تضيف الدكتورة نجاة: “أنا بصدد أداء واجبي طبق أخلاقيات المهنة من خلال التحدث مع المريض باللغة التي يفهمها وهناك بند في قانون الطب يجعل من حق المريض ومن واجب الطبيب كتابة الوصفة باللغة التي يفهمها وليس خربشات بالفرنسية تجعله بين جهل ومرض، ولو أعمل في الصين فسأكتب بالصينية وليس الفرنسية ولا العربية” وتشرح بحسرة: “ستون سنة من الاستقلال ونحن نتكلم بلغة المستعمر المتخلفة، والطبيب هو صفوة المجتمع فعليه أن يساهم في توقيف مهزلة الفرنسية التي تعتبر حاليا لغة ميتة بكل المقاييس، وأراها سبب كل فتنة في بلدنا”.

“الفرنسيون أنفسهم يقرؤون باللغة الإنجليزية”

وعن مسارها الطبي وهي تتقن اللغة الفرنسية أحسن من الفرنسيين، تقول الدكتورة نجاة: “منذ أن كنت طالبة طب وبعد تخرجي أجدني أبحث عن المعلومات الجديدة في عالم الطب، فلا أكاد أصادف فرنسيا أو معلومة بالفرنسية، ومن العار أن يبقى الطبيب أو الباحث الجزائري ينتظر فرنسيا يترجم له ما يقدمه الأمريكيون واليابانيون من دون أن يذهب للمعلومة في منبعها الأول، لو كانت فرنسا بلدا متقدما في الطب لهان الأمر لكنها حاليا متأخرة جدا، والفرنسيون أنفسهم صاروا يقرؤون باللغة الإنجليزية، بينما نجد من يدافع هنا عن لغتهم الميتة”. أما عن تعاملها مع المرضى في زمن كورونا فتقول بانفعال للشروق اليومي: “لا أفهم كيف ينتظر بعض الناس المعلومات من الطبيب الفرنسي راؤول، فهو لا يعرف شيئا عن الوباء، لقد تعاملت مع أولى حالات كوفيد في بداية السنة الماضية وكنت استقبل ما لا يقل عن 200 مريض بكورونا في الشهر، ولأنني أخذت المعلومات والتجارب من خارج فرنسا فقد تمكنت من المساهمة في علاج المرضى ووقاية نفسي أيضا”..

وعن تفاعل الناس والمحيطين من حولها مع تعريب الوصفة فتقول: “الكل معي الكل يشجع، هناك من ساروا على النهج نفسه، ومن انتقدوني فهم أحرار، ما يهمني أن مرضاي متفاعلين معي”. وتختم كلامها مع “الشروق” بالقول: “أنا ضد اللغة الفرنسية لأنها متأخرة وهي وصمة عار، ولو كنت أعمل في بلاد القبائل لكتبت الوصفة بالأمازيغية وليس بالفرنسية، وما يبهجني أن أكثر المشجعين لي وغالبية الرسائل تصلني من تيزي وزو وخاصة من بجاية، فأنا أمازيغية وعائلتي الكبيرة من بجاية، كما أن زوجي أيضا أمازيغي، ومقتنعة بأن خروج الفرنسية من قاموس الجزائريين في تعاملاتهم ومن برامجهم الدراسية ستدفن للأبد التفريق بين عربي وأمازيغي في الجزائر“.

ب. ع

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here